أسعار الجمبري والكابوريا اليوم السبت 4-5-2024 في محافظة قنا    عمرو أديب عن الفسيخ: "مخلوق مش موجود غير في مصر.. تاكله وتموت سعيد"    مصدر ل تايمز أوف إسرائيل: صبر واشنطن مع حماس بدأ ينفد    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024.. عز 24155 جنيها للطن    توريد أكثر من 16 ألف طن قمح بالإسكندرية    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت 4 مايو    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    جيش الاحتلال يعتقل 5 فلسطينيين من بلدة سبسطية شمال غربي نابلس بالضفة الغربية    الزمالك يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة سموحة    موعد مباراة الأهلي والجونة والقنوات الناقلة في الدوري المصري    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    مونودراما فريدة يختتم لياليه على مسرح الطليعة في هذا الموعد    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد كمال الدين إمام أستاذ الشريعة والقانون المقارن: ربط الدين بالجمود والتخلف.. هو عين التخلف
نشر في أكتوبر يوم 07 - 09 - 2014


حوار أجراه:
عاطف عبد الغنى
تصوير: عاطف دعبس
فى مفتتح هذا الحوار سألت أ. د. محمد كمال إمام.. أستاذ الشريعة الإسلامية والقانون المقارن بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية عن الفرق ما بين تدريس الشريعة الإسلامية فى الكليات المدنية (الحقوق مثلًا) وتدريسها فى الكليات الأزهرية فأجاب بأن الكليات المدنية تدرّس الشريعة الإسلامية باعتبارها قانونًا، فمثلًا يشرح لطلبة السنة الثانية فى كلية الحقوق قانون الأحوال الشخصية المصرى، وفى السنة الثالثة الوصايا والأوقاف وكذا أحكام الزواج والطلاق والمواريث باعتبارها كلها تشريعات قانونية مطبقة بالفعل.
أما فى كلية الشريعة والقانون التابعة لجامعة الأزهر فيدرس للطلبة الفقه والمذاهب الإسلامية مثل الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، بالإضافة إلى المواد القانونية فالأصل كليات الأزهر هو أن جميعها تدرس الفقه الإسلامى.
وكنت أٌقصد من السؤال أن استكشف النافذة العلمية التى يطل منها د. إمام على علوم الدين، فلما استغرقنا الحوار اكتشفت رؤية واسعة تتجاوز التخصص الأكاديمى إلى رحابة العالم الفقيه الكاشف المصحح لأمور الدين والدنيا
فى دردشة سبقت هذا الحوار قلت فى معرض حديثك إن الشريعة الإسلامية مطبقة بينما هناك فصيل شغل ومازال يشغل الشارع المصرى بدعوى تطبيق الشريعة.. فماذا تقول فى هذا، وهل يقصدون الحدود مثلًا؟
ربما يقصدون الحدود وأنت فتحت مسألة بالغة الأهمية وتحتاج مناقشة أمرين
الأول: كيف يمكن تنزيل الأحكام الفقهية على الواقع، فالقرآن الكريم ينص وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة.. لكن كيف يصبح هذا النص الدينى الذى نؤمن به تشريعًا مطبقًا؟! وواقعًا حيًا؟! الإجابة: عن طريق أن تتوافر الشروط، وتنتفى الموانع، وتوجد الأسباب.. فى الصلاة مثلا هل تستطيع أن تصلى من غير وضوء؟! أو فى مكان نجس؟! أو قبل دخول الوقت؟! كل ما سبق من موانع ونواهى يمنع أداء الصلاة.. ولكن بالإضافة إلى ذلك لابد أن يتوافر الواقع الاجتماعى الذى يمثله عند علماء الأصوال الأحوال الوضعية، وهذا جانب لم يفطن إليه من يرفعون راية الشريعة دون أن يتصوروا أن الواقع الاجتماعى يحتاج إلى مراعاة عند تطبيق نص من النصوص سواء على فرد أو جماعة.
أما الأمر الثانى إنهم يتحدثون عن تطبيق الشريعة الإسلامية وكأننا فى مجتمع غير مسلم لا تطبق فيه الشريعة، على الرغم من أننا نتزوج ونطلق ونقيم الوصايا ونرث ونقيم الأوقاف، وهذه جوانب مهمة جدًا نقيمها على نصوص قانونية مستمدة من الشريعة ويطبقها القاضى فى كل القضايا المتعلقة بها.
يقولون إن التشريعات القانونية المصرية مستمدة من القانون الفرنسى وهو قانون مدنى؟
هذا ليس قانونًا مدنيًا، والذى حدث هو أن القانون تمت قسمته إلى : قانون مدنى وقانون الأحوال الشخصية فى عصر الاستعمار، وبمعرفته، أما ما قبل ذلك فكان قانون الأحوال وقانون الأموال كلاهما قانونًا واحدًا يسمى القانون المدنى أو قانون المعاملات الذى يحكم العلاقات المدنية بين الناس وليس العلاقات الجنائية بين الجانى والدولة، أو القوانين التى تحكم العلاقات بين الفرد والفرد وبالتالى لو نظرت إلى القانون المدنى المصرى فى الصياغة التى أوجدها العلاّمة عبد الرازق السنهورى نجد أن هناك نظريات كاملة ليس لها مثيل فى الفقه الغربى سواء الفرنسى أو الإنجليزى.
وبالتالى المسألة تحتاج إلى ضبط، ولا ينبغى أن نجعل تطبيق الشريعة الإسلامية شعارًا سياسيًا ولكن إلتزام بما جاء فى الإسلام وهذا هو المطلوب ويستوى فى ذلك أحكام الشعائر كما تستوى أحكام المعاملات ونطبق ما هو على الفرد وما هو على الجماعة.
أما الحدود مسألة الحدود فهى آخر المسائل التى ينبغى أن نتكلم فيها لأن تطبيقها على المجتمع يحتاج إلى تهيئة مجتمعية، وهذه التهيئة تحتاج إلى ظروف اقتصادية وظروف اجتماعية وهو ما تعارف عليه بنظرية الحكم الوضعى وتنتمى هذه النظرية إلى علم الأصول، وتشمل الحكم التكليفى، الذى يشتمل بدوره على ما هو واجب أو مندوب، أومكروه، أو مباح وفى نظرية الحكم الوضعى أيضًا السبب والشرط والمانع وأعطك مثالًا على ما أقول: إذا توفى والد أحد الأشخاص أليس الابن وارثًا؟! بحكم النص نعم الابن يرث أباه.. فما القول فى أنه توجد موانع تمنعه من الوراثة، مثل أن يكون هذا الابن قاتل لأبيه فهذه واقعة اجتماعية لابد أن نتحقق منها، وهذا معناه أن الواقع الاجتماعى يدخل فى تطبيق الحكم الشرعى.
وهل يساوى الواقع الاجتماعى فى هذا المثال ظروف المجتمع فى حالة تطبيق الحدود؟! وكيف تقيّم تجربة تطبيق الحدود فى السودان مثلًا؟!
