تتصاعد هذه الأيام حدة النقاشات حول أزمة الطاقة فى مصر، فعلى ما يبدو أننا بدأنا ندرك أخيرا، أنها أم الأزمات التى تعانى منها، ليس فقط على المستويين الخدمى والاقتصادى وإنما أيضا على المستوى البيئى، فمن الواضح أن الوعى قد زاد تجاه مخاطر تلوث البيئة الناتج عن استخدام بعض مصادر الوقود، وعلى الرغم من أننا نتحدث عن أزمة، إلا أن حدة النقاشات ومحتواها يكشف عن تغيير فى طريقة التفكير تجاه أزمة الطاقة، فالجميع لا يتعامل معها باعتبارها معطلة ومعوقة للموازنة العامة للدولة فقط، بل يتعاملون باعتبارها أزمة دخول مصر القرن الحادى والعشرين والفكاك من الماضى بكل معتقداته وترسباته، كما أن أكثر ما يلفت الانتباه فى هذه النقاشات، أنها تبدأ دوما من فكرة ضرورة تأمين مستقبل الطاقة بتوفرها على كافة الأصعدة، باعتبارها شريان الحياة والاقتصاد، ولا يمكن العيش أو التطور بدونها. وعلى غير ما يقدم الإعلام المشكلة للرأى العام، فالمشكلة ليست بنزين وسولار وكهرباء، بقدر ما هى مشكلة توفير الطاقة للصناعة التى تستطيع جذب رءوس أموال كبيرة، حتى أن أحد الخبراء أشار صراحة إلى أن المستثمرين قبل أن يأتوا إلى مصر سيسألون عن طريقة تسعيرها وتوزيعها للطاقة للمشروعات الصناعية، وهذا يعنى أننا بحاجة حقيقية لهيئات مسئولة عن ذلك، وكذلك تشريعات واضحة، من أجل جذب رءوس الأموال التى تبحث عنها مصر منذ ثلاث سنوات، وكلا الأمرين (الهيئة والتشريعات) لم نسمع عنهما أى شىء حتى الآن، اللهم سوى ضرورة وجودهم للتفاهم مع عالم الاستثمار، أيضا، صارت السياحة تتحدث عن ضرورة توافر طاقة نظيفة، حيث بدأت نسب الزيادة فيما يسمى بالسياحة الخضراء، أو سياحة الشواطئ والبيئة النظيفة، فى مقابل تراجع السياحة الثقافية التقليدية، أى أن الطاقة باختصار صارت عصب الحياة الاقتصادية فى مصر، أو على الأقل هذا ما نلمحه ويلح علينا يوميا. هذا لا يمنع أبدا، أن قضية دعم الطاقة قضية محورية، ولا يمكن الخروج من الأزمة التى نعانى منها منذ سنوات طويلة، إلا بمراجعة القضية برمتها، وطبعا لا يعنى ذلك أبدا رفع الدعم أو خفضه عن الشرائح المستحقة لذلك، فهذا واجب الدولة ووظيفتها، لكن لو استمرت الأمور على هذا المنوال لن تستطيع الدولة توفير الطاقة ذاتها وهذا ما نخشى منه صراحة، وأعتقد أن أزمة الطاقة فى مصر تنبع من هلع السلطة من الاقتراب من هذا الملف بجدية منذ انتفاضة يناير 1977، والتى سببت فوبيا للسلطة، لم تستطع التخلص منها، ولذلك، لم تقم أى حكومة طوال 37 عاما بمحاولة حل مشكلة الطاقة بشكل جذرى، وأبقت فقط على الحلول المؤقتة، فحولتها من أزمة يمكن حلها ببعض الجهد والحلول الذكية والتضحيات الصغيرة، إلى أزمة تحتاج إلى معجزة حقيقية لحلها مع تضحيات ضخمة، والمدهش أننا جميعا مازلنا نتابع الحلول المؤقتة، وننظر ببلاهة لتفاقم الأزمة وكأن الأمر يحدث فى بلد آخر، أو يعنى شعبا آخر.