رغم ما يبدو من حُسن النية فى الخطوة التى اتخذتها الحكومة الفرنسية لمحاربة العداء المتزايد للإسلام ومحاصرة الاضطهاد العنصرى سواء للمسلمين أو اليهود وكذلك الغجر، إلا أن الخطة التى أعلن عنها مؤخرا رئيس الوزراء «مانويل فالس»، أثارت الكثير من الجدل حول إمكانية تحقيق أى نجاح ملموس باتباع الإجراءات التى تنص عليها هذه الخطة فى بلد لايزال يعانى من تبعات خطيرة للحادث الإرهابى الذى وقع على مجلة «شارلى إيبدو» والمتجر اليهودى فى يناير الماضى. واعترفت الحكومة الفرنسية أن «العنصرية ومعاداة السامية والكراهية للمسلمين والأجانب تتزايد بطريقة غير محتملة» على حد وصف «فالس» خلال زيارته لإحدى المدارس الثانوية فى الضواحى الشرقية لباريس. وبحسب مرصد الإسلاموفوبيا فإن الأعمال المعادية للمسلمين ارتفعت ست مرات فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجارى مقارنة بالفترة نفسها من 2014. كما أعلن مفوض حقوق الإنسان فى مجلس أوروبا نيلز مويزنيكس، أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة كبيرة فى الأعمال المعادية لليهود وللمسلمين بفرنسا وانخفاضا فى التسامح وزيادة فى «الاعتداءات اللفظية والأعمال البغيضة والتمييزية». من هنا توصلت الحكومة الفرنسية لخطة علاج ثلاثية خصصت لتنفيذها اعتمادات بقيمة 100 مليون يورو. وستنفذ الخطة فى غضون ثلاث سنوات وتستهدف ثلاث مجالات رئيسية هى القضاء والتعليم والإنترنت، متضمنة عدة إجراءات، من بينها تشديد العقوبات على جرائم العنصرية ومعاداة السامية، ونقل اختصاص محاربة التصريحات العنصرية من قانون الصحافة إلى قانون العقوبات. وتنص الخطة كذلك على تشكيل «وحدة لمكافحة الكراهية على الإنترنت»، وتنفيذ حملة كبيرة لمحاربة الظواهر العدائية، وفى المجال التعليمى سيخصص للمعلمين المزيد من دورات التأهيل، كما سيتم حث مسئولى المؤسسات التعليمية على الإبلاغ عن حوادث العنصرية ومعاداة السامية. ورغم هذه التحركات التى تبدو «إيجابية» فى ظاهرها، إلا أن القلق لايزال موجودا على نطاق واسع من فشل الخطة الجديدة فى تحقيق تحول كبير فى توجهات المجتمع الفرنسى، بل هناك بعض المخاوف من أن يقود تشديد القوانين والملاحقات القضائية إلى نتائج عكسية على المستوى العملى، ويعبر كثيرون عن هواجس من تنامى شعور الكراهية والعداء للأجانب، إذا لم تتنبه السلطات الفرنسية لمعالجة أوجه القصور الحقيقى فى هذا المجال، وفى مقدمتها تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين والفئات الشعبية المهمشة، وبخاصة الغجر الذين يفتقدون حقهم فى العناية الصحية والتعليم والسكن والعمل، وتوفير حماية أفضل للقاصرين الأجانب الذين يقدرون بنحو 12 ألفا فى فرنسا، وكذلك الاهتمام بالسجون التى أصبحت مدارس لتخريج المتطرفين. ولا ينفصل عن ذلك ضرورة تغيير الحكومة الفرنسية نفسها لأفكارها الجاهزة مسبقا نحو تحميل الأجنبى المسئولية عن أى عمل إرهابى ومحاولات البعض لربط هذه الأعمال بالإسلام، وبخاصة فى ظل وجود من يستغل مخاوف المواطن الفرنسى من الأعمال الإرهابية فى تعميق مشاهر الكراهية تجاه العرب والمسلمين المقيمين فى البلاد، وهنا لابد من تفعيل الحوار مع مسلمى فرنسا، والاستماع بجدية إلى شكواهم المستمرة من إهانة الإسلام والمسلمين التى لا تعتبر عملا جنائيا، بل تدخل تحت باب حرية التعبير، فى الوقت الذى يوجد قانون تتم بموجبه ملاحقة كل من يتفوه بكلام معاد للسامية، الأمر الذى يثير حنق المسلمين والجمعيات التى تدافع عنهم. وسيظل السؤال مفتوحا حول إمكانية نجاح خطة «فالس» فى محاصرة خطاب الكراهية، كما وصفه الرئيس الفرنسى أولاند، لأن فرنسا لن تعود فقط للمربع رقم واحد إذا مرت السنوات الثلاث المقبلة دون أى نجاح يذكر فى هذا المجال، بل قد تدفع ثمنا أكثر كلفة حين تواجه بمزيد من المخاطر الإرهابية فى حال فشل الخطة الفرنسية لمكافحة العنصرية المتفشية فى البلاد.