هذا مثال آخر فتجربة السودان فى تطبيق الحدود لم تكن ناجحة لسبب بسيط هو أنها جاءت بتطبيق فورى للأحكام دون أن تصوغها فى تدرج يتلاءم مع حالة المجتمع الاقتصادية والثقافية والعلمية، وحالة القضاة، وهذه كلها مسائل ينبغى أن تراعى.. فقضية تطبيق الحدود لا يجب أن تكون قضية سياسية ولكنها ينبغى أن تكون قضية علمية إذا كنا نؤمن بالإسلام.
حد السرقة
ما الذى يجعلنا نطبق حد السرقة مثلًا ..أو ما هى الظروف التى يجب أن تتوافر لتطبيق هذا الحد ؟
أول هذه الظروف هى أن يوفر المجتمع لمن يعيش فيه حياة إنسانية كريمة.. لأن من سرق وكان جائعًا ولو فى حالة شُبهة لا تطبق عليه الحدود، التى تدرأ بالشبهات سواء ويطبق هذا على السرقة كما يطبق فى حالة القتل أو غيرهما وفى كل الأحوال نحن نؤمن بالحدود كخطاب موجود فى القرآن الكريم لا يمكن أن نتجاهله.
ولا ننكره؟
ولا ننكره لكن لابد أولًا أن تدرأ الشبهات التى تمنع تطبيق الحدود.
إشكالية أخرى عند البعض ومنهم متعلمون وهى أنهم تصوروا أن الحاكم هو القاضى المنوط به تنفيذ تطبيق الحدود باعتباره ولى الأمر؟
هناك فرق.. فى الماضى لم تكن هناك سلطة تشريعية، وكان القاضى يجتهد، فهو الذى يسن القوانين ويطبقها، الآن صارت هناك سلطة تشريعية تسن والقاضى يطبق القانون كما جاءه من هذه السلطة، ولها اجتهادها فى وضع النص المحكم المحقق للظروف وحاجات الناس والذى يستطيع المسلمون من خلاله أن يعيشوا فى مجتمع آمن مستقر بينما يجتهد القاضى فى تطبيق النص.
ثم أنه بعد أن حكمتنا شرائع مختلفة عبر قرنين من الزمان فأن تطبيق الشريعة لا يأتى بجرة قلم، أو قرار فوقى ولكن لابد من تغيير وتهيئة ثقافية وعلمية، فليس كل قاض مؤهلا لتطبيق الشريعة الإسلامية فورًا. والخلاصة أنه لا ينبغى أن يكون تطبيق الشريعة الإسلامية شعارًا ترفعه فئة أو حزب ولكن جزءا من حيوية الأمة التى تحفظ وترعى دينها وتطبيق الشريعة جزء من حفظ ورعاية هذا الدين.
الفتوى
أنت أستاذ تُدرِّس الشريعة الإسلامية.. فهل يحق لك الفتوى؟
الفتوى لأهل الاختصاص فى الإفتاء هذا ما أحبه، وليس مجرد أن تكون لديك معلومات إسلامية فتفتى فى الإسلام لأن الإفتاء هو أخبار بحكم الله فى المسألة وكلما اقتربنا من الفقيه المجتهد العالم كلما اقتربنا من الفتوى الصحيحة.
علوم الفتوى
وما هى العلوم المطلوبة أن تتوافر لدى من يتصدى للفتوى؟
دراسة الشريعة ومعرفة مقاصدها، وحفظ القرآن الكريم، والناسخ والمنسوخ، واجتهادات العلماء، وفى بعض الأحيان تختلف الآراء الموجودة فى الفقه الإسلامى حول مسألة واحدة، رأى الأحناف غير المالكية أو الحنابلة فبأى الآراء يفتى؟ هل يفتى بها كلها.. ليس هذه بفتوى..وليس شرطًا أن يختار أيسرها فقد يختار أشدها لأنه الأنسب، وإن كان التيسير وعدم الحرج مبدأ عاما من مبادئ الشريعة، فلابد لمن يفتى أن يكون محيطًا بكل هذا الإنتاج الفقهى، وقد تكون كل هذه الآراء التى قال بها الفقهاء القدامى غير صالحة لهذا الوقت، لذلك عليه أن يجتهد وينظر فى الظروف وفى أحوال المجتمع ويقرر حكمًا جديدًا.. وقس على ما سبق مسائل بنوك المال، أو بنوك الأجنة وإيجار الأرحام وكلها مسائل جديدة ولها اجتهادات جديدة، وفى المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية يمكن أن يفتى العلماء الكبار الذين عرفوا بالعلم من خلال ثقافاتهم الأزهرية أو مناصبهم الرسمية مثل مفتى الجمهورية وفضيلة الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، ومجمع الفقه الإسلامى فى جدة التابع لمنظمة التعاون الإسلامى وهذه المجامع تعرض عليها المسائل الفقهية الجديدة فالدين مثل الصحة يحتاج منا أن نلجأ إلى أهل الاختصاص ولا نعتبره مشاعا.
لكن الواقع الملتبس أنتج لنا غير ذلك فرأينا من يتصدى للفتوى دون علم وقد تصور أنه مجدد فى الدين أو مصلح أتى بما لم يأت به الأوائل.
وسائل الإعلام الحديثة أتاحت لبعض المثقفين ومنهم أصحاب قراءات محدودة فى الشريعة الإسلامية أن ينتشرونا جماهيريًا وهؤلاء ما نطلق عليهم فقهاء الفضائيات وبعضهم قد تكون دراسته لا صلة لها بالدراسات الإسلامية - كأن يكون طبيبًا أو مهندسًا - ثم يتحدثون فى الإسلام، وهؤلاء إذا أرادوا يمكن أن يتحدثوا لأنفسهم عن الإسلام وليس للناس لأنهم لا مجددين ولا بعلماء ولا يزيدون عن قارئين جيدين وربما غير جيدين لبعض المراجع الإسلامية، أما العلماء فينبغى أن يكون واضحًا أنهم يجلسون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فى إفتاء المسلمين فى أمور دينهم ويكونون قد استووا دراسيًا على عين من المناهج العلمية الإسلامية التى يمثلها الأزهر الشريف ودار العلوم وباقى الجامعات الإسلامية المختلفة.
