أغلب الظن أن التصريح الذى جاء على لسان داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا، والذى قال فيه بالحرف الواحد إنه لا يمكن لدولة أن تجبر تركيا على الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية.. أغلب الظن أنه تصريح من النوع العنترى.. هدفه حفظ ماء وجه تركيا بعد أن أعلنت موسكو أن الرئيس بوتين رفض لقاء الرئيس أردوغان فى باريس على هامش قمة المناخ الدولى! بوتين فى الحقيقة لم يكتف برفض لقاء أردوغان.. ولا اكتفى بعدم الرد على مكالماته التليفونية طوال الأسبوع الماضى، ولكنه أيضًا وجه إهانة للحكومة التركية أمام مؤتمر المناخ الدولى عندما قال إن تركيا أسقطت الطائرة الروسية من أجل حماية تجارتها النفطية مع داعش.. مؤكدًا أن ما فعلته تركيا خطأ هائل. هل تسكت روسيا عن خطأ بهذا الحجم؟!روسيا لم تسكت على أية حال.. فمنذ أن تم الإعلان عن إسقاط الطائرة الروسية والرئيس بوتين يتخذ كل يوم إجراء جديدًا بهدف عقاب تركيا وتأديب أردوغان. على المستوى العسكرى قامت روسيا بنشر صواريخ متطورة فى قاعدتها العسكرية بسوريا لتوفير غطاء جوى للطائرات الروسية أثناء قيامها بمهامها القتالية. فى نفس الوقت بعثت روسيا بطراد حرب يتمركز الآن قبالة السواحل السورية.. كما قامت بسحب ممثل الأسطول الروسى فى تركيا والذى كان يقوم بالتنسيق بين البحرية الروسية والبحرية التركية فى البحر الأسود. ولم تكتف موسكو بهذه الإجراءات، ولكنها قامت بإرسال نوعية متطورة من طائرات السوخى بدلًا من النوعية التى كانت تستخدمها فى ضرب داعش.. تتميز بقدرات فائقة تمكنها من مواجهة طائرات (F16) سواء التى تستخدمها تركيا أو أمريكا، بالإضافة لذلك كله قامت روسيا بقطع الاتصالات العسكرية تمامًا بينها وبين تركيا. أما على المستوى الاقتصادى فقد سارعت روسيا باتخاذ إجراءات عقابية أهمها حظر استيراد العديد من المواد من تركيا وحظر نشاط الشركات التركية فى روسيا.. كما قامت موسكو بإلغاء امتياز دخول المواطنين الأتراك إلى روسيا بدون تأشيرة دخول.. كما قامت بتحذير رعاياها من السفر والسياحة إلى تركيا. لكن هل تكفى هذه الإجراءات العسكرية والاقتصادية للرد على حادث إسقاط الطائرة الروسية؟!.. هل تكفى هذه الإجراءات لعقاب تركيا وتأديب أردوغان؟! ??? ليس خافيا طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية التى تربط بين روسياوتركيا. تركيا على سبيل المثال تستورد 75% من احتياجاتها من الطاقة من الخارج.. وتستورد من روسيا وحدها 20% من هذه الاحتياجات.. ثم إن البلدان تعاقدا على بناء محطة نووية لتوليد الكهرباء فى تركيا بقدرة 1200 ميجاوات.. كما أن البلدان شركاء فى خط أنابيب رئيسى للغاز الطبيعى. ويصل حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى حوالى 32 مليار دولار.. وتميل الكفة فى حجم هذا التبادل لصالح روسيا.. إذ يصل حجم الصادرات الروسية إلى تركيا لنحو 21 مليار دولار. أما بالنسبة للسياحة فإن السياح الروس بالنسبة لتركيا يأتون فى المرتبة الثانية بعد ألمانيا.. لكن فى نفس الوقت فإن الكثير من مشاريع الفندقة فى تركيا تم إنشاؤها برؤوس مال روسية. ويقودنا ذلك كله