قبل 60 عامًا هدد الرئيس التركى الأسبق عدنان مندريس بالاعتداء على سوريا.. وعلى الفور رد الرئيس جمال عبد الناصر على تهديدات تركيا بتصريح قال فيه إن تحريك جندى واحد تجاه سوريا هو اعتداء على مصر ولن نسكت عليه. وفى هذه الأجواء كتب الراحل صلاح جاهين قصيدته الشهيرة «تركى بجم» والتى يقول فى مطلعها: تركى بجم سِكِر إنسجم .. لاظ شقلباظ إتغاظ هجم دبور جبان من غير زَبَان.. زنان كبير يمضغ لبان يسمع نفير يخاف يبان .. آمان آمان تركى بجم هل كان صلاح جاهين يقرأ الغيب.. هل كان يعرف أن قصيدته التى سخر فيها من الرئيس التركى الأسبق عدنان مندريس قبل 60 عامًا ستكون هى القصيدة المناسبة لوصف تصرفات الرئيس التركى الحالى رجب طيب أردوغان؟ كيف لا تكون وهو أكبر دبور جبان.. من غير زبان.. وهو أيضا معروف بأنه يهاجم إذا اتغاظ.. وكثيرًا ما يتغاظ من مصر (!!) وليس خافيًا أن كلمة بجم التى تعنى السكوت عن خوف وفزع هى كلمة يسخر فيها المصريون من الأتراك.. خاصة الحمقى منهم.. والحقيقة أننى لم أعرف تركى أكثر حماقة من هذا البجم أردوغان! وليس أدل على حماقته مما حدث مؤخرًا فى تركيا. فى شهر مارس الماضى جرت الانتخابات المحلية التركية ولأول مرة يخسر حزب أردوغان.. حزب العدالة والتنمية، الانتخابات فى المدن الكبيرة.. أنقرة وأزمير وإسطنبول وغيرها.. أصابت النتيجة أردوغان بغضب شديد خاصة لأن حزبه خسر الانتخابات فى إسطنبولمسقط رأسه.. وشعر أردوغان بالغيظ فهجم! ضغط أردوغان على اللجنة العليا للانتخابات لإعادة التصويت فى مدينة اسطنبول.. وتحت ضغوط أردوغان وافقت اللجنة العليا على الإعادة وكانت المفاجأة الصادمة للبجم الشقلباظ هى خسارة حزبه للمرة الثانية مع سبق الإصرار والترصد! والحقيقة أن أردوغان لم يخسر اسطنبول وحدها ولكنه خسر تركيا كلها! qqq إذا خسرنا اسطنبول خسرنا تركيا.. كانت هذه هى جملة الرئيس التركى طيب رجب أردوغان قبل انتخابات المحليات التى جرت فى مارس الماضى.. ولم يكن البجم التركى يتوقع ساعتها أى خسارة لحزبه فى إسطنبول.. لكن الخسارة حدثت.. ثم تضاعفت حجم الخسارة بعد إصرار أردوغان على إعادة الانتخابات. ماذا تعنى هذه الخسارة؟ بداية ليس صحيحًا أن الانتخابات المحلية ليس لها بُعد سياسى ومن ثم فليس لها قيمة كبيرة.. إذا كان ذلك صحيحا فلماذا انزعج أردوغان وحزبه من خسارة إسطنبول؟ والحقيقة أن هذه الخسارة تعتبر صفعة قوية لأردوغان وتمثل بداية النهاية لمستقبل أردوغان السياسى.. اسطنبول هى مسقط رأس أردوغان وهى العاصمة الاقتصادية لتركيا، وبالتالى كان حزب العدالة والتنمية يعتمد على بقائها فى يده لضمان بقائه كحزب حاكم يسيطر على جميع الأمور فى تركيا. وليس أدل على أهمية إسطنبول لأردوغان وحزبه من اختيار الرجل الثانى بعد أردوغان لخوض الانتخابات المحلية.. وهو بن على يلدريم رئيس وزراء تركيا السابق ورئيس البرلمان التركى وأحد أقرب الرجال إلى أردوغان. وليس هناك معنى لذلك إلا أن خسارة بن على يلدريم هى خسارة لأردوغان نفسه. وبالطبع فإن هذه الخسارة التى تمثل خسارة شخصية لأردوغان أصبحت تهدد مستقبله السياسى وتهدد الانتخابات الرئاسية التى يمنى النفس للفوز بها والاحتفاظ بمنصبه وليس مستبعدًا أن يكون الفائز فى انتخابات اسطنبول أكرم إمام أوغلو هو المنافس القوى الذى يمكن أن يطيح بأردوغان من فوق عرشه! والحقيقة أن هناك بُعدًا أكثر خطورة من ذلك كله.. فمن المؤكد أن خسارة أردوغان وحزبه فى إسطنبول تمثل رسالة واضحة من الشعب التركى مفادها أنه غير راض عن الأداء السياسى لأردوغان وحزبه الحاكم.. ومن ثم فإنه من المتوقع أن يلجأ أردوغان وحزبه إلى تغيير الأداء السياسى حتى لا يتفاقم غضب الشارع التركى. وليس بعيدًا عن الحقيقة بعد ذلك كله أن كل ما يقوم به أردوغان للهجوم على مصر والزعم بأن محمد مرسى مات مقتولا ومطالبته بتحقيق دولى.. كل ذلك ليس إلا محاولة من أردوغان وذريعة لصرف الأنظار عن الأزمة التى يعانى منها أردوغان داخليًا. qqq أصبح واضحًا أن شهر العسل قد انتهى بين أردوغان والشعب التركى.. وأظن أن ذلك يعنى بداية النهاية للبجم التركى الشقلباظ الذى يهاجم إذا اتغاظ.