عندما أطلق (أليكسيس تسيبراس) صيحته الشهيرة منذ عام تقريبا مطالباً الجميع الاصطفاف «لإنقاذ اليونان» لم يدرك أبدًا أنه يخوض حرباً من أجل البقاء.. فهو يقود الجيل الثورى لليسار الأوروبى الصاعد الذى يتحدى الرأسمالية الأوروبية فى عقر دارها والتى قررت قبول التحدى بفرض المزيد من العراقيل والتعقيدات بمسميات اقتصادية عدة من أجل تمريرها فقط أمام المجتمع الدولى ولكنها تهدف – حقيقة - لإجهاض هذه التجربة التى ينتظر نتائجها بفروغ الصبر دول أخرى أطاحت الرأسمالية المتوحشة والأزمات الاقتصادية المتتالية بأحلامها فى مستقبل واعد وحياة مستقرة. فاليونان التى عرفها الجميع بأنها مهد الحضارة الغربية منذ أكثر من 800 عام خرجت من معركتها ضد الاستعمار التركى والألمانى والإيطالى لتقود حروبا أخرى من أجل الوجود، وقد تغير نظامها السياسى من الملكية إلى النظام الجمهورى حتى انتهى الحال للنظام الجمهورى البرلمانى وأصبح منصب رئيس الوزراء هو المنصب الأهم والمسئول عن إدارة شئون البلاد، وقد تحكمت مجموعة الأحزاب الديمقراطية واليمينية المتشددة فى الحياة السياسية والاقتصادية لليونان منذ استقلالها وحتى بزوغ نجم تسيبراس ليشكل أول بداية حقيقية لتيار يسارى يؤمن بتداول السلطة وحق الجميع فى الحياة متحدياً المشاكل التى باتت تهدد بلاده وضاربا عرض الحائط بفكرة توريث السلطة لعائلات محددة يعتبرها البعض مسئولة عن تردى الأحوال بالبلاد وعجزها عن الوفاء بالتزامتها المالية، وقد أشهرت اليونان إفلاسها أربع مرات فى السنوات 1827و1843و1893و1943ورغم تعدد أسباب أزمة اليونان الاقتصادية ولكنها بقيت قضية داخلية حتى انضمامها لمنطقة اليورو عام 2002 وبات الخضوع لشروط الانضمام للاتحاد الأوروبى إلزاميا وكانت النتيجة انتهاج البلاد لسياسة الاقتراض بدون حساب، ولم يكن لدى الحكومات اليمينية المتعابقة خطة لمواجهة تفاقم الدين والتعامل معه حتى بلغ حجم الدين عام 2012 قيمة 948 مليار يورو بنسبة 400% من الدخل القومى وأصبحت البلاد مهددة بإشهار إفلاسها للمرة الخامسة وخروجها من منطقة اليورو ولعل ظهور تسيبراس وحزبه قد لاقى قبولاً لدى الناخب اليونانى الذى قرر معاقبة أحزاب الصفوة على فشلها فى إدارة البلاد وانتخب حزب سيريزا اليسارى تحت قيادة زعيمه الشاب ذا الأربعين عاما ليكون أصغر رئيس للوزراء. وقد ولد تسيبراس عام 1974 فى أسرة متوسطة الحال، وقد درس الهندسة حتى يمكنه العمل فى شركة المقاولات الصغيرة التى يمتلكها والده، وانضم للحزب الشيوعى فى سن مبكرة، وفى عام 2008 تم انتخابه زعيما لتحالف يضم عدة أحزاب ومنظمات يسارية تحت اسم سيريزا وهو يعنى باللغة اليونانية «العودة للجذور»، ومع تفاقم مشكلة الديون عام 2010 قرر تسيبراس خوض الانتخابات البرلمانية العام الماضى، وقدم برنامجا انتخابيا يرفض فيه شروط التقشف المفروضة من الترويكا - المؤلفة من صندوق النقد الأوروبى والبنك الأوروبى ومجموعة الدول الأوروبية الدائنة - وحقق تسيبراس وحزبه فوزا كبيرا وقال فى كلمته «إن التغيير فى اليونان يعنى تغيير أوروبا كلها» وهى رسالة واضحة لليسار الإسبانى والبرتغالى والفرنسى وللرأسمالية الأوروبية كلها.. وعلق بعض المختصين فى مجال الاقتصاد على تصريحات تسيبراس بأنها تبيع الوهم للجماهير وأنه يجب عليه تنفيذ سياسة التقشف، ورغم تضارب الاقتراحات ما بين مؤيد ومعارض لحلول الأزمة اليونانية فمن المؤكد أنها لن تكون الدولة الوحيدة وأنه يجب البحث عن حلول تضع مصلحة المواطن العادى فى مقدمة الأولويات حتى لاينفرط العقد ويخسر الجميع.