غاب الوعى الدينى.. وضاعت هيبة العلماء.. فانكسرت القدوة واندثرت الأخلاق، والقرآن منهج أخلاقى كامل، والرسول ? كان خلقه القرآن بل كان ? قرآنا يمشى بين الناس وكان يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالأخلاق ذاتها تحث على الإنتاج والإنجاز لأنها دائما فى وعى المسلم، وهى جزء لا يتجزأ من التركيب التربوى للفرد، وجزء من الوضع النفسى للناس. ومحنة العرب هى محنة أخلاقية، ويعانون من غياب المنظومة الأخلاقية التى تجمعهم وتوحدهم وتدفعهم نحو التقدم. مع أن الإسلام هو دين الأخلاق فكيف نكتسب الأخلاق وما سبب انتشار التسيب الأخلاقى وما صوره وعلاجه حول ذلك كان هذا الحوار مع د. عبد الفتاح فرج الأستاذ المساعد بقسم الاجتماع كلية التربية جامعة الأزهر بالقاهرة.? من أين تكتسب الأخلاق؟ ?? أولا كلمة خلق أو أخلاق تشتمل على أسلوب الفرد فى المجتمع مع النفس والأقارب والأهل والناس جميعًا، ولأهمية الأخلاق أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وتكتسب الأخلاق من التنشئة الاجتماعية وهى مسئولية الأسرة والمدرسة والنادى ووسائل الإعلام المختلفة وللأسف كل عنصر من هذه العناصر حدث به بعض المشكلات والخلل، فلم يتفرغ كل واحد منهم للقيام بدوره فى التنشئة ونقل الثقافة من الكبار للصغار، كما كان يحدث فى الماضى عندما تجتمع الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء على مائدة الطعام يتناقشون فيما حدث لكل واحد منهم أثناء اليوم وكيفية التصرف فيما بعد أو تصحيح أخطاء أخلاقية حدثت، وأصبح لكل واحد منهم عنده ما يشغله، فإذا كان الكبار مشغولين فمن سيربى الصغار، فتركوهم لأصدقاء السوء وانشغلوا بهم لإشباع رغباتهم ماديًّا فقط ولم يهتموا بالجانب الأخلاقى وهو الوضع العام السائد هذه الأيام. ? لماذا كثر التسيب الأخلاقى فى مجتمعنا؟ ?? أسوق لك بعض الأمثلة على الخلل الخطير فى الالتزام الأخلاقى السبب لما نحن فيه،فالطبيب ينصح مريضه بعدم التدخين وهو يحمل لفافة التبغ بيده؛ الأب ينهى ابنه عن الكذب دون أن يحرم على نفسه الكذب أمام ابنه؛ نرفع شعار النظافة من الإيمان وشوارعنا مليئة بالقمامة؛ ندعو إلى اخضرار الأرض فى الوقت الذى نعتدى فيه على الغابات والأشجار المثمرة والأراضى الزراعية. نقول إن الجنة تحت أقدام الأمهات ونحن ما زلنا نتعامل مع المرأة كمخلوق من الدرجة المتدنية. توصى الأم ابنها بأن يتفحص الشارع جيدا قبل أن يقطعه لكنها لا تحترم الإشارة الحمراء أمامها؛ وابنها معها وكثيرا ما ندعو إلى الأخلاق ونمارس الرذيلة.الأبناء يتعلمون من الآباء أو المربين، وإذا تولدت لديهم قناعة بفساد المربين فلا من سبب يدعونا للظن بأن الأبناء سيكونون أكثر التزاما من الآباء. الابن ابن أبيه الذى يؤسسه تربويا. وكذلك التشبه بالغرب ليس فى تقدمه العلمى والتقنى ولكن فى القيم السيئة والانحلال الأخلاقى، وفى نفس الوقت نجد الكثير من أدعياء الإسلام بعيدين عن قيم وأخلاق الإسلام. وانتشار البرامج والمسلسلات التى تبث الأفكار والسلوكيات غير المستقيمة فى المنازل وبين أفراد المجتمع. قلة القدوة المحترمة فى المجتمع، وعدم قيام الدعاة بدورهم فى تقويم المعوج والانحرافات، بل انتشار لفظ "وأنا ما لى" وذلك خوفًا على الدنيا . بل هناك من أصحاب الأغراض من لا يؤيد انتشار الأخلاق الحسنة، مما يساعد على انتشار الانحراف والتسيب الأخلاقى. ? من المسئول عن العودة إلى القيم والأخلاق؟ ?? المسئول عن العودة إلى القيم والأخلاق:- الأسرة: وهى منبت الغرس الذى فيه ينمو الصغار، والمسجد الذى فيه يسقون الصلاح.. ويطعمون الفلاح، ويتعلمون عملياً الالتزام والصواب. والمؤسسة التعليمية بكل مراحلها: هى الروضة الغناء التى تزخر بالمثل، وتنضر فيها القيم، ويعبق فيها شذا الخير والهداية، والعلم، والمعرفة. والمؤسسات الإعلامية - بجميع صور صدورها - فيها تمتلئ الأوقات.. وتحظى الأسماع، وتشهد العيون بما يجب أن يكون قويماً، راقياً، مهذباً، مسايراً لأخلاق ديننا، وجميل صفات حياتنا وقيمنا. والمؤسسات الاجتماعية: بل المجتمع بأكمله مسئول بكل أفراده وهيئاته عن تسديد الخطأ.. وتقويم المنحرف، والوقوف بحزم ضد المتسيب.. فلا يترك المهملون وإهمالهم، ولا المتحللون وتسيبهم. النصح والدعوة بالإقناع للخير فرض عين على كل إنسان: فلنقم بدورنا هذا كما طالبنا ديننا، ونحرص على حراسة الفضيلة والقيم فبهما سمتْ عقيدتنا، وتميزت