بين تداعيات مهمة لتوغل تنظيم «داعش» فى العراق بعد هزيمة جيشه النظامى، واحتلاله مدنا فى شمال البلاد وإعلانه دولة الخلافة، وتزايد احتمالات نشوب حرب طائفية فى المنطقة، وتلويح طهران بإمكانية التدخل عسكريا فى العراق لحماية المراقد والعتبات الشيعية، وذلك بالتزامن مع توافق أمريكى حول خارطة طريق بشأن العراق تلوح فى الأفق فرص لدعم التقارب الأمريكى الإيرانى. ولكن الملف النووى الإيرانى يقف عائقا أمام هذا التقارب، حيث يعتبر المحدد الأول لموقع إيران فى التحالف الدولى ضد «داعش»، حيث يؤكد الإيرانيون أنهم يرغبون فى حل القضايا النووية أولا. كانت إيران ومجموعة الدول الست قد بدأت الأسبوع الماضى جولة جديدة من المحادثات فى الأممالمتحدة لتجاوز الخلافات التى تعترض التوصل إلى اتفاق حول برنامج طهران النووى. وكانت تصريحات المسئولين الأمريكيين والإيرانيين قد بددت الأمل فى تحقيق تقدم. فقد صرح مسئول أمريكى بأن واشنطن تطالب فقط. أن تبرهن إيران على أن برنامجها النووى سلمى وأن تضمن أن يبقى كذلك. وأضاف أن تهديدات إيران بانتقام محتمل، بما فى ذلك تسريح برنامجها النووى إذا لم يتم التوصل لاتفاق لانهاء العقوبات هى تهديدات غير مفيدة. وكان وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف قد صرح بأن واشنطن لا تفكر سوى بإبقاء العقوبات على إيران وأن الكونجرس يعارض أى اتفاق مع إيران لأن ذلك سيفرض عليه رفع العقوبات. وكان وزير الخارجية الألمانى فرانك شتاينماير قد أكد أن إيران «لم تعد تستطيع كسب الوقت فى المفاوضات النووية قبل شهرين من نهاية مهمة التوصل إلى اتفاق نهائى ينهى العقوبات الاقتصادية على طهران فى مقابل تقييد برنامجها النووى والمحدد فى 24 نوفمبر المقبل». ورغم أن الطريق قد أصبح ممهدا أمام إيران لأن تكون طرفا رئيسيا ضمن التحالف الدولى لمواجهة «داعش» بعد تصريحات جون كيرى بأن لكل دولة دورا فى مواجهة هذا التنظيم بما فيها إيران، وأيضا بعد مطالبة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بأن تكون إيران طرفا فى التحالف، وكذلك عدم ممانعة أطراف عربية وغربية مشاركة الإيرانيين فى التحالف. ورغم هذه التأكيدات فإنه هناك ملفات أخرى غير الملف النووى تحدد شكل ونوع المشاركة أو عدم المشاركة أصلا. فنشر قوات برية أجنبية فى العراق وفقا للمنظور الإيرانى يعد احتلالا مباشرا جديدا للعراق، وإعادة انتشار للأمريكيين على حدودها، فى وقت كانت طهران تستعد لانهاء وجودهم فى أفغانستان. وثمة مشكلة أخرى تتصل بمدى تقبل إيران للمشاركة فى عمليات عسكرية دولية ضد «داعش» فى سورياوالعراق، حيث يعرف الجميع أن إيران وتوابعها هم حلفاء دمشق، ولم يفكروا منذ بداية ظهور «داعش» فى سوريا بمحاربته، بل تعاملوا معه كرافد لهم فى معاركهم لإنقاذ نظام الأسد. والدول الكبرى وأجهزة الاستخبارات تدرك أنه لم تكن هناك جهود إيرانية لإضعاف «داعش» بل تداخلت المصالح بين الطرفين، كما أن الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية من خلال حليفها نورى المالكى كانت على العكس تضغط لتأجيج البؤرة الإرهابية وتهيئة البيئة الحاضنة له. وبعد تطور الأحداث فى العراق وتوجه المجتمع الدولى إلى الاعتماد على إقليم كردستان وقوات البيشمركة فى مواجهة توسع «داعش» خصوصا وأن الضربات الأمريكية ضد معاقله لم تبدأ إلا بعد أن اقترب مقاتلو «داعش» من مدينة أربيل، جنحت إيران إلى اعتبار «داعش» جزءا من مؤامرة صهيونية أمريكية، وبخاصة أن «داعش» لا يزال من وجهة نظر كثيرين «كيان استخبارى» نشأ بفضل أطراف إقليمية ودولية مستفيدة منه. واستمرارا للمراوغة الإيرانية طرح مسئولون اقتراحا تتعاون بموجبه إيران فى محاربة برنامجها النووى. وقد رفض المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست الاقتراح الإيرانى وقال: إن جهود القوى العالمية لإقناع إيران بالتخلى عن برنامجها النووى منفصلة تماما عن جهود الرئيس أوباما لبناء تحالف ضد «داعش». وبرغم ما يلف مواقف طهران من تردد ومراوغة فيما يتصل بمشاركتها فى التحالف الدولى ضد «داعش»، فذلك جراء حسابات معقدة، لعل أبرزها اهتزاز ثقتها فى النوايا الأمريكية، والمخاوف من التداعيات المحتملة لأى عمليات عسكرية فى المنطقة، وتحاول إيران من خلال المراوغة أن تعظم مكاسبها فى مفاوضات الملف النووى، وأن تحمى مصالحها من خلال مساومة المجتمع الدولى لإشراك نظام الأسد فى هذا التحالف بأى شكل يضمن استمراره.