فيما يعد مؤشرًا للصعوبات المقبلة التى سيواجهها رئيس حزب العمال البريطانى الجديد، اليسارى جيرمى كوربين، لم يمض على انتخابه لزعامة الحزب سوى ساعات حتى تقدم أعضاء بالحزب باستقالاتهم احتجاجا على أفكاره التى يرون أنها ستقلل من فرص الفوز فى الانتخابات التشريعية المقبلة، كما أنها ستلزم الحزب بالبقاء فى معسكر المعارضة لسنوات. وجاء فوز كوربين بعد أن هزم وزيرين سابقين من حزب العمال هما ايفيت كوبر واندى بيرنام، وأيضا ليز كندال التى تعتبر ممثلة للسياسات التى يؤيدها رئيس الوزراء السابق تونى بلير، فى انتخابات الحزب التى حصل فيها على 59,5% من الأصوات متقدما بفارق هائل على أقرب منافسيه بيرنام الذى حصل على 19%، بينما حلت كوبر ثالثة بنسبة 17% من الأصوات، فى حين حصلت كندال على 5.4% من الأصوات، ليخلف كوربين بذلك الزعيم السابق إد ميليباند الذى استقال من منصبه فى مايو الماضى عقب هزيمته فى الانتخابات التشريعية أمام حزب المحافظين. فى هذا الإطار، أشادت وسائل الإعلام اليسارية بالفوز الساحق الذى حققه كوربين، ووصف رافاييل بير فى صحيفة «الجارديان» انتخاب كوربين بزلزال أقوى من مقياس ريختر السياسى، مشيرًا إلى دور الشباب الذين لم يعملوا فى السياسة من قبل، حيث تلقى كوربين دعما قويا من الطلاب الذين لم يسبق لهم أن صوتوا لكبار السن خصوصا بعدما أصيبوا بخيبة أمل من الحزب فى عهد تونى بلير الذى قاد البلاد إلى التورط فى حرب العراق. وبينما رحب مؤيدوه بالنتيجة، حذر ساسة ومراقبون من مخاطر كوربين على بريطانيا قائلين إنه سيدمرها، واعتبر تشارلى بيكيت، الخبير السياسى فى كلية الاقتصاد فى لندن، أن إصلاح نظام التصويت بدا كأنه فكرة رائعة لكنه فى الواقع فخ أوقع الحزب فى ورطة، فعلى الرغم من شعبية كوربين الكبرى لدى مناصريه، تبدو عزلته متزايدة فى أوساط حزبه، وهو أمر غير مسبوق فلم يكن لدينا فى أى وقت قائد قليل التمثيل إلى هذا الحد فى كتلة حزبه البرلمانية، فهناك خمسة نواب إلى عشرة كحد أقصى من 232 دعموه بينما الباقون كافة يكرهون أفكاره السياسية. وأضاف بيكيت أن فوز كوربين لم يكن ليتم لولا تضاعف عدد من يحق لهم التصويت لثلاثة أضعاف حيث دفع كل راغب رسوما قدرها 3 جنيهات استرلينية ليحصل على حق التصويت مما زاد عدد الناخبين إلى 550000 شخص، معظمهم صوتوا لكوربين الذى فاز بزعامة الحزب، بناء على وعوده بزيادة الاستثمارات الحكومية وإعادة تأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد. ويعارض كوربين مشاركة بريطانيا فى حروب خارجية وهو ما يمكن أن يعقد مهمة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فى محاولته إشراك طائرات بريطانية فى الحملة على داعش فى سوريا. كما يسعى كوربين للتخلص من أسلحة بريطانيا النووية، وأيضا الانسحاب من حلف الأطلسى. ويرى العديد أن سياسته أشبه بطريقة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بينما يرى آخرون أنه أقرب إلى حزب سيريزا اليونانى اليسارى. وفى أول تعليق لرئيس الوزراء البريطانى على نتائج انتخابات حزب العمال البريطانى، حذر كاميرون الشعب من القيادة الحالية للحزب، مستغلا آراء كوربين المتعلقة بالسياسة الخارجية قائلا إن كوربين يمثل خطرا على أمن بريطانيا، مسلطا الضوء على اجتماعاته فى الماضى بحركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله اللبنانى. كما حذر وزير المالية البريطانى جورج اوزبورن من أن حزب العمال بقيادة اليسارى جيرمى كوربين سيشكل تهديدا للأمن القومى عبر إضعاف قوة الردع النووية البريطانية حيث سيعارض كوربين تجديد البرنامج. من جانبه، حذر تونى بلير من أن فوز كوربين سيؤدى إلى انقسام الحزب وسيحد بشكل كبير من فرصه فى الفوز فى الانتخابات التشريعية 2020. أما الصحف البريطانية المحافظة فقد رأت أن انتخاب اليسارى جيرمى كوربين رئيسا لحزب العمال البريطانى سيبقى الحزب فى المعارضة لفترات طويلة، وكانت صحف اليمين قد شجعت العمال على انتخابه لاعتقادها أن الحزب سينهار بانتخابه وينتهى كمنافس مهم للمحافظين. وفى هذا السياق، ركزت صحيفة «صنداى تايمز» على الانقسامات داخل حزب العمال الذى أعلن عدد من شخصياته أنهم لن يعملوا بقيادة كوربين وعنونت الصحيفة «كوربين أشعل حربا أهلية فى حزب العمال». وفى نفس السياق، تحدثت «الصنداى تليجراف» عن فترات عصيبة تنتظر الحزب، مشيرة إلى أن جيرمى بدأ حربا داخلية.