وبعض ممن أقصدهم حاولوا أن يضفوا مسحة من الأيديولوجيات على الإسلام فصرنا نسمع عن الإسلام الاشتراكى أو الإسلام الليبرالى.. ومنهم من قال إن المسلم يمكن أن يدخن فى نهار رمضان ولا يفطر بشرط ألا يسحب الدخان إلى صدره وعد بعض التجاوزات السلوكية العاطفية بين الرجل والمرأة من اللمم لا يحاسب عليها مرتكبها.. هل هذا تجديد فى الإسلام؟
د. محمد كمال الدين:
الجماعات التى تحول أفكارها من حقائق ثقافية وجدل فقهى وحوار فكرى إلى حوار بالبندقية والسلاح تبتعد تمامًا عن الإسلام
تطبيق الشريعة الإسلامية ليس شعارًا سياسيًا ولكن إلتزام بما جاء فى الإسلام
.. وتطبيق الحدود يحتاج إلى تهيئة مجتمعية، عملًا بنظرية الحكم الوضعى
أصحاب الفتاوى المثيرة والذين يأدلجون الدين كلامهم فارغ
مثل هؤلاء لا يقدمون علما ولا ينظرون للإسلام نفسه ولكنهم يقدمون افتراضات يريدون أن يكون الإسلام عليها.. ولا يوجد لديهم علم بالمصادر الأساسية فى الإسلام ولم يقرأوا كتابًا فقهيًا من أوله لآخره، ولا تفسيرًا كاملًا، ولم يستطيعوا أن يدخلوا إلى عالم الفقه الإسلامى برحابة مذاهبه المختلفة بل على العكس قالوا نحن نسقط الفقه الإسلامى وننظر إلى القرآن مرة أخرى فنحن رجال وهم رجال - كما قال بعضهم - يقصدون الفقهاء الأوائل، ولكى يقترب واحدا من علمهم عليه أولًا أن يدخل المدرسة الفقهية فى الإسلام، ويتعلم علم الكلام، وعلم النحو وهذه بعض العلوم الأساسية التى تكون العالم والفقيه فإذا ما تم إسقاطها فأنت تنزل على الإسلام بالباراشوت ولا تنزعج حينئذ إذا قلنا إن ما تقوله كلام فارغ، وحين نقولها فنحن لا نصفك بأنك رجل فارغ، ولكن كلامك فارغ بمنطق العلم لأنه لا يرجع لا إلى أسس علمية ولا اطلاع ولا ثقافة، وهذه أحكام منتزعة من مصادرها وليست عليها أدلة، فمن قال إن الله لا يحاسب على اللمم؟! والثواب والعقاب أمر يعرفه البشر على أنه قضية أخروية فنحن إذ نصلى يسقط عنا أداء الفرض لكن هل نستطيع أن نقرر أن صلاتنا قد قبلت؟! القبول من عند الله سبحانه وتعالى:(فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر)، وقد أتيا الاثنان نفس الفعل، وهكذا فى كل الأفعال لا ينبغى أن نراهن على الله سبحانه وتعال، وفى جميع الأديان ليس العقل وحده هو القادر على فهم الدين، العقل يتقبل لكنه ليس الأداة وحيدة.
وهل يمكن أن تتعارض الشريعة مع العقل؟
لا يمكن أن تتعارض.. والعقل يستطيع أن يتحرك فى كل شىء لكنه لا يتحرك فى الغيبيات.. وفى القرآن: إن الله يعلم ما فى الأرحام البعض قال: نحن نستطيع أن نعرف الآن نوع الجنين ذكرا أم أنثى.. ومن يقول هذا هل يستطيع أن يعرف أجله؟! أو متى يموت؟! أو مستقبله؟!
وكلمة (ما) فى اللغة هنا تعنى الاستغراق بمعنى كل ما يمكن أن يتخيله العقل، ولا يستطيع الإنسان أن يدركه بعقله، وإذا كنت مؤمنا هل يستطيع عقلك أن يصف لك كل ما فى الجنة؟! أو كل ما فى النار؟! لا يستطيع إلا إذا وجد نصا قرآنيا أو نقلا وإسنادا وحديثا، فهناك مساحة فوق إدراك العقل وخارج نطاق تفكيره.
الفريق الأخر
فريق التكفير
فى مقابل من أوجدوا هذه السيولة فى فهم الدين هناك هذا الفريق الآخر المضاد الذى استغرق فى الخطاب الماضوى التكفيرى وتوقف عند السلف واجتهاد الرعيل الأول فى الإسلام وقدسوا أصحابه فانتجوا لنا ما نراه الآن على الساحة..فكيف ترى ذلك؟
هذا لون من الخلط والضبابية فى الفهم، لسبب بسيط جدًا وهو أن الإسلام دين يستوعب الزمان والمكان ولم يجئ لإنسان العصر الذى نزل فيه فقط ولكن جاء لكل العصور، فالتجربة الإنسانية بحركتها العقلية والعلمية وحركتها فى الإنتاج لها تأثير كبير فى كيفية وضع الأحكام وتطبيقها وكيفية النظر إليها، حتى فى تجربة عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو النبى المعصوم، فرق الفقهاء بين ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره بشرا وما صدر عنه باعتباره حاكمًا أو قاضيًا وما صدر عنه مٌبلغا عن الله وهو يحمل كل سمات النص القرآنى، وبالتالى حتى فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم نحن نفرق بين هذه التصرفات وبين تصرفاته باعتباره نبيًا وهذه الفوارق مازالت موجودة إلى عصرنا الحديث، وفيما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره قاضيًا قد تلتبس علينا القضية الحديثة فنرى حكمًا جديدًا مخالفًا، فنحن مع اعترافنا بقيمة الصحابة والتابعين جميعًا فى عصرهم وإجلالنا لهم إلا إنهم كانوا يتحدثون فى عصر ويتعاملون مع نصوص يستنطبون منها أحكامًا متعلقة بعصرهم وهذه الأحكام قد لا يكون جزء منها صالحا للعصر الحاضر، وبالتالى يكون الوقوف عند فترة واحدة ووحيدة للاجتهاد ونعتبرها الفترة التى يجب أن نعود إليها والماضى الذى يجب أن نتوقف عنده، خطأ كبير، والنهضة تعنى المستقبل ولا تعنى الماضى، والرجوع إلى الماضى ليس إصلاحًا ولا نهضة إذا نظرنا إلى هذا الماضى باعتباره أخبارا وتفاصيل وأقوالا.
الخلافة
وهذا الفريق يرفع شعار إعادة إحياء دولة الخلافة الرشيدة.. فهل ما يفعلونه وينتهجونه يعكس ما يبشرون به؟!
هذا فرية على الإسلام وضيق أفق أيدلوجى لسبب بسيط جدًا وهو أن الإسلام فى قضية الحكم لم يضع شكلًا محددًا ولكن وضع شروطا وغايات محددة فهو يريد من المسلمين أن يحموا حرياتهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم، وأن تتحقق بينهم المساواة.
عقيدة وأموال ودين المسلمين فقط .. أم عقائد وأموال ودماء غير المسلمين أيضًا؟!
فى نظرية الحفظ التى تتحدث عنها، يستوى المسلمون وغير المسلمين فى الدولة التى يوجد بها المسلمين وغير المسلمين لا يمكن إلا أن تنظر لحفظ كل الدين الإلهى والنفس الإنسانية بغض النظر عن دينه والآية تقول : «لاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق» فنحن نحفظ ونحمى العقل الإنسانى ككل، لأنه مناط التكليف، والعرض الإنسانى ككل لأنه يمثل الكرامة الإنسانية، والمال ككل لأنه يمثل وسيلة الإنسان للعيش الشريف، وكل هذه المسائل لابد أن نتصور أن الإسلام مفتوح عليها وأن دولة لابد أن تحقق ذلك أما الشكل للحكم كأن يكون برلمانيًا أو رئاسيًا أو ملكيًا فليس لذلك قيمة إلا من خلال تحقيق الأهداف، والمصالح والوصول إلى الغايات فإذا ما فشلت الدولة فى ذلك فإطلاق المسمى الإسلامى عليها أكذوبة.. والذين يعلنون خلافة ويقتلون ويهجرّون غير المسلمين من أوطانهم ويذبحون هذا وذاك ويعيدون حكم الجزية ويعيدون عصر الإماء والجوارى فى حرب لا شرعية لها فى نصوص الإسلام، ولا فى قواعد القانون الدولى، هؤلاء يفترون على الإسلام ويصورون دينهم تصورًا وحشيًا وهمجيًا ويعرضونه لمقالات خاطئة تصدر، والإسلام أنقى وأصفى والمسلمون أتقى وأرحم من هؤلاء .
