انتشرت فى الآونة الأخيرة بإسرائيل رواية «المدينة النائية» لكاتب إسرائيلى يعيش بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية ويدعى «عميت جولدنبرج»، وأثارت الرواية جدلاً كبيراً، حيث تلقى اللوم على الشعب الإسرائيلى اليهودى وخاصةً المتشدد منه على أحداث العنف وعدم الأمن والخراب الكائن بها الآن. وتحدث المؤلف عن مدينة القدس كما ذكر فى مقابلته مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، على أنها مدينة ميتة مليئة بالظلام بسبب الحروب المشحونة بداخلها بين اليهود العلمانيين والحريدييم أو المتشددين الذين أصبحوا مركز الحراك السياسى المتطرف الآن فى الأراضى المحتلة ضد الفلسطينيين. وبصفة جولدنبرج عالما فى علم النفس ومتخصصا فى علم العواطف استطاع أن يقرب الحقيقة والواقع فى روايته بإدخال المزيد من التشويق والخيال، مازجاً معهما الحب والكراهية، ليكونوا على حد قوله انعكاسا للواقع المظلم للزمان والمكان داخل القدس. يشار إلى أن عنوان الرواية أظهر إلى أى مدى وصل المؤلف الإسرائيلى المغترب، لم يستطع التنكر عن ديانته، ففى اليهودية، مصطلح المدينة النائية موجود ومقدس فى الشريعة وهى المعروفة بالمدينة التى خرج معظم شعبها عن دينهم واتجهوا إلى عبادة الأصنام، كما جاء فى سفر الثنيه بالعهد القديم، كتشبيه منه بذلك للواقع الكائن الآن. ولم يختر جولدنبرج عنوان روايته جزافاً، فهو يتحدث عن القدس على أنها المدينة التى تمنع أى تعاليم دينية غير يهودية، راضية بأنقاضها وما بها من أمراض وقذورات رافضة إصلاح ما بها من آثار للدمار إلى الأبد، كل ذلك أتى به المؤلف رغم تدينه، لإبراز سيطرة الجماعات اليهودية المتشددة على حياة المقدسيين هناك. ولأن الكاتب مقدسى كما يعرف نفسه داخل الرواية، صمم على طمس الهوية العربية من خلال حبكة الرواية، لتدور الأحداث جميعها حول الشعب اليهودى وما حدث له من دمار وانتشار للأمراض، دون الإشارة إلى أى شخصيات عربية. وصف الذين تركوا القدس منذ ثمانى سنوات فى بدايات الاحتلال الإسرائيلى للقدس على أنهم المهجرون اليهود، الذى كان هو واحداً منهم، حيث ترك القدس هروباً من حالة الاختناق التى سيطرت عليهم حينها، مركزاً على مشهد العجز عن الكف عن التفكير فى العودة إلى القدس من قبل هؤلاء اليهود مرة أخرى، وتجاهل الشعب الفلسطينى المطرود من أرضه. وتعد الرواية نموذجًا صارخًا فى الأدب الإسرائيلى لمحاولة طمس التاريخ والوجود الفلسطينى، وتجاهل تهجير الفلسطينيين عن أراضيهم، كما يحاول محو المعالم والشوارع الفلسطينية. كما تظهر القدس فى الرواية الإسرائيلية على أنها من الحدود المهجورة، بعد أن أصبحت ممزقة بين حروب العصابات الحريدية أو اليهودية المتطرفة، لوصف الواقع المرير هناك بوجود العلمانيين كأقلية مضطهدة والمدينة بأكملها أصبحت منهارة وتنتشر القذارة بها فى كل مكان كما أنها عنيفة ومهملة، وغالباً بدون ماء وكهرباء والتهديد المستمر من قبل العنف والعواصف الرملية. كما يصف جولدنبرج كيف ماتت قيم الجمال والرحمة بالقدس، التى سيطرعلى أهلها البؤس واليأس من العودة إلى الحياة الآمنة والاستقرار، وأصبحوا لا يقومون إلا بالتوجه بالدعاء والنظر إلى عناية السماء لإرسال العون لتدمير التعصب الدينى وشعور الخوف والريبة الذى يعيشون به بسبب كل من هو ليس من بنى جنسهم. أراد جولدنبرج بذلك وصف المشاعر والأفكار التى يعيش بها الإسرائيلون داخل القدس وذلك فقط من مكانه بسان فرانسيسكو التى يستقر بها هو وزوجته منذ ثلاث سنوات، واصفاً شوقه وحنينه القوى للعودة، على أمل أن ينتهى العنف والظلام بها قريباً على الرغم من أن الواقع مرير للغاية، على حد قوله.