أظن أننا جميعًا شعرنا بفرحة غامرة ونحن نتابع مؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد المصرى» الذى انعقد فى شرم الشيخ.. وأظن أن أعناقنا طالت إلى السماء ونحن نعيش لحظات النجاح ونرقب النتائج المذهلة التى تحققت.وليس عيبًا أن نعترف بأن تلك المشاعر سبقتها مشاعر الخوف والرعب.. كنا جميعًا نضع أيدينا على قلوبنا قبل انعقاد المؤتمر.. خوفا من الفشل وإشفاقا على المسئولين وعلى أنفسنا من العواقب التى كانت ستترتب على الإخفاق.هل يمكن بعد ذلك أن أتهم بالمبالغة إذا قلت إن مصر فى شرم الشيخ قامت بتنفيذ عملية عبور جديدة لا تقل أهمية عن عملية عبور 1973؟!ولعلنا جميعًا نذكر أن الحكومة قامت قبل انعقاد المؤتمر بتحديد الأهداف التى تسعى إلى تحقيقها من انعقاد المؤتمر.. ستة أهداف بالتحديد أولها تقديم رؤية واضحة وطموحة لمستقبل مصر.. ثم ترسيخ وضع مصر كمقصد استثمارى.. وتوجيه نظر العالم لرؤية الحكومة المصرية للإصلاح الاقتصادى.. ووضع استراتيجيات لتنشيط القطاعات الاقتصادية الرئيسية.. ثم العمل مع شركاء مصر على تطوير البنية التحتية للارتقاء بالاقتصاد المصرى.. وأخيرًا تقديم فرص لجذب المستثمرين على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى. كانت هذه هى الأهداف التى وضعتها الحكومة نصب أعينها وسعت بكل ما تملكه من جهد لتحقيقها.. لكن الذى تحقق أكبر من ذلك بكثير.. الذى تحقق فاق كل التوقعات! ونبدأ بالنجاح الذى تحقق على المستوى الأمنى والذى شهد به العالم كله وأشاد.. وكان سببًا رئيسيًا فى نجاح المؤتمر بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى! قبل انعقاد المؤتمر بأسابيع قليلة عاشت محافظات مصر موجة من الانفجارات والأعمال الإرهابية التى كنا نعرف جميعًا أن هدفها إفشال المؤتمر الاقتصادى وإسقاط سمعة مصر. المخاوف وصلت إلى درجة أن البعض تصور أن الإرهاب يمكن أن يستهدف شرم الشيخ نفسها.. إما قبل انعقاد المؤتمر أو أثناء انعقاده.. وكنا جميعًا نعرف أن أول ما تتطلبه عملية جذب الاستثمار هو شعور المستثمرين بالأمان. باختصار كان التحدى الأمنى هو أكبر التحديات التى واجهتها مصر قبل وأثناء انعقاد المؤتمر. كانت هناك شخصيات كبيرة.. ملوك ورؤساء وزعماء ووزراء.. ورجال أعمال بدرجة ملوك!.. وكان تفجير واحد يستهدف هؤلاء كفيلا بتدمير سمعة مصر الاقتصادية. فى نفس الوقت كانت هناك حركة نشطة للسياحة أراد المسئولون الحفاظ عليها فى معدلاتها الطبيعية للتأكيد على مسألة الأمن والأمان. واستطاعت أجهزة الأمن بالاشتراك مع القوات المسلحة مواجهة كل هذه التحديات وتأمين منطقة شرم الشيخ بدرجة انعدمت فيها نسبة الخطأ إلى الصفر.. وأكثر من ذلك فقد نجحت أجهزة الأمن والقوات المسلحة فى تقليص حجم الأعمال الإرهابية على مستوى محافظات مصر.. إلى أقل درجة ممكنة.. فلم نسمع إلا عن تفجيرات محدودة لا يزيد تأثيرها على تأثير ألعاب الأطفال المزعجة! كان النجاح الذى حققته أجهزة الأمن بالاشتراك مع قواتنا المسلحة مفتاح النجاح الذى حققه المؤتمر نفسه.. وعن هذا النجاح حدِّث ولا حرج!