الزمن لا يتوقف وعقارب الساعة لا تعرف الراحة ومن ثم فإنه ليس هناك معنى حقيقى للكلام عن عام جديد وعام قديم.. وليست هناك فواصل زمنية تتوقف عندها الأحداث وتبدأ الأحداث.. نحن الذين نتوهم ونتخيل! وليس لهذا الوهم والخيال إلا فائدة واحدة.. الحصول على استراحة «افتراضية».. نتوقف عندها نفكر ونتأمل.. ننظر إلى الوراء ونتطلع إلى الأمام.. نحلم ونتأمل! فى هذا الإطار يكون من حقنا المشروع ونحن نستعد لوداع عام 2014 واستقبال عام 2015 أن نسأل أنفسنا.. كيف سيكون حال مصر فى العام الجديد؟ وما أبرز التحديات التى ستواجهها؟ وكيف نتعامل مع هذه التحديات؟ وتكون الإجابة عن هذه التساؤلات مجرد محاولة! فإذا نظرنا إلى الوراء وإذا تطلعنا إلى الأمام فأظن أننا نتفق على أن أهم التحديات التى تواجه مصر هى التحديات الأمنية.. بدون أمن لا اقتصاد ولا سياسة ولا سياحة ولا استقرار. التحديات الأمنية تعنى مواجهة الإرهاب.. والكلام عن الإرهاب مقصود به إرهاب الجماعات التكفيرية التى اتخذت من سيناء مسرحًا لنشاطها.. وأيضًا إرهاب الجماعة المتمثل فيما تقوم به من أعمال تفجير بقنابل بدائية الصنع أو بالمولوتوف أو حتى باستهداف رجال الشرطة والجيش.. ثم المظاهرات العنيفة التى تستهدف الاعتداء على رجال الأمن وعلى المواطنين وممتلكاتهم.. أضف لهذا كله استهداف مرافق الدولة ومؤسساتها مثل محطات الكهرباء ووسائل النقل وغيرها. وبالنسبة للإرهاب الموجود فى سيناء فأظن أن قواتنا المسلحة وأجهزة الأمن حققت نتائج جيدة واستطاعت أن تفرض كلمتها.. صحيح أنه لا تزال هناك عمليات إرهابية لكن أى منصف يشهد بأنها أصبحت محدودة وهو ما يعنى أننا حققنا تقدمًا ملحوظًا وكبيرًا فى حربها ضد الإرهاب. وزارة الداخلية أعلنت أنها نجحت فى القضاء على الإرهاب بنسبة 75 فى المائة.. وهو كلام معقول يتفق مع الواقع الذى يؤكد تراجع النشاط الإرهابى بدرجة كبيرة.. ويزيد من تقديرنا لأجهزة الأمن أنها رغم ضراوة حربها ضد الإرهاب فإنها ملتزمة تمامًا بالقانون ولم تلجأ لأى إجراءات استثنائية. القوات المسلحة أيضًا حققت نتائج جيدة ووجهت ضربات ناجحة للإرهاب فى سيناء خاصة بعد أن بدأت فى تطبيق خطتها لتأمين الشريط الحدودى فى رفح. ويفرض السؤال نفسه.. كيف نواجه ما تبقى من الإرهاب؟.. كيف نتعامل مع هذا التحدى؟.. والإجابة بدون تعقيدات تنحصر فى أمرين.. الأمر الأول هو معاونة أجهزة الأمن والقوات المسلحة فى حربها ضد الإرهاب.. والمقصود بالمعاونة هذا هو أن نخفف عن كاهلها الأعباء التى ظلت تتحملها طيلة العام الماضى.. يكفيها مظاهرات الإخوان وإذا كنا جادين فى مواجهة الإرهاب فعلينا أن نمتنع عن إجهاد رجال الأمن بمظاهرات أخرى.. كل القضايا يمكن تأجيلها لحين القضاء على الإرهاب.. مواجهة الإرهاب يجب أن تكون أولوياتنا وماعدا ذلك يمكن أن ينتظر! إذا فعلنا ذلك فنحن لا نخفف العبء فقط عن كاهل أجهزة الأمن وإنما أيضًا نسد الثغرات التى يمكن أن تنفذ منها الجماعة الإرهابية لتحقيق أهدافها.. فما الذى يريده الإخوان أكثر من مظاهرات يندسون وسطها ويمارسون باسمها العنف أو يحاولون إيهام العالم بأنهم كثر! وأما الأمر الثانى فى مواجهة الإرهاب فهو البدء فورًا وبدون تأخير فى إعداد الخطط المناسبة لمواجهة الفكر المتطرف. المسألة طبعًا ستحتاج وقتًا طويلًا لكن المهم أن نبدأ. وعلينا