وهل تتفق مع من يقول إن هؤلاء هم جزء من مؤامرة الحرب على الإسلام؟
اتفق على أنهم حرب على الإسلام سواء أكانوا متصلين بقوة خارجية وهذا ما أرجحه أو كانوا غير ذلك وفى كلا الأمرين هم حرب على الإسلام.
مؤامرة
إذا كانت ثمة مؤامرة من الخارج فى الربيع العربى، مع ما نعرفه عن محاولات تفكيك الإسلام ومسيحية الشرق من خلال مساندة بعض الفلسفات الأرضية وما يطلق عليها أديان السلام العالمى فى بلادنا فهل تم استغلال الحدث الثورى لتمرير هذه المؤامرة ؟
هناك شقان فى السؤال: الأول هو هل كان الربيع العربى ضروريا ومهما وتعبيرا عن أهداف ثورية حقيقية؟! الإجابة نعم ووراءه ثوار حقيقيون ولا ينبغى أن نبخس هذه الثورات حقها لأنها كانت تعبيرا شعبيا حقيقيا لوقف الاستبداد والديكتاتورية والوصول إلى إصلاح شامل فى داخل البنى العربية لكن هذا لم يتم بعيدًا عن استغلال الغرب لأجنداته فى تفكيك الشرق وفى عدم إحداث نهضة لأنهم يعلمون أن قوة الشرق فى مسلمين ومسيحين سوف يقطع الطريق على مصالحهم فى هذا الشرق.
كان هناك ما يطلق عليه الغزو الناعم والحرب الثقافية وأقصد هنا الدين كمكون من مكونات هذه الثقافة وأسأل هل هذا المكون مستهدف؟
نعم الدين كان مستهدفا باعتباره منهج حياة وباعتباره ثقافة وحدة لأنه بالنسبة للمسلم دين ورسالة وعقيدة ولغير المسلم هو حضارة لغتها العربية عاش فيها غير المسلمين 14 قرنا، ومستهدف الآن تفكيك هذا البناء كله وتحويلنا إلى دول كانتونات ندخل فى حرب طائفية لإننا سوف نصير وحدات قائمة على الطائفية والاثنية فالوحدة غير قائمة فى المستقبل وهذا أسهل على الغرب من وحدة يصعب ضربها، والغرب لا يريد لنا استقلالا لا ثقافيًا ولا اقتصاديا فأى نهوض حقيقى يضره ولو كان فى هذا الغرب مفكرون أذكياء لرأوا أن نهضتنا على المستوى البعيد، سوف تحل كل مشاكل الصراع على نحو يحفظ الوجود الإنسانى.
الأمر الثانى المهم فى هذا أن فى ذهنهم إسرائيل ويهمهم أنه لا توجد قوة قادرة على لجم هذه الدول التى لاتزيد فقط ابتلاع فلسطين ولكن إذا وجدت فرصة للتمدد العربى ككل سوف تفعل ومازال شعارها من النيل إلى الفرات ومازال حلمًا وفى نقاشنا مع هذه الشخصيات كان هذا الحلم مازال قائمًا.
لكننا لا نستطيع أن نفكر أن أزماتنا نحن هى التى تتيح لمؤامراته أن تعمل وتحقق ثمارها فى بلادنا.. فهل تتصور هذه الأزمات فى بعدها الذى يتعلق بالعقيدة وممارستها... أزمة دين أم أزمة تدين؟! بمعنى هل فهمنا للدين هو الخطأ أم أننا نمارس الدين خطأ؟
أريد ان أقول لك السؤال الذى دائمًا يطرحه علينا هؤلاء الذين لا يرون للدين مكانًا فى المجتمع هؤلاء دائمًا يقولون إن الدين عنصر جمود وأنه يمنع العقل من الحركة وأنه يمنع التطور هذا ما يقولونه وقولهم هذا يناقض التاريخ لأن ما حدث فى فترة تاريخية من نهضة يمكن أن يتكرر فى فترة تاريخية أخرى.
وعندما كانت أوروبا تعيش فى عصر الظلمات كان العالم الإسلامى بقيادة الإسلام كدين وعقيدة وحضارة هو منطقة الإشعاع الوحيدة فى العالم، إذن فالدين ليس عائقًا ولكن الفهم الخاطئ للدين هو هذا العائق، والعداء السافر للدين كلاهما يمثل عائقًا فى الإصلاح فربط الدين بالجمود وعدم القدرة على التطور وربطه بالتخلف هو عين التخلف عند من يرى ذلك، لقد تحققت نهضة الإسلام فى ظل الفهم الصحيح للدين وكان المسلمون فى القرن الرابع الهجرى هم مصدر الإشعاع الحضارى على العالم كله، فالتطرف والجمود والرؤية بعين واحدة وتصور امتلاك الحقيقة من جانب واحد أو فريق من الناس، أو نسبة التخلف إلى الدين وليس التدين هذه هو المشكلة.
هل يمكن فى الإسلام أن تنسب جماعة نفسها لصحيح الدين وسُنّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتسمى نفسها مثلًا السلفيين أو الإخوان وتتمثل فى إنها الوارثة لسُنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسلمين أو الشيعة والسُنّة وما إلى ذلك؟
هذه اصطلاحات لا تعبر عن الإسلام باعتبار أنها تمثل الإسلام وحدها وكل جماعة من هذه الجماعات فيها الصواب وفيها الخطأ وعندما تحول أفكارها من حقائق ثقافية ومن جدل فقهى ومن حوار فكرى إلى حوار بالبندقية والسلاح تبتعد تمامًا عن الإسلام!!
بمعنى أنها تخرج من رحابته.
تبتعد بقدر إيغالها فى الدم وإيذاء الناس، والحكم بالخروج من الإسلام حكم صعب.
لم أقل خروجًا ولكن قصدت رحابة الإسلام أى خيمته الكبيرة؟
وأنا أقصد الخروج على قيم الإسلام وآداب الإسلام وأحكامه، وهذا بالتأكيد ليس تحقيقًا للنموذج الذى فرضه علينا الإسلام ويتعلق بالأخلاق والسماحة والبحث عن الحرية ومراعاة الجار وحماية المقاصد الإنسانية الخمسة وكل المعانى النبيلة التى لا يمكن أن يتقدم مجتمع إنسانى صحيح بدونها .
