رغم الإجراءات الأمنية المشددة المعروف بها الأمن الفرنسى إلا أنه وللمرة الثانية فى غضون أقل من عام هزت سلسلة من العمليات الإرهابية العاصمة الفرنسية باريس وهو ما دعا فرنسا للإعلان عن سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة والتى جاء على رأسها إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود. وفور وقوع هجمات 13 نوفمبر الدامية، طلب وزير الداخلية الفرنسى برنارد كازانوف من جميع قوات الأمن رفع حالة التأهب إلى الدرجة القصوى استعدادا للمعركة الحاسمة التى تنتظرهم، فى إشارة إلى أن فرنسا تتوقع المزيد من الهجمات من تنظيم داعش. وتم حشد جميع خدمات الشرطة، ونشر فرق مكافحة الشغب فى باريس، ومئات من أفراد الدرك، فضلا عن نشر نحو 30 ألف شرطى وجندى وعنصر من الجيش قرب نحو خمسة آلاف موقع فى جميع أنحاء البلاد، ووضع أكثر من 28 فريقا من خبراء تفكيك المتفجرات والهجمات البيولوجية والكيميائية على أهبة الاستعداد متى لزم الأمر. وأعلن وزير الداخلية أيضا عن حظر جميع التظاهرات فى باريس وضواحيها وإغلاق العديد من المواقع، وتشديد إجراءات الرقابة على الحدود فى أكثر من 61 نقطة مرور مختلفة، مشيرًا إلى أن قوات الشرطة والقوى المدنية ستمنح سلطة استثنائية للتدخل أو فرض مناطق حماية خاصة فى حال الاعتقاد بوجود تهديد أمنى ورفض دخول أى شخص يعتقد أنه يمثل تهديدا للأمن القومى إلى مناطق أو مدن معينة. كما سيسمح للمسئولين المحليين بتنفيذ إجراءات الإقامة الجبرية على الأفراد الذين يعتقد بأنهم يمثلون تهديدا، فيما ستغلق دور السينما والمسارح وغيرهما من المناطق الترفيهية فى إطار حالة الطوارئ التى تشهدها البلاد. وفى إطار عملية تعقب مدبرى الهجمات، أوضح وزير الداخلية الفرنسى فى تصريحات صحفية أنه خلال الأيام الأولى بعد الحادث تم تحديد إقامة 104 أشخاص ونفذت الشرطة 168 عملية مداهمة، وتابع قائلا: «ليكن ذلك واضحا للجميع هذه هى مجرد البداية.. هذه الإجراءات ستستمر». وفى خطاب أمام البرلمان الفرنسى، طالب الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند بتمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر. كما تدرس الحكومة فرض الإقامة الجبرية على مواطنيها العائدين من سوريا والعراق، وما يتضمنه ذلك من «شروط مراقبة قاسية». وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية أن أكثر من 10 آلاف شخص أدرجوا على سجلات أجهزة الأمن الفرنسية، من بينهم عدد من المتشددين الإسلاميين، وقالت إن المديرية العامة الفرنسية للأمن الداخلى تعكف على مراجعة سجلات «إس» التى تشمل أسماء المشاغبين وأعضاء مجموعات من اليسار واليمين المتطرف وغيرها من الحركات. وذكرت صحيفة «اكسبريس» أنه فى ظل قانون الطوارئ الذى أعلنه أولاند، سيتم تحديد حركة السير والتجول، ويسمح بالرقابة على الإعلام، كما يتيح إمكانية توقيف المشتبه بهم، والقيام بمداهمات للبيوت بدون إذن قضائى، كما يضع المشتبهين والمشكوك بهم تحت الإقامة الجبرية داخل الأرض الفرنسية، وإمكانية القبض على من يقوم بأعمال يشتبه فى تهديدها للأمن القومى. وحول ما إذا كانت هذه الإجراءات المكثفة ستطغى على حقوق وحريات المواطنين تساءلت أسبوعية «شفايتس آم سونتاج» السويسرية فى افتتاحيتها عن التوازن الصحيح بين الحرية والأمن بعد أن أجرت مقارنة مع الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها الولاياتالمتحدة، خاصة أن الرئيس الفرنسى أولاند استخدم عبارة «فرنسا تواجه حربا حقيقية» وهى العبارة المثيرة التى استخدمها الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش إثر تفجيرات 11 سبتمبر 2001. وكتبت الصحيفة محذرة من أن المروجين المزعومين لمزيد من الأمن سينتعشون مطالبين بمزيد من سلطة الدولة ومزيد من الرقابة والحد من حقوق المواطنين فقد كان هذا هو رد الفعل الذى تلى أحداث 11 سبتمبر، وفى حين أن الأمن لم يتحسن بشكل كبير إلا أن الحرية هى التى دفعت الثمن. وفى هذا الإطار يرى باتريك مولر كاتب الافتتاحية أن التاريخ الأوروبى يظهر أنه من الأفضل لنا ألا نضحى بحقوقنا بسرعة كبيرة.