هل يمكن لثورة أن تنجح إذا كان صانعوها لا يمتلكون الخيال اللازم لنجاح صناعة المستقبل، أو حتى إذا كانوا يريدون أن يستعيروا مشروعًا من زمن «ماضٍ» بديلاً للمستقبل؟ يطرح هذا التساؤل ويجيب عليه الكاتب إبراهيم فرغلى من خلال الكتاب الذى صدر ضمن سلسلة «أوراق» التى تصدرها وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية بعنوان: «ثورة الزمن الثورات العربية فى الزمن الافتراضى». حيث يتناول الكتاب رصد تفاعلات الشباب العربى فى الفضاء الإلكترونى وقت الثورات العربية انطلاقًا من فرضية أن هذه التفاعلات من ناحية ساهمت فى خلق حالة الثورات بطرق شتى، كما عكست ما يحدث على الأرض من تفاعلات جديدة على مستويات مختلفة اجتماعية وسياسية وثقافية من ناحية أخرى. وبين الأسئلة التى يطرحها الكتاب هناك سؤال رئيس عن دور وسائل التواصل الاجتماعى، بل ودور الثقافة الافتراضية إجمالاً، فيما كان بإمكانها مثلاً أن تلعب دورًا فى تحقيق «ثورة» فى المفاهيم الخاصة بقيمتى التسامح والتعايش؟ وهل يمكن أن يكون «فن صناعة الكراهية» باسم المشروعات السياسية الدينية وباسم الطائفية المقيتة، قادرًا على تحقيق سلام اجتماعى من أى نوع فى أى مجتمع؟ وإذا كان بالإمكان دومًا حشد الجماهير باسم الطائفة، وإيهامهم بأىٍّ من الأوهام التى تغذى استعدادهم الطائفى لكى يصبحوا أنصارًا مخلصين للمشروع السلطوى الطائفى، فإن هذا الجمهور، فى الحقيقة، لا يمكن إن ينتصر للسلام الاجتماعى، الذى يهدف أى مجتمع متوازن لتحقيقه، لأن مشروعه فى الأساس عنصرى ويقوم على التمييز، أى أنه يضرب مشروع الدولة فى مقتل عدم المساواة. والمقالات التى يضمها الكتاب هى محاولات مختلفة لبحث مفهوم التحول فى معنى الزمن والمكان، بسبب سيادة لغة العصر الحديث، لغة الكمبيوتر والحواسب الآلية، وأجهزة التليفون الذكية، وشبكة الإنترنت. وعلى مستوى آخر تكشف هذه المقالات الكيفية التى يمكن بها لمجتمع المعلومات والاتصال السريع والتواصل الاجتماعى غير المسبوق أن يفضح بسهولة زيف المشروعات الطائفية، والأصولية، وكل المشروعات. ثم يقدم الكتاب رصدًا منوعًا للوسيط الافتراضى كفضاء للثورة؛ كفاعل ثورى مرة، وكراصد لحظى لمسار الثورة مرات أخرى. وكذلك كوثيقة افتراضية، تطرح أسئلة عن تناقضات مجتمع صوري، أى يرتدى زى المدنية بينما لا يزال تحتها يرتدى جلبابًا ويتعمم عمامة، ولا يزال يعانى من تراث متراكم من التقليدية والأفكار المحافظة وميراث من النقل الثقافى بدلاً من الطرح العقلانى. وأخيرًا تحاول مقالات هذا الكتاب تأمل التناقضات فى مدى وعى الجمهور فى دور الثورات لفكرة المستقبل؛ لأن المعنى الجوهرى لفعل الثورة أنه فعل مستقبلى بامتياز، يتخيل مستقبلاً غير موجود ويريد أن يحقق له الوجود، ويرى أن القضاء على كل مظاهر الفشل والتخلف لا يمكن أن توجد سوى بخطوات تُقطع للأمام.