وهناك فى العالم مجتمعات مأزومة شرقًا وغربًا لكنها تبحث وتجد حلولا لأزماتها، أما فى العالمين العربى والإسلامى فنجد مجتمعا مأزوما لا يكاد يصل إلى حلول لذلك نتمنى أن نجد ضوءا فى نهاية النفق، والدين يدعونا ألا نيأس لكن ما نجده على الساحة العربية فى سوريا وليبيا واليمن والعراق تحت شعار الإسلام لا يعنى إلا أنها ألقاب مملكة فى غير موضعها وشعارات باطلة وزائفة لأنها تعبير عن مصالح وليست حقائق، وتعبير عن منتفعين وسعى إلى السلطة، والذى لا يسعى إلى السلطة لا يمكن أن يكون فى دائرة التفكير الإسلامى الصحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا فى الأصل إلى عدم التشوف إلى السلطة والسعى للحصول عليها باعتبارها الغاية وهى مجرد وسيلة لأداء الواجب وحمل المسئولية وهى كبيرة لو يعلمون، لذا فأن طالب الولاية لا يولى لأنه يقصد الولاية فى ذاتها وليس الإصلاح، لكن نحن نريد أن نختار من يقوم على مصلحتنا ونختار الأكفأ والأجدر.
المرجعية
هذا ينقلنا إلى مسألة المرجعية.. ما هو مفهوم المرجعية الصحيح؟ وما هى المرجعيات التى كان يعود إليها المسلم فى عصور الإسلام الأولى وما هى المرجعية التى ينبغى أن يعود إليها الآن؟
هناك مرجعية المصادر، وهناك مرجعية المؤسسات، مرجعية المصادر هى القرآن والسُنّة يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما أن تمسكتم به لا تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى».. وفى النص القرآنى: وأطيعو الله وأطيعوا الرسول.. طاعة الله فيما أنزل من كتاب وطاعة الرسول فيما صدر عنه من حديث، هذان المصدران الأولان والأساسيان اللذان نستمد منهما أحكام الشريعة الإسلامية.
الخطاب الدينى
جزء آخر من أزمتنا يتعلق بالخطاب الدينى.. وقبل أن نتطرق للسؤال هل تعرف لنا تعريفًا مختصرًا وجامعًا للخطاب الدينى؟
الخطاب الدينى والمادة الدينية التى تبدأ من وسائل الإعلام مقروءة أو مسموعة أو مرئية ووسائل الإعلام كثيرة منها المباشرة مثل خطبة الجمعة والعيدين والموعظة فى الكنيسة ومنها الجماهيرية الممثل فى وسائل الإعلام ولدينا أيضًا وسائل الإعلام الحديثة مثل الإنترنت، والخطاب الدينى يتضمن أمرين وسائل وخطابا ومع هذه الوسائل الكثيرة والجديدة نحن نحتاج إلى خطاب جديد وهو جديد ليس بمعنى أنه منسلخ عن ثقافة أمته أو ماضيه الفكرى والثقافى والهوية ولكن خطابا يعبر عن المصالح الآنية للأمة والمجتمع.. ما هى المشكلات الحقيقية الموجودة فى المجتمع؟ لنقل المشكلة الاقتصادية فيكون على الخطاب الدينى أن يدعو إلى العمل والتماسك والبذل والعطاء مثل الدعوة التى ندعو إليها الآن من أجل مصر، كل هذا يمثل خطابا دينى جديدا لأنه يمس الواقع الاجتماعى المتجدد فى مشاكله فيقدم له جرعة أمل جديدة.
وفى مقابل الخطاب المتشدد التفكيرى ماذا نفعل؟!
علينا أن نقلص من المستمع لهذا الخطاب، وعندما يكون هناك إعلام مريض لابد أن تحمى نفسك بالوقاية بحائط الصد وهى هنا الثقافة الإسلامية الرشيدة المتمثلة فى قيم الإسلام الصحيحة التى يجب أن يتنبه لها رجال الإعلام، وعندما تريد أن تحصل على فريق دينى يجدد هذا الخطاب لابد أن تؤهله وتحصل على أحسن العناصر، والخطاب الدينى الحالى تنقصه الآليات وتنقصه أيضًا المضامين الجديدة وهى التى يحملها المتكلم أو الرسالة وهى موجودة فى القرآن والسُنّة.
ولمن نلجأ لإيجاد هذا النوع من الكوادر هل نلجأ للأزهر مثلًا؟
نعم على رأسها الأزهر ونطلب اختيارات لأنه ليس كل من على الساحة لديه هذا الخطاب، وعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وصرحاء ونختار أفضل العناصر.
هى يصح أن تضع الأوقاف يدها على كل المنابر وتقصر الخطابة على الخطباء التابعين لها أو بتصريح منها أم تترك مساحة للسلفيين وغيرهم؟
رأيى أن خطباء المساجد لابد أن يكون تابعين ولكن يتم اختيارهم من خلال علماء الأزهر.
هل يجرى لهم اختيار مثلا؟
يتم اختيارهم وإتقان هذا الاختيار ولا يوزعون على آخرين لأن هذا مهم ويحتاج الخطيب لعنصر الثقة من الجماهير، الذى يكتسبه من قدرته على الأداء فخطاب المسجد يتعامل مع الجماهير العريضة والبسيطة، لذلك يحتاج لعنصر الثقة.
ونحن نعانى الآن من حديث سلبى نشاهده ونسمعه ونقرؤه فى وسائل الإعلام الخاصة، لذلك لا ينبغى أن نتوسع فى منح التراخيص وفى فترات التحول لابد من الرقابة وهذه الرقابة ليست ضد الحرية لأن من أهداف الحرية أن تحصل على معرفة سليمة فإذا ما حصلنا على معرفة فاسدة لا تمنى الإنسان لا أكون قد حققت الحرية.
وهل أنت مع توحيد الخطبة؟
أنا ضد توحيد الخطبة لأن هذا لا يراعى الزمان والمكان والظروف، فمحافظة معينة مثلًا حدث فيها كارثة أو وباء أو مشكلة فى الزراعة أو غيرها فلا ينبغى أن يكون هناك خطاب موحد ولكن منهج موحد والفارق كبير بينهما.
والخلط بين الدين والسياسة الذى يمارسه بعض الخطباء؟
إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد.. فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها فى الغدو والآصال رجال لا تلهيهم رجال ولا بيع عن ذكر الله.. تكون إذن القضايا المتعلقة بالتنافس والتنازع والقتال والصراع لا تدخل المساجد، فالمسجد يجب أن يكون لمراقبة حركة المجتمع ويعطى الرؤية الإسلامية الصحيحة لحركته، محايدًا لا ينحاز إلا للإسلام نفسه وقيمه ومصادره وليس لفريق من المسلمين أو المواطنين أو حزب، وعندما تتحول المساجد من كونها دعوة عامة إلى دعوة خاصة نفتقد وتفتقر للمنهج الصحيح فى الخطاب الدينى.
