دون أى مقدمات وبعيداً عن كلام الدبلوماسية المنمق نقول إن حسن النية التى قدمتها مصر والتزمت بها حتى الآن للجانب الأثيوبى والتأكيد على أن مصر لا تمانع أبداً فى دعم التنمية للمشروعات التى تقوم بها إثيوبيا حتى ولو كانت إقامة السدود بغرض انتاج الكهرباء أو استزراع أراضى جديدة بل إن مصر قدمت لإثيوبيا عروض مشاركة فعلية سواء تقديم الخبرات أو المشاركة من خلال شركات للتنفيذ كل ذلك فى إطار حسن النية وتعميق أواصر الروابط التاريخية بين مصر وإثيوبيا ولا أعلى من إن رأس الدولة فى مصر ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى والذى أكد على حسن النية وكررها أكثر من مرة أثناء إلقاء كلمته التاريخية أمام البرلمان الإثيوبى معرباً عن تطلعه لفتح مجالات أكثر للتعاون المشترك بين البلدين خاصة الجانب الاقتصادى وتبادل الخبرات وقد كرر الرئيس فى كلمته أن حسن النية هو الأساس قبل توقيع أى اتفاقيات. ولكن ماذا قدم الجانب الإثيوبى لمصر؟ فى الحقيقة أن حسن النية المصرية قابلتها مماطلة وتسويف من الجانب الإثيوبى حتى إن المفاوضات لم تعد تتسم بالجدية والوضوح وأن الأمر كله انحصر لصالح كسب الوقت وتحولت دفة المفاوضات من أساسيات المخاوف المصرية حول ارتفاع السد وحجم التخزين ومدته للتحول الى طريق فرعى آخر وهو التفاوض حول المكاتب الاستشارية لتحديد الأثار البيئية وما يترتب عليها من حجم وثقل الكتلة المائية وما الى ذلك من أمور فنية فرعية لا تطمئن الجانب المصرى ولا تقدم شيئًا. وقد انحصر الأمر الآن حول مدى قدرة أطراف الأزمة ممثلة فى مصر وإثيوبيا والسودان فى حسم القضايا الخلافية المتعلقة بالإجراءات الفنية لكيفية عمل المكاتب الاستشارية؟! يا الله قضينا 14 شهرًا مفاوضات عبثية لم نصل فيها لأى قرار فأصبحنا محاصرين من خلافات عقيمة حول أى من المكتبين الاستشاريين ليكون له اليد الطولى فى اجراء الدراسات المكتب الفرنسى والذى اختارته إثيوبيا وأصرت أن يكون هو المرجع الأساسى فى عمل الدراسات الفنية وبنسة 70% أما المكتب الهولندى والذى اختارته مصر يكون مجرد مساعد للمكتب الفرنسى وأن يكون نصيبه من الدراسات 30% وهو الأمر الذى تحفظت عليه مصر كثيراً بسبب إن المكتب الفرنسى لا يتمتع بحيادية كاملة خاصة أن له سابق أعمال فى أثيوبيا وهو ما دعى المكتب الهولندى يهدد بالأنسحاب من إجراء الدراسات بعد أن حجمت إثيوبيا دوره الفنى كمجرد مساعد للمكتب الفرنسى ليس هذا بحسب بل أن الجانب الإثيوبى لم يوافق على تحديد وقت محدد للانتهاء من الدراسات وهو ما يوحى بعدم الاستمرار فى بناء السد دون أى اعتبار للتوصيات المبدئية والتى نصت بإمكانية إجراء تعديلات فى تصميم السد إذا لزم الأمر لكن الجانب الإثيوبى لا يعطى أى اهتمام لتلك التوصيات خاصة وأن السودان تدعم وجهة النظر الإثيوبية تماماً بما يخالف توصيات الجانب المصرى وقد تعمدت أثيوبيا التأخير فى تحديد مهام المكتبين الاستشاريين واختلاق خلافات فى الرؤى حول كيفية عملها والاصرار على أن يكون سعة السد من المياه خارج نطاق الدراسة؟! وهو أمر لا يمكن قبوله من الجانب المصرى. ويعلم الجميع سواء إثيوبيا أو السودان أن مصر لا تمانع فى أى فائدة تعود على الطرفين لكن دون الإضرار بحصة مصر من المياه والتى نصت عليها الاتفاقيات التاريخية.