كانت نصيحة غالية من صديق قديم, صديق خابر الحياة وخبرته وشاف وجرب وقاتل الدنيا وقتلته, وكنت فى أزمة وأريد أن أعود من حيث أتيت, وكان هو من أشد المؤمنين أنه سيكون لى مستقبل كبير فى الصحافة والأدب.. نظر إلى بإمعان وقال لى: لو أردت أن تبنى عمارة أو بيتًا. كم يأخذ منك. قلت له سنين.. أولا تشترى الأرض وبعد ذلك يعد التصميم من مهندس مختص, وتشترى الطوب والزلط والمونة وعمال وبناء وزنابيل ووقت سنة اثنين ثلاثة, إلى أن يتم تشطيب العمارة.. تمام. قلت له تمام، ثم قال لو حبيت تهدمى تلك العمارة، كم من الوقت تأخذ؟ قلت له الآن ومع الآلات الحديثة يجى عاليها واطيها فى أقل من ساعة, أجاب على أنت بنيت نفسك فى سنوات طوال شقى وتعب ودراسة وماجستير ودكتوراه وحاربت واتحاربت وسرت وتوقفت.. وسفر وشغل وحكايات فى لحظة ممكن تهدمى سنوات.. وقد وعيت الدرس وعلمت أن فى لحظة تهور يمكن تهدم تعب سنوات.. انظر حولك نحن شعب بنائيين ولسنا هدامين, انظر للأهرامات أخذ أجدادنا يبنون فيها 23 سنة ولا ملل ولا كلل ولا تزال تقف شامخة ضد الزمن, والمعابد فى الأقصر وأسوان والمنيا وفى كل صعيد مصر والدلتا.. هذه طبيعة شعب.. شعب يحب البناء لا الهدم.. وفى العصر الحديث انتشر البناء على طول البلاد وعرضها المدن الجديدة مدينة مثل مدينة 15 مايو مبنية على تربة صخرية لقد فجر البناء المصرى الجبال والصخور وبنى عليها مدينة جميلة.. هذا غير مدينة أكتوبر والعاشر من رمضان, وفى كل محافظات مصر انتشرت المدن الجديدة هذا غير الساحل الشمالى بقراه السياحية وكذلك الساحل الجنوبى على البحر الأحمر.. وقد تركت لنا أسرة محمد على مجموعة من القصور التى ليس لها مثيل إلا فى بعض العواصم الأوربية.. غير القاهرةالإسماعيلية التى مبانيها فى قمة الجمال والروعة.. وقصور بعض الأمراء المنتشرة فى الزمالك وجاردن سيتى والمنيل.. ناهيك عن البيوت الأثرية التى كانت لها تصميم خاص بالفن الإسلامى مثل بيت السحيمى وعبد الرحمن خوت خودة وبيت السنارى والمسافر خانة، تعرف جيدًا أننا فعلا أحفاد البنائيين الفراعنة التى لا يزال كل تراثهم يعيش منذ آلاف السنين.. وقالوا «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى».. إذا كان بناء الجدران صعب فالأصعب هو بناء البشر, والإنسان لكى يبنى نفسه يستمر سنوات من التعب والتحصيل والدراسة والعمل والكفاح ويبذل الجهد والعرق ويجب أن يكون الحفاظ على هذا البناء من أهم أولوياته.. الحفاظ عليه من كل شىء من المرض ومن أصحاب السوء ومن الحساد والحاقدين ومن أعداء النجاح ومن نفسك أولا وأخيرًا.. فنفسك أحيانا تكون ألد أعدائك وأنت لا تدرى.