بعض الخطب أو أكثرها يعتمد فيها الخطباء إما على قصص الوعظ المغرقة فى العاطفة أو الخطاب الذى لا يبشر إلا بالعذاب ولا تخرج الخطبة عن هذا تقريبًا؟
خطبة الجمعة ينبغى ألا تدخل فى هذه المجالات أو تخويف وترهيب الناس فالتشدد ليس مطلوبًا كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن الدين متين فأوغل فيه برفق فلن يشاد الدين أحدا إلا غلبه)، وعلى الخطيب أن يكون حريصًا على عدم الغلو أو التشدد لأنه حاجز بين الدين والناس، وخطيب المسجد الذى يلجأ إلى هذا اللون من الأحاديث لا يحظى ببراعة الاستهلال فى الوصول إلى عقل المتلقى وتفهيم الإسلام وتقديمه، بل العكس أنظر إلى ما يجده الناس فى نطاق الحلال وفى هذا الصدد الخطيب الجيد يلتقط نقطة أو لقطة من الواقع ثم ينطلق منها إلى خطاب الدين، الذى لابد أن تتوافر فيه الأساس الواقعى بحيث يحس المستقبل أنه فى واد والواعظ على المنبر يكون فى واد آخر.
?
? فى دردشة سبقت هذا الحوار قلت فى معرض حديثك إن الشريعة الإسلامية مطبقة بينما هناك فصيل شغل ومازال يشغل الشارع المصرى بدعوى تطبيق الشريعة.. فماذا تقول فى هذا، وهل يقصدون الحدود مثلًا؟
?? ربما يقصدون الحدود وأنت فتحت مسألة بالغة الأهمية وتحتاج مناقشة أمرين
الأول: كيف يمكن تنزيل الأحكام الفقهية على الواقع، فالقرآن الكريم ينص وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة.. لكن كيف يصبح هذا النص الدينى الذى نؤمن به تشريعًا مطبقًا؟! وواقعًا حيًا؟! الإجابة: عن طريق أن تتوافر الشروط، وتنتفى الموانع، وتوجد الأسباب.. فى الصلاة مثلا هل تستطيع أن تصلى من غير وضوء؟! أو فى مكان نجس؟! أو قبل دخول الوقت؟! كل ما سبق من موانع ونواهى يمنع أداء الصلاة.. ولكن بالإضافة إلى ذلك لابد أن يتوافر الواقع الاجتماعى الذى يمثله عند علماء الأصوال الأحوال الوضعية، وهذا جانب لم يفطن إليه من يرفعون راية الشريعة دون أن يتصوروا أن الواقع الاجتماعى يحتاج إلى مراعاة عند تطبيق نص من النصوص سواء على فرد أو جماعة.
أما الأمر الثانى إنهم يتحدثون عن تطبيق الشريعة الإسلامية وكأننا فى مجتمع غير مسلم لا تطبق فيه الشريعة، على الرغم من أننا نتزوج ونطلق ونقيم الوصايا ونرث ونقيم الأوقاف، وهذه جوانب مهمة جدًا نقيمها على نصوص قانونية مستمدة من الشريعة ويطبقها القاضى فى كل القضايا المتعلقة بها.
? يقولون إن التشريعات القانونية المصرية مستمدة من القانون الفرنسى وهو قانون مدنى؟
?? هذا ليس قانونًا مدنيًا، والذى حدث هو أن القانون تمت قسمته إلى : قانون مدنى وقانون الأحوال الشخصية فى عصر الاستعمار، وبمعرفته، أما ما قبل ذلك فكان قانون الأحوال وقانون الأموال كلاهما قانونًا واحدًا يسمى القانون المدنى أو قانون المعاملات الذى يحكم العلاقات المدنية بين الناس وليس العلاقات الجنائية بين الجانى والدولة، أو القوانين التى تحكم العلاقات بين الفرد والفرد وبالتالى لو نظرت إلى القانون المدنى المصرى فى الصياغة التى أوجدها العلاّمة عبد الرازق السنهورى نجد أن هناك نظريات كاملة ليس لها مثيل فى الفقه الغربى سواء الفرنسى أو الإنجليزى.
وبالتالى المسألة تحتاج إلى ضبط، ولا ينبغى أن نجعل تطبيق الشريعة الإسلامية شعارًا سياسيًا ولكن إلتزام بما جاء فى الإسلام وهذا هو المطلوب ويستوى فى ذلك أحكام الشعائر كما تستوى أحكام المعاملات ونطبق ما هو على الفرد وما هو على الجماعة.
أما الحدود مسألة الحدود فهى آخر المسائل التى ينبغى أن نتكلم فيها لأن تطبيقها على المجتمع يحتاج إلى تهيئة مجتمعية، وهذه التهيئة تحتاج إلى ظروف اقتصادية وظروف اجتماعية وهو ما تعارف عليه بنظرية الحكم الوضعى وتنتمى هذه النظرية إلى علم الأصول، وتشمل الحكم التكليفى، الذى يشتمل بدوره على ما هو واجب أو مندوب، أومكروه، أو مباح وفى نظرية الحكم الوضعى أيضًا السبب والشرط والمانع وأعطك مثالًا على ما أقول: إذا توفى والد أحد الأشخاص أليس الابن وارثًا؟! بحكم النص نعم الابن يرث أباه.. فما القول فى أنه توجد موانع تمنعه من الوراثة، مثل أن يكون هذا الابن قاتل لأبيه فهذه واقعة اجتماعية لابد أن نتحقق منها، وهذا معناه أن الواقع الاجتماعى يدخل فى تطبيق الحكم الشرعى.
? وهل يساوى الواقع الاجتماعى فى هذا المثال ظروف المجتمع فى حالة تطبيق الحدود؟! وكيف تقيّم تجربة تطبيق الحدود فى السودان مثلًا؟!
?? هذا مثال آخر فتجربة السودان فى تطبيق الحدود لم تكن ناجحة لسبب بسيط هو أنها جاءت بتطبيق فورى للأحكام دون أن تصوغها فى تدرج يتلاءم مع حالة المجتمع الاقتصادية والثقافية والعلمية، وحالة القضاة، وهذه كلها مسائل ينبغى أن تراعى.. فقضية تطبيق الحدود لا يجب أن تكون قضية سياسية ولكنها ينبغى أن تكون قضية علمية إذا كنا نؤمن بالإسلام.
حد السرقة
? ما الذى يجعلنا نطبق حد السرقة مثلًا ..أو ما هى الظروف التى يجب أن تتوافر لتطبيق هذا الحد ؟
?? أول هذه الظروف هى أن يوفر المجتمع لمن يعيش فيه حياة إنسانية كريمة.. لأن من سرق وكان جائعًا ولو فى حالة شُبهة لا تطبق عليه الحدود، التى تدرأ بالشبهات سواء ويطبق هذا على السرقة كما يطبق فى حالة القتل أو غيرهما وفى كل الأحوال نحن نؤمن بالحدود كخطاب موجود فى القرآن الكريم لا يمكن أن نتجاهله.
? ولا ننكره؟
?? ولا ننكره لكن لابد أولًا أن تدرأ الشبهات التى تمنع تطبيق الحدود.
