عندما تتسلط فكرة ما على عقل إنسان عادة ما يفقد قدرته تدريجيا على السيطرة على الواقع وسرعان ما يتبعها فقدانه التعامل مع المنطق المألوف بل وسرعان ما يتخطى حواجز العقل فى سباق محموم مع الخرافة للوصول معها وبها إلى خط النهاية ولاسيما لو كانت وهما مسيطرا فى استعادة مكانة أو مجد ذاب.. ولعلك قد لا تستغرب عندما تقرأ بين أعمدة الصحف ونشرات الأخبار فى وسائل الإعلام عن مصير رجال يحكمون بعض دول العالم ويفقدون القدرة على حكم ألسنتهم وإغلاق أفواههم عن هفوات توردهم موارد تهلكة النهايات.! وما يجرى الآن على الساحة السياسية التركية من صعود وأفول زعامات وقيادات خير دليل لكل من يصدق وهم السلطة وسلطة الوهم الذى جعل الرئاسة ترتكب من الأخطاء ما يجعلها تفقد المزيد من الاحترام والتأييد الذى كانت تحظى به وقد بدأت تلك التجاوزات بتخلى الرئيس التركى عن أبسط الشروط الانتخابية وهى الحيادية أثناء الانتخابات البرلمانية التى عقدت منذ أيام ووقوفه على مسافة واحدة أمام كافة الأحزاب المتنافسة الأمر الذى رفضه الرئيس وقام بالدعاية لصالح حزبه بنفسه مستخدما كافة السبل من إعلان وصيته الأخيرة باكيا أمام مؤيديه، وكذا محاولة فضح وتشويه معارضيه وتهديد وتفجير بعض المقار الانتخابية لتكون نتيجة هذه الانتخابات هى فقدان الرئيس وأتباعه لحلم الأغلبية الذى ظل مسيطرا على الساحة السياسية لمدة 13 عاماً لتبدأ رحلة الهبوط بعد أن أصبحت الخلافات هى السمة المسيطرة على كافة اجتماعات الحزب والحكومة بسبب رفض بعضهم لسياسة أردوغان الاحتكارية، وتتوقع صحيفة «حرييت» التركية للنظام الرئاسى الحالى «مزيدا من الأزمات مستقبلا». ولمعرفة المزيد عن الملامح الشخصية للرئيس أردوغان، تقول «فرانس 24» إن أردوغان ينتمى للطبقة الكادحة فى تركيا، فهو ابن لحارس للحدود وقد اضطرته الظروف لبيع البطيخ والحلاوة لاستكمال تعليمه الجامعى، انضم وهو فى سن مبكر لحركة نجم الدين أربكان السياسية، والذى أنشأ حزب الرفاة وانضم إليه أردوغان الذى انتخب ليكون رئيسا لبلدية إسطنبول وقد حققت له شعبية كبيرة وبعد استبعاد مرشده السياسى عن الساحة السياسية تمت إقالة أردوغان من منصبه وأدين بتهمة ازدراء الأديان وحكم عليه بالسجن وبعد أفول نجم أربكان أسس رجب حزب العدالة والتنمية، وفى عام 2002 فاز حزبه فى الانتخابات التشريعية وبدأ مشواره السياسى بعد إجراء تعديل بالدستور ليتمكن من رئاسة الحكومة عقب إلغاء سابقة السجن الأولى، وبعد ذلك تم انتخابه كرئيس للبلاد العام الماضى، وقد سعى أردوغان فى الانتخابات الأخيرة لإجراء تعديل دستورى لتغيير نظام الحكم من نظام برلمانى لنظام رئاسى لإحكام قبضته على البلاد، الأمر الذى رفضه شعبه ليبقى أمام السيد أردوغان أوهام ورؤى تظهر وتذوب فى سحب من فراغ لا يحد..