محافظ الغربية يتابع استعدادات طنطا والمحلة وسمنود لأعياد الربيع وشم النسيم    أسعار الأسمنت اليوم الاثنين 6-5-2024 في محافظة قنا    2.849 تريليون جنيه.. خبراء يعربون عن تخوفهم من رفع التمويل المطلوب بالموازنة العامة 2024/2025    إزالة 164 إعلان مخالف وتقنين 58 آخرين بكفر الشيخ    انهيار المفاوضات.. حماس: نتنياهو يعيش أوهام التهديد بغزو رفح    مارشينياك حكما لمواجهة ريال مدريد ضد بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا    الغندور يعلق على خسارة الزمالك أمام سموحة    تمارا نادر السيد: لقطتي أنا وشقيقي بصالة الأهلي طبيعية.. ودور مرتجي دليل على الروح الرياضية    أهلي جدة في اختبار صعب أمام الهلال في كلاسيكو الدوري السعودي.. اليوم    القبض على مطرب المهرجانات عصام صاصا بعد دهس مواطن بسيارته أعلى الدائري    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    مصرع سيدة أسفل عجلات سيارة ميكروباص بمنطقة النزهة    الفنانة نور قدري تعلق على أزمة نجلها الصحية (صورة)    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    بعد نفي علماء الآثار نزول سيدنا موسى في مصر.. هل تتعارض النصوص الدينية مع العلم؟    المستشفيات التعليمية تعقد المؤتمر السنوى لمعهد الكلى والمسالك البولية    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم (صور)    ذكرى رحيل صالح سليم.. الأب الروحي للقلعة الحمراء    شوبير يكشف أسباب خسارة الزمالك أمام سموحة    مقترح برلماني بإطلاق بوابة إلكترونية لتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    واشنطن بوست: مدير المخابرات المركزية الأمريكية توجه إلى قطر    حشيش ب14 مليون جنيه.. ضبط صفقة مخدرات ضخمة بجنوب سيناء    إصابة شابين في حادث بالشرقية    قيادات إسرائيل تحيي ذكرى المحرقة.. ونتنياهو: حماس لديها نفس نية النازيين    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس وتعلن النتيجة    فى شم النسيم.. الذهب يرتفع 10 جنيهات وجرام 21 يسجل 3090    خبير أثري: فكرة تمليح السمك جاءت من تحنيط الجثث عند المصريين القدماء (فيديو)    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية في حياة ماجدة الصباحي    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    رئيسة المفوضية الأوروبية: سنطالب بمنافسة "عادلة" مع الصين    أشجار نادرة وجبلاية على شكل الخياشيم.. استعدادات حديقة الأسماك لشم النسيم    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم .. صور    إيران تدرب حزب الله على المسيرات بقاعدة سرية    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    يستفيد منه 4 فئات.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    الرئيس البرازيلي: التغير المناخي سبب رئيس للفيضانات العارمة جنوبي البلاد    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    عصير سحري تناوله بعد الفسيخ والرنجة.. تعرف عليه    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذخائر العرب.. عيون التراث العربى
نشر في أكتوبر يوم 19 - 07 - 2015

125 عاما تمر هذا العام على نشأة دار المعارف، أعرق دور النشر العربية على الإطلاق، وأثراها تراثا وأغناها تاريخا، 125 عاما من نشر المعرفة وإشاعة التنوير وإضاءة العقول، مئات من المبدعين والكتاب والأعلام احتضنتهم وشهدت مولد أعمالهم الأولى، آلاف من الكتب، عشرات من السلاسل، تاريخ مشرق وماض زاخر لم يسجل بعد ولم يتم توثيقه على كافة جوانبه حتى اللحظة.. هنا نستعيد بعضا من مشاهد وفصول دار المعارف، ننعش بها الذاكرة، ونقلب فى الدفاتر القديمة، نتحدث عن كتّاب كبار، نروى قصص مولد أعمال خالدة، شخصيات عظيمة، بعضا مما ندين به لهذا الصرح العظيم..فى العام 1997، نشر الكاتب والمفكر الراحل حسين أحمد أمين مقالة بديعة عن أهم 100 كتاب فى التراث العربى، بمجلة العربى الكويتية، وألحق بها قائمة مختارة بالعناوين المائة الأهم، من وجهة نظره، فى تاريخ التراث العربى. كانت هذه القائمة متوازنة ودقيقة فى جانب كبير منها، راوحت بين المجالات المختلفة للتراث (فقه، أدب، تفسير، تاريخ، تصوف، فلسفة، علم الكلام، شعر، بلاغة، لغة، معاجم.. كما غطت زمنيا ثمانية قرون كاملة فى تاريخنا الوسيط.