? إشكالية أخرى عند البعض ومنهم متعلمون وهى أنهم تصوروا أن الحاكم هو القاضى المنوط به تنفيذ تطبيق الحدود باعتباره ولى الأمر؟
?? هناك فرق.. فى الماضى لم تكن هناك سلطة تشريعية، وكان القاضى يجتهد، فهو الذى يسن القوانين ويطبقها، الآن صارت هناك سلطة تشريعية تسن والقاضى يطبق القانون كما جاءه من هذه السلطة، ولها اجتهادها فى وضع النص المحكم المحقق للظروف وحاجات الناس والذى يستطيع المسلمون من خلاله أن يعيشوا فى مجتمع آمن مستقر بينما يجتهد القاضى فى تطبيق النص.
ثم أنه بعد أن حكمتنا شرائع مختلفة عبر قرنين من الزمان فأن تطبيق الشريعة لا يأتى بجرة قلم، أو قرار فوقى ولكن لابد من تغيير وتهيئة ثقافية وعلمية، فليس كل قاض مؤهلا لتطبيق الشريعة الإسلامية فورًا. والخلاصة أنه لا ينبغى أن يكون تطبيق الشريعة الإسلامية شعارًا ترفعه فئة أو حزب ولكن جزءا من حيوية الأمة التى تحفظ وترعى دينها وتطبيق الشريعة جزء من حفظ ورعاية هذا الدين.
الفتوى
? أنت أستاذ تُدرِّس الشريعة الإسلامية.. فهل يحق لك الفتوى؟
?? الفتوى لأهل الاختصاص فى الإفتاء هذا ما أحبه، وليس مجرد أن تكون لديك معلومات إسلامية فتفتى فى الإسلام لأن الإفتاء هو أخبار بحكم الله فى المسألة وكلما اقتربنا من الفقيه المجتهد العالم كلما اقتربنا من الفتوى الصحيحة.
علوم الفتوى
? وما هى العلوم المطلوبة أن تتوافر لدى من يتصدى للفتوى؟
?? دراسة الشريعة ومعرفة مقاصدها، وحفظ القرآن الكريم، والناسخ والمنسوخ، واجتهادات العلماء، وفى بعض الأحيان تختلف الآراء الموجودة فى الفقه الإسلامى حول مسألة واحدة، رأى الأحناف غير المالكية أو الحنابلة فبأى الآراء يفتى؟ هل يفتى بها كلها.. ليس هذه بفتوى..وليس شرطًا أن يختار أيسرها فقد يختار أشدها لأنه الأنسب، وإن كان التيسير وعدم الحرج مبدأ عاما من مبادئ الشريعة، فلابد لمن يفتى أن يكون محيطًا بكل هذا الإنتاج الفقهى، وقد تكون كل هذه الآراء التى قال بها الفقهاء القدامى غير صالحة لهذا الوقت، لذلك عليه أن يجتهد وينظر فى الظروف وفى أحوال المجتمع ويقرر حكمًا جديدًا.. وقس على ما سبق مسائل بنوك المال، أو بنوك الأجنة وإيجار الأرحام وكلها مسائل جديدة ولها اجتهادات جديدة، وفى المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية يمكن أن يفتى العلماء الكبار الذين عرفوا بالعلم من خلال ثقافاتهم الأزهرية أو مناصبهم الرسمية مثل مفتى الجمهورية وفضيلة الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، ومجمع الفقه الإسلامى فى جدة التابع لمنظمة التعاون الإسلامى وهذه المجامع تعرض عليها المسائل الفقهية الجديدة فالدين مثل الصحة يحتاج منا أن نلجأ إلى أهل الاختصاص ولا نعتبره مشاعا.
? لكن الواقع الملتبس أنتج لنا غير ذلك فرأينا من يتصدى للفتوى دون علم وقد تصور أنه مجدد فى الدين أو مصلح أتى بما لم يأت به الأوائل.
?? وسائل الإعلام الحديثة أتاحت لبعض المثقفين ومنهم أصحاب قراءات محدودة فى الشريعة الإسلامية أن ينتشرونا جماهيريًا وهؤلاء ما نطلق عليهم فقهاء الفضائيات وبعضهم قد تكون دراسته لا صلة لها بالدراسات الإسلامية - كأن يكون طبيبًا أو مهندسًا - ثم يتحدثون فى الإسلام، وهؤلاء إذا أرادوا يمكن أن يتحدثوا لأنفسهم عن الإسلام وليس للناس لأنهم لا مجددين ولا بعلماء ولا يزيدون عن قارئين جيدين وربما غير جيدين لبعض المراجع الإسلامية، أما العلماء فينبغى أن يكون واضحًا أنهم يجلسون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فى إفتاء المسلمين فى أمور دينهم ويكونون قد استووا دراسيًا على عين من المناهج العلمية الإسلامية التى يمثلها الأزهر الشريف ودار العلوم وباقى الجامعات الإسلامية المختلفة.
? وبعض ممن أقصدهم حاولوا أن يضفوا مسحة من الأيديولوجيات على الإسلام فصرنا نسمع عن الإسلام الاشتراكى أو الإسلام الليبرالى.. ومنهم من قال إن المسلم يمكن أن يدخن فى نهار رمضان ولا يفطر بشرط ألا يسحب الدخان إلى صدره وعد بعض التجاوزات السلوكية العاطفية بين الرجل والمرأة من اللمم لا يحاسب عليها مرتكبها.. هل هذا تجديد فى الإسلام؟
?? مثل هؤلاء لا يقدمون علما ولا ينظرون للإسلام نفسه ولكنهم يقدمون افتراضات يريدون أن يكون الإسلام عليها.. ولا يوجد لديهم علم بالمصادر الأساسية فى الإسلام ولم يقرأوا كتابًا فقهيًا من أوله لآخره، ولا تفسيرًا كاملًا، ولم يستطيعوا أن يدخلوا إلى عالم الفقه الإسلامى برحابة مذاهبه المختلفة بل على العكس قالوا نحن نسقط الفقه الإسلامى وننظر إلى القرآن مرة أخرى فنحن رجال وهم رجال - كما قال بعضهم - يقصدون الفقهاء الأوائل، ولكى يقترب واحدا من علمهم عليه أولًا أن يدخل المدرسة الفقهية فى الإسلام، ويتعلم علم الكلام، وعلم النحو وهذه بعض العلوم الأساسية التى تكون العالم والفقيه فإذا ما تم إسقاطها فأنت تنزل على الإسلام بالباراشوت ولا تنزعج حينئذ إذا قلنا إن ما تقوله كلام فارغ، وحين نقولها فنحن لا نصفك بأنك رجل فارغ، ولكن كلامك فارغ بمنطق العلم لأنه لا يرجع لا إلى أسس علمية ولا اطلاع ولا ثقافة، وهذه أحكام منتزعة من مصادرها وليست عليها أدلة، فمن قال إن الله لا يحاسب على اللمم؟! والثواب والعقاب أمر يعرفه البشر على أنه قضية أخروية فنحن إذ نصلى يسقط عنا أداء الفرض لكن هل نستطيع أن نقرر أن صلاتنا قد قبلت؟! القبول من عند الله سبحانه وتعالى:(فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر)، وقد أتيا الاثنان نفس الفعل، وهكذا فى كل الأفعال لا ينبغى أن نراهن على الله سبحانه وتعال، وفى جميع الأديان ليس العقل وحده هو القادر على فهم الدين، العقل يتقبل لكنه ليس الأداة وحيدة.
