أزمة دستورية وحقوقية تواجهها الحكومة التونسية بسبب تصديق البرلمان التونسى على قانونين الأول هو مشروع قانون «زجر الاعتداء على القوات المسلحة»، والآخر قانون المجلس الأعلى للقضاء واللذين أثارا ردود أفعال عنيفة فى الشارع التونسى وأغضبنا رجال القضاء والمنظمات الحقوقية. وكانت الحكومة التونسية قد قدمت مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات المسلحة إلى مجلس نواب الشعب فى الشهر الماضى عقب الاعتداء الإرهابى بمتحف باردو التونسى بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات المميتة على قوات الأمن من جانب جماعات مسلحة منذ الثورة التونسية 2011 التى أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن على ويقضى مشروع القانون بالسجن لمدة عشرة أعوام لمن ينشر وثائق أمنية وبالسجن لفترات تصل خمس سنوات لمن يتهم بالمس بمعنويات الأمنيين. واعتبرت المنظمات الحقوقية التونسية أن مشروع القانون يقوض حرية التعبير ويسمح للشرطة باستخدام القوة المميتة ويحتوى على نصوص لا تتفق مع التزامات البلاد بحماية الحق فى حرية التعبير وتعزيز حق الجمهور فى الوصول إلى المعلومات التى تكون ضرورية لفضح انتهاكات حقوق الإنسان وضمان المحاسبة الديمقراطية ويجرم سلوك الصحفيين والمبلغين والمدافعين عن حقوق الإنسان ممن ينتقدون الشرطة وطالبت 13 منظمة حقوقية دولية (غير حكومية) المشرعين التونسيين بالتخلى عن البنود الإشكالية فى مشروع القانون أو تعديلها. وترى المنظمات الحقوقية أن مشروع القانون من شأنه السماح للمحاكم بفرض أحكام مطولة بالسجن على الأشخاص الذين يفشون أسرار الأمن الوطنى ولا يسمح القانون باستثناء الأشخاص الذين يفشون سرًا بدافع المصلحة العامة مثل المبلغين والصحفيين من الملاحقة مشيرة إلى أن مشروع القانون يجرم تحقير الشرطة وغيرها من قوات الأمن ومن ثم فهو يقوض حرية التعبير ومن شأنه أيضًا أن يسمح للشرطة باستخدام القوة المميتة لحماية الممتلكات. ونوهت المنظمات الحقوقية إلى أن المادتين 5 و6 من مشروع القانون لا تتفقان مع التزامات تونس بحماية الحق فى حرية التعبير وتعزيز حق الجمهور فى الوصول إلى المعلومات وتنص المادتان على المعاقبة بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات وغرامة قدرها 50 ألف دينار لمن يفشون أو ينشرون أسرار الأمن الوطنى. وعلى الجانب الآخر تسببت مصادقة البرلمان التونسى على القانون الأساسى للمجلس الأعلى للقضاء فى صب مزيد من الزيت على نار خلافات السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة والسلطة القضائية من جهه أخرى وجاء التصويت بموافقة 131 صوتًا، ومعارضة 14 نائبًا، واحتفاظ 8 بأصواتهم علمًا بأن تمرير قانون أساسى يتطلب تصويت 109 نواب فقط، وأجبر هذا القانون الأزمة القضاة على قيامهم بإضراب عام وعمل وقفة احتجاجية أمام البرلمان التونسى تنديدا بمضمون مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى تشكيلهم خلية أزمة للمطالبة بإيقاف تمرير هذا المشروع للتصويت. ويرى القضاة أن القانون بصيغته الحالية يهدد استقلالية القضاء ويتجاهل مطالبهم فى إنشاء سلطة قضائية مستقلة تضمن الحقوق والحريات وهددت مختلف الهياكل القضائية فى تونس بعدم التعامل مع المجلس الأعلى للقضاء فى حالة تمسك مجلس نواب الشعب بالصيغة الحالية للقانون، فقد طالبت سبعة هياكل قضائية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونواب الشعب المساندين لاستقلال القضاء بالطعن بعدم دستورية مشروع القانون الأساسى المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء احتراما لأحكام الدستور وعلويته داعية رئيس الجمهورية إلى عدم ختم القانون. بينما تعهد الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى خلال لقائه رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان عبد الستار بن موسى بعدم التوقيع على أى مشروع قانون لا يحترم الدستور وتعهد بإعادته إلى مجلس النواب فى حال تأكد تجاوزه القوانين الدستورية.