بنظرة سريعة إلى هذه القائمة اكتشفتُ أن أكثر من نصفها من العناوين التراثية الأصيلة الراسخة، قد تم إخراجه وتحقيقه ونشره فى سلسلة (ذخائر العرب) التى تصدر عن دار المعارف، فى طبعات مدققة أنيقة يُضرب بها المثل فى روعة الإخراج وقمة ما وصلت إليه مناهج تحقيق التراث على يد أفذاذ المحققين من الشيوخ والعلماء الأجلاء؛ مثل الشيخ أحمد محمد شاكر، وأخيه العلامة محمود محمد شاكر، وعبد السلام هارون، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وطه الحاجرى، والسيد أحمد صقر. ومن جيل المحققين الأكاديميين الممتازين؛ محمود على مكى، شوقى ضيف، محمد زغلول سلام، ناصر الدين الأسد، إحسان عباس، حسين مؤنس، محمود الطناحى، عبد المجيد دياب، وآخرين.
(ذخائر العرب) هى السلسلة العظيمة التى تصدرها دار المعارف فى مصر، وهى من أهم ما تم إصداره عربيا من سلاسل مختصة بنشر تراث العرب، السلسلة الأعرق التى اهتمت بنشر التراث العربى نشرا راقيا قائما على أسس علمية بالغة الدقة والعمق، ولا شك أن سلسلة (ذخائر العرب) التى أصدرتها دار المعارف تعتبر أرقى وأعظم سلسلة تراثية عربية ظهرت حتى الآن، ولا تكاد تنافسها سلسلة أخرى سوى (الذخائر) التى أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وهى قياسا بالعمر والتاريخ أحدث طبعا من (ذخائر العرب) وإن كانت لا تقل عنها فى قيمة ونبل ما أخرجته من كتب التراث العربى خاصة خلال الفترة التى تولى رئاسة تحريرها العلامة الكبير الدكتور عبد الحكيم راضى. وأظن أن الكثيرين من الأجيال القديمة وما بعدها يعرفون (ذخائر العرب) جيدا، أما من جيلى والأجيال التى تلته فقلّ منها من يقرأ التراث أصلا أو يقبل عليه، وإن كان لا يخلو جيل من الأجيال فى حقبة من الحقب، من أفراد مفتونين بالمعرفة والسعى إلى النفائس والتنقيب عنها واستخراجها. أما سبب أهميتها وشهرتها فيرجع لما نشرته من كتب و «ذخائر» حقا.
ظهرت السلسلة بمقترح من المحقق الكبير عبد السلام هارون سنة 1942، بعد أن اشترك مع قريبه العلامة محمود محمد شاكر فى إخراج وتحقيق أهم وأقدم مجموعتين شعريتين عربيتين تعودان إلى العصر الجاهلى، وهما «الأصمعيات» لعبد الملك بن قريب الأصمعى، و«المفضليات» للمفضل الضبي، وحققتا نجاحا كبيرا، وتخطفتها الأيدى، وطبع منها أكثر من طبعة فى فترة وجيزة.
وأترك صاحب مقترح إنشائها، المرحوم عبد السلام هارون، يروى بنفسه قصة ميلاد (ذخائر العرب) كما سجلها فى كتابه الصغير القيم «التراث العربى» (سلسلة كتابك، دار المعارف، 1978، ص 61)، يقول هارون:
«وقد بدأت دار المعارف نشاطها فى إحياء التراث العربى سنة 1942، حين فكرت أنا وأخى العلامة المغفور له الشيخ أحمد شاكر فى نشر مجموعات عيون الشعر سميناها «ديوان العرب». وبدأنا فى نشر «المفضليات» ثم «الأصمعيات». ثم اقترحنا على الدار أن تخصص نشرا منظما لعيون التراث العربى، فسرعان ما استجابت لهذا الاقتراح وقامت بتنظيم تنفيذه».
ويتابع هارون «وأذكر أن الدار قد أعلنت فى ذلك الوقت عن مسابقة لتسمية هذا المشروع، ففاز به عنوان «ذخائر العرب» يشترك فى تحقيقها علماء الشرق والغرب، وكان باكورة هذه المجموعة كتاب «مجالس ثعلب» فى مجلدين بتحقيق عبد السلام هارون و«إصلاح المنطق» لابن السِّكِّيت بتحقيقه مع الشيخ أحمد شاكر، والطبعة الأولى من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم تحقيق أ. ليفى بروفنسال. وتوالى بعد ذلك نشر طائفة كبيرة من تلك الذخائر بلغت الآن 54 كتابا؛ منها ما هو فى أكثر من عشرة مجلدات ومنها ما أعيد طبعه أكثر من خمس مرات. ولا تزال تلك المجموعة فى تزايد ونجاح مطرد، نرجو له المضى فى نشاطه واتساعه».
