الواقع يؤكد أن أفعال واشنطن تناقض أقوال كيرى، فقد جاء وزير الخارجية الأمريكى واجتمع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى، وعقد مؤتمرًا صحفيًا مع وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل، ليقدم تطمينات للحلفاء القلقين من تداعيات الاتفاق النووى مع إيران على أمنهم، ومن تمدد طهران وإخلالها بالأمن فى المنطقة. لم يكن كيرى مقنعًا فيما قاله بسبب تناقض تحالف المصالح بين واشنطنوطهران من جهة، والوعود باستراتيجية التحالف مع دول الخليج من جهة ثانية. كيرى أكد أن الاتفاق النووى مع إيران سيخدم أمن المنطقة ويجعلها أكثر أمنًا وليس العكس! فكيف لأحد أن يصدق ذلك؟ فإيران تفاوض أمريكا والغرب بينما تكرِّس احتلالها لأربع عواصم عربية هى دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء، فكيف سيكون الحال بعد التوصل لاتفاق نووى مع أمريكا والغرب؟ فقد تحول البرنامج النووى الإيرانى إلى وسيلة لاستدراج التفاوض مع الغرب ولكسب الصفقات من خلاله وذلك على حساب المنطقة العربية وشعوبها، لذلك لم يصدق أحد تطمينات كيرى من أن التفاوض على النووى الإيرانى منفصل عن الملفات الإقليمية الأخرى، فالإيرانيون لن يتخلوا عن فزاعة النووى دون مقابل، والمقابل سيكون غطاء أمريكيًا غربيًا للتوسعات الإيرانية فى المنطقة، لقد سمحت واشنطنلإيران بالتمدد والتوسع على حساب المنطقة العربية، فقد سلمتهم مفاتيح بغداد، كما ظلت تهديدات أوباما لبشار الأسد حبرًا على ورق. بينما كان الإيرانيون يدافعون عن نظام الأسد، وفى اليمن ولبنان تكتفى أمريكا بالمشاهدة بينما تزداد السيطرة الإيرانية على البلدين. وخلال المؤتمر الصحفى بالرياض جاءت كلمات الأمير سعود الفيصل قوية حين ذكِّر كيرى وباللغة الإنجليزية «أن إيران تحتل العراق وتشجع الإرهاب وهى جزء من المشكلة». وقبلها وصف إيران بأنها «قوة احتلال فى سوريا». وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نشرت تحليلًا رئيسيًا فى صفحتها الأولى يناقض تطمينات كيرى ويفضح التعاون بين أمريكاوإيران. والشاهد أن أفعال واشنطن تناقض أقوال كيرى، وبخاصة فى العراق، فأمريكا سمحت لإيران بأن تكون حليفًا غير معلن فى التحالف الإقليمى ضد «داعش» وتشارك قوات الحرس الثورى الإيرانى المصنِّفة منظمة إرهابية من قبل واشنطن، وبإشراف قاسم سليمانى فى معارك صلاح الدين وتكريت. ففى عهد أوباما أًصبحت إيران حليفًا غير معلن ورأس حربة من الخليج إلى باب المندب إلى البحر المتوسط، وتدخلاتها فى شئون الدول الأخرى لا تخفى على أحد، حيث تدعم قواتها الانقلاب الحوثى فى اليمن، وتؤيد آلة الحرب التى يقودها بشار الأسد فى سوريا، وقواتها تحتل أجزاء من العراق، وتتدخل فى البحرين بشكل سافر، إضافة إلى ممثلها «حزب الله» الذى يعرقل الحياة السياسية فى لبنان. وما يؤكد المواقف والنوايا الإيرانية تجاه المنطقة جاء من خلال تصريحات لا مثيل لها سوى تصريحات هتلر وموسولينى، حيث أعلن على يونسى مستشار الرئيس حسن روحانى للشئون الدينية والأٌقليات أن «إيران عادت إلى وضع الامبراطورية كما كانت طيلة تاريخها». مضيفًا أن «العراق بات عاصمة لهذه الامبراطورية التى تدافع عن شعوب المنطقة ضد التطرف الإسلامى والإلحاد والعثمانية الجديدة». وأضاف فى كلمته أمام مؤتمر حول الهوية فى طهران«العراق ليس جزءًا من نفوذنا الثقافى فقط بل من هويتنا، هو عاصمتنا اليوم، وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، لذا إما أن نتفق وإما أن نتقاتل». ومع مضى الوقت واقتراب موعد توقيع الاتفاق النووى آخر الشهر الحالى أو عدم توقيعه هى فترة حرجة يسعى فيها كل طرف لتحقيق أفضل موقع فى مرحلة التفاوض الأخيرة، ومحاولة تسويق الاتفاق إن تم على أنه انتصار كبير لكل طرف. وبدوره أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما أنه إذا تعذر التوصل إلى اتفاق مع إيران ويمكن التثبيت منه بشأن برنامجها النووى، فإن بلاده ستترك طاولة المفاوضات. وأضاف «إذا لم يكن بوسعنا التأكد من أنهم لم يحصلوا على سلاح نووى، ومن أنه سيكون لدينا وقت كاف للتحرك أثناء فترة انتقالية فى حال مارسوا الخداع.. إذا لم نحصل على هذه الضمانات فلن نقبل باتفاق». وأكد مسئولون غربيون أن الجولة القادمة من المحادثات بين الجانبين ستنعقد فى جنيف الأسبوع القادم. فهل تذهب الأمور بسلاسة نحو الاتفاق.؟ النتائج غير مؤكدة، لكن المؤكد أننا مقبلون على تطورات كبرى فى المشهد السياسى الإقليمى ستغير وجه المنطقة. فرغم استعراض القوة الإيرانى فى المنطقة. فإن المفاوض الإيرانى يعرف حدود اللعبة، وكيف يستخدم الكروت جيدًا على طاولة المفاوضات من أجل الحصول على أفضل المكاسب، فالنظام الذى خدع ومازال يخدع وأخفى برنامجه المحظور، من شأنه أن يخفى أنه على أعتاب أزمة اقتصادية، ويأتى بكل أنواع التهديدات فى محاولة للاحتفاظ بما حصل عليه بالفعل، وربما كان أوباما مجرد مفاوض سيىء لم يعرف كيف يجيد لعبة التفاوض مع من يجيد الخداع!.