بعد ذلك أن نثق فى أجهزة الأمن وفى قواتنا المسلحة وألا نسمح لهذه الثقة بأن تهتز. وليس التحدى الأمنى هو التحدى الوحيد الذى يتعين علينا مواجهته.. هناك تحديات أخرى! ??? يمثل الاقتصاد تحديًا لكل دولة تسعى لتحقيق التقدم والاستقرار.. وهل هناك دولة لا تسعى لتحقيق التقدم والاستقرار؟! أما بالنسبة لمصر فنحن فى الحقيقة مطالبون بما هو أكثر من ذلك فالحقيقة أن الاقتصاد المصرى خسر الكثير على امتداد السنوات الأربع الماضية وأصبحنا مطالبين أولا بتعويض هذه الخسارة التى تتضاعف يومًا بعد يوم ثم علينا بعد ذلك أن نحقق انطلاقة اقتصادية تدفعنا إلى الأمام وتجعلنا نحتل المكانة التى نستحقها. كيف؟! بلغة الاقتصاد فإن مصر تحتاج إلى زيادة معدل النمو وتحتاج إلى خلق فرص عمل لمواجهة «غول» البطالة بالإضافة إلى أن مصر تحتاج إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادى من خلال خفض معدل التضخم وخفض عجز الموازنة وتخفيض الضغوط على الاحتياطى من النقد الأجنبى. ولأن العلاج الصحيح يبدأ بالتشخيص الصحيح نقول إن الأزمة الاقتصادية التى تواجهها مصر لها أسباب كثيرة أهمها انخفاض الاحتياطى النقدى من 36 مليار دولار فى يناير 2011 إلى حوالى 13 مليار دولار عام 2014.. فى نفس الوقت فإن قيمة الجنيه المصرى انخفضت بدرجة غير قليلة وصلت إلى أكثر من 10%. كل ذلك أدى إلى وصول الاقتصاد المصرى إلى مرحلة «الركود التضخمى» بعد تراجع معدل النمو الاقتصادى بشكل ملحوظ. وليس هناك شك فى أن عدم الاستقرار السياسى وما يرتبط به من اضطرابات أمنية أدى إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر.. فى نفس الوقت فقد تعرض قطاع السياحة فى مصر لخسائر جسيمة يقدرها الخبراء بنحو 3 مليارات دولار. فى نفس الوقت فإن الاقتصاد المصرى يواجه أزمة حقيقية بسبب إخفاق السياسات المختلفة فى التصدى لمشكلة الدعم. ويقودنا ذلك كله إلى البحث عن العلاج المناسب.. والعلاج المناسب يقتضى وضع سياسات تحقق الاستقرار السياسى الذى بدوره يجذب الاستثمارات مع توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين.. كما أننا فى حاجة أيضًا لوضع سياسات مناسبة لمواجهة مشكلة الدعم. هذه هى التحديات التى يتعين علينا مواجهتها والحقيقة أننا لا نملك ترف عدم مواجهتها.. ولم يعد فى استطاعتنا أن نلجأ إلى سياسة المسكنات.. إما العلاج وإما الانهيار! وتمثل الانتخابات البرلمانية المرتقبة تحد جديدًا علينا مواجهته، بالإضافة للتحديات الأمنية والاقتصادية. الانتخابات البرلمانية هى آخر الاستحقاقات فى خريطة الطريق لكنها فى الحقيقة أهم هذه الاستحقاقات.. وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن البرلمان القادم هو أهم برلمان فى تاريخ مصر الحديثة.. لأنه لأول مرة سيكون مسئولا عن تحقيق أحلام الشعب وآماله وتطلعاته. ويمثل الاختيار الصحيح لأعضاء هذا البرلمان تحديًا حقيقيًا للشعب المصرى.. والسؤال كيف نختار من لا يتاجر بالدين ودين لا يتاجر بأحلام الشعب؟.. كيف نختار النائب المناسب لأصعب مهمة برلمانية؟ ??? بعد أيام قليلة يرحل عام ويأتى عام.. بعد أيام قليلة نودع عاما ونستقبل عاما.. هكذا نفعل منذ قديم الأزل وهكذا سنفعل إلى ما شاء الله.. المهم أن نتعلم من دروس العام القديم ما يعنينا على مواجهة العام الجديد. هكذا يفعل العقلاء!