رسالة نبينا الذى وصفه الله بأنه على خلق عظيم، ووصف هو رسالته بأنها متممة لمكارم الأخلاق. من هنا تتأكد مسئوليتنا جميعاً أفراداً وجماعة للوقوف ضد المتنطعين المغالين المغلقين فى أفكارهم المارقين فى تصرفاتهم، وكذلك الموقف ضد المتحللين المغرقين فى الانفلات والتسيب والخروج عن الثابت من القيم، والمقبول من التصرفات، المدارس والجامعات ووسائل الإعلام يجب عليها تطوير برامج تربوية تؤدى إلى تطوير منظومة قيمية، فالمسئولية تقع على عاتق المفكرين والفلاسفة والمثقفين فى الوطن العربى. المثقف الملتزم هو الذى ينشغل بهموم الناس بهدف معالجتها وتوفير الراحة والاطمئنان لعموم الناس. وهناك فرق شاسع بين التيسير والتسامح من جهة، وبين التحلل والانفلات من جهة أخرى، ولا خير فى دنيا لا تقوم على الدين، وما ضرنا إلاّ عدم التمسك بديننا سواء ما يجىء من المغالين والمتنطعين، أو ممارسى الانحلال المتسيبين، فكلاهما على غير صواب، ونتائج سلوكهما ضارة بالناس والمجتمع. ? نريد صورًا للتسيب الأخلاقى. ?? ومن صور التسيب الأخلاقى مثل من لا يبالى، والمقصر المجاهر بالسوء، والمستهتربالعمل المخالف للنظام، والفوضوى فى المعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، وبعض الشباب والشابات بل بعض الكبار.. المتسيب فى ملبسه وزينته، حتى إنك أحياناً تندهش من هذا التصرف، وكيف قبله الوالدان، وأتساءل فى مثل هذه المواقف: أين الأهل من هذا البذاء. والمتحلل من العهود.. من التزامات العمل، من الوعود.. كل هذا مع الجهر به.. وكأنه لا دين، ولا خلق، ولا فضيلة ترسم الحدود فى حياتنا. التحلل الذى ساعد بعض أنحاء البلاد، واستهتار الشباب وكثرة ما يحدث فى الأسواق من إيذاء للآخرين، وتداخلات مريبة مع السائرين.. هو من التحلل الممقوت شرعاً، المكروه خلقاً، وتأدباً، فالتحلل من الالتزام بمواعيد العمل ونظامه - مفسدة للحياة أى مفسدة، ويجب الأخذ على يد المتحللين المستهترين بالتزامات ومواعيد وواجبات العمل بيد من حديد.. إذ كثيراً ما يكون صاحب الحاجة التى يراجع من أجلها مريضاً متعباً - أو غريباً جاء من بلدة بعيدة مسافراً.. لكنه لا يجد المسئول.. ويقال: إنه فى موعد أو فى اجتماع.. إنه فى إجازة اضطرارية.. هل ظروف الناس ومصالحهم ليست اضطرارية، وكثيرة أمثلة ذلك فى كثير من المصالح والدوائر الحكومية، والتحلل من المواعيد والالتزامات بالمناسبات سوء سلوك لا يليق بذى خلق أن يكون عليه. موعدك مع غيرك.. هو التزام دينى وارتباط خلقى.. والوفاء بالعهود.. والالتزام بالموعد من أعظم الصفات التى شدد الإسلام عليها:- (وأوفوا بالعهود)، (لا يخلف الله وعده)، و(إن العهد كان مسئولا)، أما عن التحلل السلوكى والاستهتار الخلقى فحدِّثْ ولا حَرجَ.. إن كثيراً من ذلك قد ساد برامج القنوات الفضائية، وسيطر على أساليب الإعلام العصرية، حتى أنك تجد أن برامج اللعب، والتحلل، والاسترسال فى الغواية لها أوقات وقنوات أضعاف أضعاف ما للعلم والتعليم والثقافة والدين. ? ماذا تقول للمتسيبين أخلاقيًّا؟ ?? أقول لهؤلاء المتسيبين أخلاقيًّا.. ألم تسمعوا مرة قول الله تعالى: چ ? ? ? ? پ پ پ پ ? ?? ? ? ? ?چ.. وإذا كان الجهر بالقول السيئ مكروهاً - فما بالك بالجهر بالعمل والسلوك والتصرفات.. والانخراط فى الماديات الضارة.. كما ورد فى هذا الشأن من الأثر. (يأتى على الناس زمان همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقِبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شر الخلق - لا خَلاق لهم عند الله)، ومما ورد فى أثر آخر: فى هذا الأمر (بئس العبدُ عبد تخيَّل واختال، ونسى الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبَّر واعتدى، ونسى الجبار الأعلى.. بئس العبد عبد سها ولها.. ونسى المقابر والبلى)، وأقول لا للتسيب فى العلاقات الاجتماعية عندما لا يقيم البعض وزناً لمشاعر الناس سواء فى أعمالهم - أو هم له جيران فى بيوتهم، قد يجاورك من لا يهدأ بيته، ولا تسكت ساعة اضطرابات أولاده.. أو مضايقاته للناس بسياراته وحاجاته.. والإسلام هو أرقى ما يكون مشاعر واحتراماً للناس عامة، والجوار خاصة.. حتى إن الرسول علمنا ذلك فى أدق صوره. (إذ لو طبخ أحدنا طعاماً له رائحة فليعط منه جاره أو يكتمه)،إن رفض التحلل هو رفض لكل نقيصة مفسدة للعمل والحياة، بل كثيراً ما يكون التحلل عدواناً صارخاً على حقوق الناس وحرياتهم.