فى تحد واضح لكل ما هو مألوف لدى الناخب البريطانى مازالت المفاجآت تتوالى خاصة بعد اجتياز الاستفتاء على استقلال اسكتلندا بنجاح ثم جاءت استقالة إد ميليباند رئيس حزب العمال من منصبه بعد الهزيمة الساحقة التى لحقت بحزبه لصالح حزب المحافظين المنافس لتجهض هذه النتيجة أحلام العماليين فى العودة ل 10 داوننج ستريت - مقر رئاسة الوزراء الأشهر - ثم تأتى المفاجأة الأخيرة والمتمثلة فى اجتياز جيرمى كوربن (المشاغب اليسارى) لمنافسيه وحظى بنسبة تأييد غير مسبوقة من جموع شباب الحزب على الأخص لشغل منصب زعامة حزب العمال المخضرم والذى ظل شاغراً لمدة أربعة أشهر وهى خطوة وصفها البعض من أصحاب الياقات البيضاء (بالكارثية) وقد جاء تعليق تونى بلير زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق بأن أفكار كوربن ستحرم الحزب من المنافسة على المقاعد الأمامية وسيظل فى معسكر المعارضة لسنوات وأن برنامجه يتضمن أفكارًا خيالية يخشاها الجميع.. ويقود كوربن والملقب بالمشاغب اليسارى حركة المعارضة داخل حزب العمال منذ انضمامه للحزب عام 1983 وقد حرمته مواقفه المعارضة من تقلد أى مناصب قياديه ويقول عنه مؤيدوه إنه شخصية شجاعة ولا يتمتع بكاريزما وليس خطيباً مفوها، بل على العكس فهو شخصية كتومة قليلة الكلام متواضع يستخدم الدراجة الهوائية فى تنقلاته ويتولى بنفسه العناية بحديقة منزله أما ملابسه فيقول عنه ألكسندر فيورى محرر الأزياء للزعماء والساسة «رغم أن مظهر السياسيين المتأنق قد لعب دورا مهما فى عصرنا الحالى لكن حالة كوربن تعد استثناء لهذه القاعدة ويعتقد فيورى أن كوربن لديه سر يستقطب الناس إليه رغم ارتدائه لملابس عتيقة تنتمى لأبناء الطبقة العاملة والطريف أن انضمام كوربن للحزب لم يكن متوقعا لأنه فشل فى الحصول على تأييد 35 عضوا من داخل الحزب حتى بدأت ظاهرة اليسار الجديد التى اجتاحت أوروبا كرد فعل لتنامى اتجاه اليمين المتطرف والمعادى للأجانب والمهاجرين وقد بدأ فى اليونان الاتجاه اليسارى على يد المناضل العمالى (أليكس تسيبراس) زعيم حزب سيريزا المناهض لإجراءات التقشف الأوروبية والمفروضة على بلاده وامتدت إلى إسبانيا التى حقق فيها حزب (بوديوس) اليسارى تقدما كبيرا حتى قرر حزب العمال ملاحقة هذه الموجة وقرر عددا من قادة الحزب ضرورة أن يكون هناك تمثيل لتيار اليسار وقد استلزم ذلك موافقة 5% من النواب على انضمام كوربن للحزب وهذا هو ما كان وقد نجح جيرمى كوربن البالغ من العمر 66 عاما ذلك الرجل النحيل المتقشف فى مظهره وحياته فى كسب تأييد الفقراء والمحرومين فى بريطانيا من خلال برنامجه الانتخابى والذى خاطب فيه أحلام الشباب من العاطلين ورفضه لسياسة التقشف للحكومة الحالية ومطالبته بإعادة تأميم قطاعى السكك الحديد والطاقة للحد من ارتفاع أسعارها و زيادة الضرائب على الشركات والأفراد الأكثر ثراء وإعادة فتح مناجم الفحم وكلها أهداف يصفها البعض بأنها حالمة وغير متسقة مع الواقع ولعلها تكون صيحة عدالة تبحث عن مجيب!