شهد العالم كله بكفاءة التنظيم والترتيب.. كلمات الضيوف.. تنظيم تواجدهم وتحركهم.. الندوات وحلقات النقاش التى تضمنها المؤتمر.. طريقة وأسلوب عرض المعلومات التى يحتاجها المستثمرون.. كلام المسئولين المصريين وما قدموه من حقائق بمنتهى الصدق والشفافية. وقبل ذلك كله وربما بعده كلمة الرئيس عبدالفتاح السياسى سواء فى افتتاح المؤتمر أو فى ختامه والتى نجح من خلالها فى تقديم رسالة قوية للعالم.. رسالة تقول إن مصر وقفت على قدميها من جديد وأنها تتعافى بسرعة كبيرة. وأما النجاح الذى حققه المؤتمر فكان مذهلا بكل المقاييس. أولا حضور دولى واسع.. أكثر من 80 دولة وأكثر من ألفى مستثمر من كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى 23 منظمة إقليمية ودولية. وبلغت حصيلة الاتفاقيات والاستثمارات والقروض 60 مليار دولار.. ثم دعم خليجى بلغ قيمته 12.5 مليار دولار. وإذا كانت هذه الأرقام تعكس مدى النجاح الذى حققه المؤتمر على المستوى الاقتصادى.. فإن المؤتمر لم يخل من نجاحات على المستوى السياسى لا تقل أهمية. كلمات الرؤساء والملوك والوزراء التى عكست حماس المجتمع الدولى فى تأييد مصر ودعمها.. التحول الملحوظ فى مسيرة العلاقة مع الاتحاد الأوروبى الذى قدم لمصر 272 مليون يورو.. والأهم الدعم السياسى لها فى مواجهة الإرهاب.. وليست الدعوة التى وجهتها المستشارة الألمانية ميركل للرئيس عبد الفتاح السيسى لزيارة ألمانيا إلا مثالا لدعم أوروبا لمصر وتأييدها ومساندتها. حتى العلاقة مع الولاياتالمتحدة والتى شهدت الكثير من التوترات خلال الفترة الماضية.. شهدت تحولا كبيرا عبرت عنه كلمة جون كيرى وزير خارجية أمريكا الذى تحدث عن قرب استئناف المساعدات العسكرية لمصر. وعبّر الحضور الأفريقى عن التحول الهائل فى مسار العلاقات المصرية الأفريقية. باختصار فاق النجاح على جميع المستويات.. كل التوقعات.. لكن الأعمى وحده الذى لا يرى ضوء الشمس! كان مثيرًا للدهشة أنه فى الوقت الذى تنقل فيه كاميرات التليفزيون للعالم كله وقائع افتتاح المؤتمر الاقتصادى من شرم الشيخ.. كانت كاميرات قناة الجزيرة تنقل مظاهرة محدودة لا يزيد عدد من شاركوا فيها على خمسين فتاة وامرأة.. ترفع شعارات ولافتات تندد بالمؤتمر الاقتصادى. وتنشر جريدة الراية القطرية.. الناطق الرسمى باسم دولة قطر مقالا ينضح بالحقد والغل ويتحدث عن مصر التى تسودها الفوضى وحالة عدم الاستقرار.. ووصف المقال المؤتمر بأنه مؤتمر فاشل! ويصدر البرلمان الإخوانى فى تركيا بيانًا يحث فيه الشعب المصرى على عدم الالتزام بأى اتفاقيات يتم إبرامها بين النظام وبين المستثمرين. ويقيم ما يسمى بالمجلس الثورى المصرى ندوة سرية فى جينيف لم تنقلها إلا قناة الجزيرة.. تندد بالمؤتمر وفكرته ونتائجه. وتخرج مظاهرات محدودة فى بعض المناطق بالقاهرة يطاردها الأهالى بالحجارة واللعنات! مصيبة أن يكون الإنسان أعمى العين والقلب! ??? مصر نجاحًا مبهرًا على جميع المستويات لكن هذا النجاح وحده لا يكفى فعلينا أن نبدأ فورًا بترتيب الأولويات ووضع الجداول التنفيذية لكل ما تم الاتفاق عليه فى المؤتمر الاقتصادى. دقت ساعة العمل!