إلى أن الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها روسيا ضد تركيا يمكن أن تسبب ضررًا لتركيا.. لكنها فى نفس الوقت يمكن أن تضر الاقتصاد الروسى أيضًا. أما بالنسبة للإجراءات العسكرية فعلى الرغم من أنها تسبب فى دفع درجة التوتر التركى.. ومن مظاهر هذا التوتر تعليق تركيا للغارات التى تنفذها المقاتلات التركية ضد داعش داخل سوريا.. خوفا بالطبع من من الصواريخ الروسية المتطورة التى يمكن أن تصطاد الطائرات التركية بمنتهى السهولة.. لكن فى النهاية لم تؤِد هذه الإجراءات إلى مواجهة عسكرية ترد بها روسيا الصاع صاعين.. لم ترد روسيا عمليا على إسقاط طائرتها السخوى بصواريخ تركيا. ويطرح السؤال نفسه مرة أخرى: هل تكتفى روسيا بعقاب تركيا وتأديب أردوغان بإجراءات اقتصادية تضر تركيا وتضر روسيا أيضًا؟! هل تكتفى بإجراءات عسكرية لا تعتبر فى القاموس العسكرى ردا مناسبًا على من تجرأ واعتدى عليها وأسقط لها طائرة عسكرية؟! هل تقف روسيا عند هذا الحد؟! ??? الدول ليست مثل الأفراد.. لا تثأر لنفسها لمجرد الثأر، وإنما تضع فى حساباتها مصلحة تحققها أو ضرر تبعده عنها.. خاصة الدول التى لها مكانة روسيا ووضعها العالمى. والحقيقة أن روسيا لها حساباتها وهى تبحث عن الوسيلة المناسبة لإسقاط طائراتها. هناك أولًا الرأى العام الداخلى الضاغط على القيادة الروسية.. هذا الرأى العام الداخلى غاضب بشدة وقد عبر عن هذا الغضب باندلاع مظاهرات قامت بإلقاء الحجارة على السفارة التركية فى موسكو كما قامت هذه المظاهرات بإحراق دمى على شكل أرودغان والطواف بدمى أخرى فوق نعوش! الغضب وصل إلى درجة قيام رئيس الحزب الليبرالى الديمقراطى فى روسيا بمطالبة الرئيس بوتين بتدمير اسطنبول بقنبلة نووية.. ردًّا على سقوط الطائرة الروسية! روسيا لها أيضًا حساباتها الخارجية، فهى من ناحية تسعى بمنتهى الجدية لاستعادة مكانتها القديمة كقوة عظمى.. وقد جربت نفسها فى أوكرانيا واستطاعت أن تؤكد أنها قوة عظمى.. فهل تسكت عن حادث يمكن أن ينال من مكانتها التى تحاول استعادتها؟! ثم إنها تقوم بمهمة عسكرية فى سوريا تحمى بها أمنها القومى وتحاول من خلالها استعادة هيبتها ومكانتها.. وهى تعلم أن أمريكا والغرب يقفان لها بالمرصاد وتعلم أيضًا أن أمريكا والغرب هما الأصابع التى حركت تركيا لإسقاط طائرتها ومعها هيبتها.. فهل تسكت وتكتفى بإجراءات عسكرية لا تغنى ولا تسمن من جوع؟! الحقيقة وعلى الرغم من أن روسيا أعلنت أنها لن تعلن الحرب على تركيا.. وعلى الرغم من أن حساباتها لم تقُدْها إلى مواجهة عسكرية بالمعنى الشامل.. على الرغم من ذلك كله إلا أن احتمال توجيه ضربة عسكرية محدودة تقوم بها روسيا.. يظل احتمالا قائما.. بضربة يمكن أن تزعم أنها تمت على سبيل الخطأ لكنها تكفى لرد الصفعة بصفعة أقوى. هناك أيضًا احتمال لقيام روسيا بمساعدة الأكراد عسكريا واقتصاديا للضغط على تركيا. فى كل الأحوال الحسابات تقودنا إلى صفعة لا بد أن توجهها روسيالتركيا فى وقت ليس ببعيد! ??? ليس خافيا أن أردوغان فعل ما فعل وهو يتصور أنه تحت حماية أمريكا والناتو.. وبتحريض منها لكن من يضمن له أن تدفع أمريكا والناتو كل فواتير أخطائه؟!