كتب المرحوم عبد السلام هارون هذا الكلام فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، وإذا كانت السلسة قد ظهرت إلى الوجود فى 1942 فإنها وخلال الفترة من 42 إلى 78 (أى خلال ستة وثلاثين عاما) قد أخرجت 54 كتابا/ عنوانا من ذخائر التراث، لو حسبنا عدد الأجزاء التى كان يتكون منها بعض الكتب، وهو الأغلب، وكان يصل إلى عشرة أجزاء فى بعضها، لاكتشفنا بسهولة أن ما طبعته وأخرجته دار المعارف خلال تلك الفترة يتجاوز المائة كتاب محققا ومدققا فى إطار سلسلة (ذخائر العرب).
ويظهر من حديث هارون، كيف كانت تأتى المبادرات العظيمة وكيف كان يستجاب لها، حين كان يقوم على مؤسسات النشر العريقة (العامة والخاصة) فى ذلك الزمن؛ أفراد من عينة شفيق مترى ويوسف شقة ومحمد سعيد العريان، هم فى البدء والمعاد أصحاب رسالة، مثقفون حقيقيون لديهم ميزان من ذهب يزنون به الأفكار والرجال والمشاريع، يتكلمون قليلا ويعملون كثيرا، بياناتهم وخطاباتهم تتحدث من خلال إنجازاتهم، لهذا تركوا وراءهم من الآثار والإنجازات العظيمة التى تتحدث عنهم وتومئ إليهم، وتتقطع نفوسنا حسرات عما جرى وكان!
أما اللجنة المشرفة على السلسلة، لاختيار العناوين وتكليف المحققين بالعمل عليها وإخراجها؛ فكانت تتكون من: الدكتور طه حسين، أحمد أمين، على الجارم، عبد الوهاب عزام، إبراهيم مصطفى (صاحب إحياء النحو)، أحمد محمد شاكر، ومحمد حلمى عيسى (وزير المعارف العمومية آنذاك) ولك أن تتخيل عزيزى القارئ، سلسلة يشرف عليها أسماء بقيمة وقامة هؤلاء الأفذاذ، المستوى الرفيع الذى كانت تخرج به إصدارات (ذخائر العرب)، من اختيار الموضوعات والكتب، ومستوى تحقيقها بما بلغته من دقة ومطابقة للأصل، وبما ألحق بها من مقدمات وافية أو كتب لها خصيصا من دراسات مفصلة عُدت كتبا كاملة ملحقة بالنص المحقق، باتت (ذخائر العرب) نفسها تراثا إنسانيا رفيعا بما قدمته وأخرجته ونشرته ويسرته للباحثين والدارسين ومحبى التراث والعلوم العربية.
صدر الكتاب الأول من (ذخائر العرب) فى مجلدين بعنوان «مجالس ثعلب» بتحقيق عبد السلام هارون، وهو من نفائس كتب التراث اللغوى، وقد نال هذا الكتاب عقب صدوره الجائزة الأولى للنشر والتحقيق العلمى فى المسابقات الأدبية التى نظمها مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1950. وافتتح «مجالس ثعلب» نشر طائفة من عيون تراث العرب فى اللغة والبلاغة والنقد خرجت تباعا فى (ذخائر العرب)، ومنها: «إصلاح المنطق» لابن السِّكِّيت، «إعجاز القرآن» للباقلانى، «ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن»، «الموازنة» للآمدى، «الإبانة عن سرقات المتنبى» للعميدى، وكتب أخرى.
على أن من أجلّ وأعظم ما أخرجته السلسلة من نفائس التراث الشعرى العربى، تلك المجموعة من الدواوين الكاملة أو شروحات لدواوين أعلام الشعر العربى فى عصوره الأولى، نذكر منها على سبيل المثال: «ديوان امرئ القيس» بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، «شرح ديوان صريع الغوانى»، «ديوان البحترى» فى 5 مجلدات بتحقيق محمد كامل الصيرفى، «ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب»، «ديوان الشماخ بن ضرار الذبيانى»، بالإضافة إلى «شرح ديوان المتنبى» المنسوب إلى أبى العلاء المعروف والمشهور ب «معجز أحمد»..
ولا ينسى عشاق التراث ومحبوه تلك النصوص الرائعة من عيون تراثنا النثرى؛ «رسالة الغفران» لأبى العلاء المعرى التى عكفت على تحقيقها ودراستها وإخراجها للناس فى صورتها الأصلية كما كتبها شيخ المعرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، وأيضا رسالته الأخرى الضخمة «الصاهل والشاحج»، كما أخرج المرحوم أحمد أمين النص الأندلسى الفاتن «حى بن يقظان» مع رسائل مشرقية أخرى دارت حول شخصيتى سلامان وأبسال لكل من ابن سينا وابن النفيس..
يطول الكلام، وحق له أن يطول ويستفيض ويتشعب عند الحديث عن قطعة عزيزة وغالية من تراثنا الفكرى المعاصر، فلم تكن (ذخائر العرب) أبدا مهما مرت السنون وطالتها العوائد مما ينسى أو يهمل ويلقى فى قيعان وطوايا النسيان..
وللحديث بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.