تعرض السودان منذ سقوط نظام عمر البشير لعدة محاولات انقلابية قام بها أنصار النظام القديم فى الوقت الذى يحاول المجلس الانتقالى العسكرى برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان الوصول ببلاده إلى شاطئ أمان وتوافق مع القوى السياسية المختلفة لكن يبدو أن الأمر فى السودان مختلف خاصة وأنه يعانى من نزاعات داخلية حادة وأزمات اقتصادية خانقة، خلال السنوات الأخيرة، والتى تتمثل فى تزايد فجوة عدم الثقة بين الأطراف السياسية، وبقاء عدد من القضايا العالقة دون حسم خلال المراحل الانتقالية. ووفق تقارير عربية ودولية لمراكز الأبحاث فإن مسألة تعقيدات اتفاقات ترتيبات الحكم وتقاسم السلطة فى المنطقة قد أثيرت مؤخرًا بعد توصل المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان إلى اتفاق سياسى لتقاسم السلطة مع تحالف قوى “إعلان الحرية والتغيير“، فى 17 يوليو الجاري، بحضور وسطاء من الاتحاد الإفريقى وإثيوبيا بعد محادثات طويلة بين الطرفين، والتى أعقبت وتزامنت مع تواصل الاحتجاجات فى عدة مدن للمطالبة بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد تنحية الرئيس السابق عمر البشير. وقد وصف نائب رئيس المجلس العسكرى محمد حمدان “حميدتي” الاتفاق بأنه “لحظة حاسمة وتاريخية لكل الشعب السوداني“. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق يستغرق ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر، وينص على تكوين مجلس سيادى يتشكل من 5 مدنيين و5 عسكريين وشخصية مدنية يتم التوافق عليها بين الطرفين، ويرأس أحد أعضاء المجلس العسكرى المجلس السيادى خلال 21 شهرًا من الفترة الانتقالية، ثم تنتقل الرئاسة إلى أحد أعضاء المجلس من المدنيين خلال ال 18 شهرًا الباقية. ويتضمن الاتفاق 21 بندًا موزعين على 6 فصول هي: المبادئ المرشدة، والترتيبات الانتقالية، والمجلس التشريعي، ولجنة التحقيق، ومهام المرحلة الانتقالية، والمساندة الإقليمية والدولية. والمشكلة فى بقاء عدد من القضايا العالقة دون حسم ومن أبرز تلك القضايا ما يتعلق بمنح رئيس وأعضاء المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان حصانات مطلقة. عدم مشاركة بعض المجموعات المعارضة فى الاتفاقات كان أحد العوامل التى أدت إلى تعثر تنفيذ اتفاق تقاسم السلطة بجنوب السودان الموقع بين حكومة الرئيس سيلفا كير وزعيم المتمردين رياك مشار (نائب الرئيس)، فى 25 يوليو 2018، حيث امتنعت مجموعات معارضة أصغر عن التوقيع على الاتفاق بدعوى أن الأخير “لا يعالج جوهر المشكلة“، لا سيما فى ظل فشل اتفاق مماثل بشأن تقاسم السلطة وقع فى عام 2015. وعلى مدى السنوات (2015-2018) تزايدت عمليات القتل على أساس عرقى بخلاف جرائم الاغتصاب، بما يعطى مؤشرًا على تعثر جهود إحلال السلام فى البلاد. ووفقًا لتقديرات صادرة عن الأممالمتحدة، أسفرت الحرب الأهلية فى جنوب السودان عن سقوط 10 آلاف قتيل، فضلاً عن نزوح 1,7 مليون شخص. وينطبق ذلك أيضًا على بعض الفصائل المتمردة فى السودان التى وجهت انتقادات بشأن اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكرى الانتقالى والحركات السياسية المعارضة، حيث وصف فصيل من حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور، فى 6 يوليو الجاري، الاتفاق بأنه “خيانة للثورة“، فى حين قال فصيل آخر من الحركة، بقيادة اركو مناوي، أنه “يجب التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة قبل الشروع فى عملية الانتقال المخطط لها“. وهنا تجدر الإشارة إلى انقسام حركة تحرير السودان، التى كانت تقاتل القوات المتمردة فى إقليم دارفور بغرب السودان، إلى فصيلين متنافسين منذ عام 2014، بحيث انضم مناوى إلى ائتلاف سياسى مع المحتجين، بينما رفض نور المشاركة فى الائتلاف. والغريب أن يجتمع ما يسمى بالشركاء الدوليين لدعم السودان فى هولندا مع وضع شروط من بينها تشكيل حكومة بقيادة مدنية ومبدأ التقدم فى الالتزامات التى وافقت عليها الأطراف السودانية يظلان أساسيين فى تسهيل تقديم الدعم الاقتصادى والتقنى للسودان. والأغرب هو مشاركة قطر حيث ترأس وفد الدوحة فى الاجتماع مطلق القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية لمكافحة الإرهاب والوساطة فى تسوية المنازعات، كما حضر ممثلو عدة دول صديقة للسودان وممثلو المؤسسات المالية الدولية الرئيسية، لكن هناك علامة استفهام حول مشاركة قطر لأمرين الأول استعادة مكانتها التى كانت موجودة وبقوة فى عهد النظام السابق وكممثلة للتواجد التركى المرفوض من المجلس الانتقالى العسكرى والأمر الثانى إثارة الفوضى وتبنى عمليات إرهابية تمنع التوصل لأى اتفاق سياسى وخاصة أن دورها معروف فى التدخلات. وكل ذلك دفع رئيس حزب الأمة القومى فى السودان الصادق المهدى للتحذير من أحزاب “تراهن على الفوضى ولا تؤمن بالديمقراطية” وتنظر للفترة الانتقالية “كفرصة لبناء مجد سياسي“. ولفت أيضا إلى وجود تحديات خارجية تتمثل فى مواجهة قوى خارجية، رأى أنها لا تحب الخير للسودان و“تجد ضالتها فى فشل تجربة الانتقال والانتكاسة، حتى لا تكون حافزا لنهوض الشعوب والثورة ضد الطغيان“.