? وهل يمكن أن تتعارض الشريعة مع العقل؟
?? لا يمكن أن تتعارض.. والعقل يستطيع أن يتحرك فى كل شىء لكنه لا يتحرك فى الغيبيات.. وفى القرآن: إن الله يعلم ما فى الأرحام البعض قال: نحن نستطيع أن نعرف الآن نوع الجنين ذكرا أم أنثى.. ومن يقول هذا هل يستطيع أن يعرف أجله؟! أو متى يموت؟! أو مستقبله؟!
وكلمة (ما) فى اللغة هنا تعنى الاستغراق بمعنى كل ما يمكن أن يتخيله العقل، ولا يستطيع الإنسان أن يدركه بعقله، وإذا كنت مؤمنا هل يستطيع عقلك أن يصف لك كل ما فى الجنة؟! أو كل ما فى النار؟! لا يستطيع إلا إذا وجد نصا قرآنيا أو نقلا وإسنادا وحديثا، فهناك مساحة فوق إدراك العقل وخارج نطاق تفكيره.
الفريق الأخر
فريق التكفير
? فى مقابل من أوجدوا هذه السيولة فى فهم الدين هناك هذا الفريق الآخر المضاد الذى استغرق فى الخطاب الماضوى التكفيرى وتوقف عند السلف واجتهاد الرعيل الأول فى الإسلام وقدسوا أصحابه فانتجوا لنا ما نراه الآن على الساحة..فكيف ترى ذلك؟
?? هذا لون من الخلط والضبابية فى الفهم، لسبب بسيط جدًا وهو أن الإسلام دين يستوعب الزمان والمكان ولم يجئ لإنسان العصر الذى نزل فيه فقط ولكن جاء لكل العصور، فالتجربة الإنسانية بحركتها العقلية والعلمية وحركتها فى الإنتاج لها تأثير كبير فى كيفية وضع الأحكام وتطبيقها وكيفية النظر إليها، حتى فى تجربة عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو النبى المعصوم، فرق الفقهاء بين ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره بشرا وما صدر عنه باعتباره حاكمًا أو قاضيًا وما صدر عنه مٌبلغا عن الله وهو يحمل كل سمات النص القرآنى، وبالتالى حتى فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم نحن نفرق بين هذه التصرفات وبين تصرفاته باعتباره نبيًا وهذه الفوارق مازالت موجودة إلى عصرنا الحديث، وفيما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره قاضيًا قد تلتبس علينا القضية الحديثة فنرى حكمًا جديدًا مخالفًا، فنحن مع اعترافنا بقيمة الصحابة والتابعين جميعًا فى عصرهم وإجلالنا لهم إلا إنهم كانوا يتحدثون فى عصر ويتعاملون مع نصوص يستنطبون منها أحكامًا متعلقة بعصرهم وهذه الأحكام قد لا يكون جزء منها صالحا للعصر الحاضر، وبالتالى يكون الوقوف عند فترة واحدة ووحيدة للاجتهاد ونعتبرها الفترة التى يجب أن نعود إليها والماضى الذى يجب أن نتوقف عنده، خطأ كبير، والنهضة تعنى المستقبل ولا تعنى الماضى، والرجوع إلى الماضى ليس إصلاحًا ولا نهضة إذا نظرنا إلى هذا الماضى باعتباره أخبارا وتفاصيل وأقوالا.
الخلافة
? وهذا الفريق يرفع شعار إعادة إحياء دولة الخلافة الرشيدة.. فهل ما يفعلونه وينتهجونه يعكس ما يبشرون به؟!
?? هذا فرية على الإسلام وضيق أفق أيدلوجى لسبب بسيط جدًا وهو أن الإسلام فى قضية الحكم لم يضع شكلًا محددًا ولكن وضع شروطا وغايات محددة فهو يريد من المسلمين أن يحموا حرياتهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم، وأن تتحقق بينهم المساواة.
? عقيدة وأموال ودين المسلمين فقط .. أم عقائد وأموال ودماء غير المسلمين أيضًا؟!
?? فى نظرية الحفظ التى تتحدث عنها، يستوى المسلمون وغير المسلمين فى الدولة التى يوجد بها المسلمين وغير المسلمين لا يمكن إلا أن تنظر لحفظ كل الدين الإلهى والنفس الإنسانية بغض النظر عن دينه والآية تقول : «لاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق» فنحن نحفظ ونحمى العقل الإنسانى ككل، لأنه مناط التكليف، والعرض الإنسانى ككل لأنه يمثل الكرامة الإنسانية، والمال ككل لأنه يمثل وسيلة الإنسان للعيش الشريف، وكل هذه المسائل لابد أن نتصور أن الإسلام مفتوح عليها وأن دولة لابد أن تحقق ذلك أما الشكل للحكم كأن يكون برلمانيًا أو رئاسيًا أو ملكيًا فليس لذلك قيمة إلا من خلال تحقيق الأهداف، والمصالح والوصول إلى الغايات فإذا ما فشلت الدولة فى ذلك فإطلاق المسمى الإسلامى عليها أكذوبة.. والذين يعلنون خلافة ويقتلون ويهجرّون غير المسلمين من أوطانهم ويذبحون هذا وذاك ويعيدون حكم الجزية ويعيدون عصر الإماء والجوارى فى حرب لا شرعية لها فى نصوص الإسلام، ولا فى قواعد القانون الدولى، هؤلاء يفترون على الإسلام ويصورون دينهم تصورًا وحشيًا وهمجيًا ويعرضونه لمقالات خاطئة تصدر، والإسلام أنقى وأصفى والمسلمون أتقى وأرحم من هؤلاء .
? وهل تتفق مع من يقول إن هؤلاء هم جزء من مؤامرة الحرب على الإسلام؟
?? اتفق على أنهم حرب على الإسلام سواء أكانوا متصلين بقوة خارجية وهذا ما أرجحه أو كانوا غير ذلك وفى كلا الأمرين هم حرب على الإسلام.
مؤامرة
? إذا كانت ثمة مؤامرة من الخارج فى الربيع العربى، مع ما نعرفه عن محاولات تفكيك الإسلام ومسيحية الشرق من خلال مساندة بعض الفلسفات الأرضية وما يطلق عليها أديان السلام العالمى فى بلادنا فهل تم استغلال الحدث الثورى لتمرير هذه المؤامرة ؟
?? هناك شقان فى السؤال: الأول هو هل كان الربيع العربى ضروريا ومهما وتعبيرا عن أهداف ثورية حقيقية؟! الإجابة نعم ووراءه ثوار حقيقيون ولا ينبغى أن نبخس هذه الثورات حقها لأنها كانت تعبيرا شعبيا حقيقيا لوقف الاستبداد والديكتاتورية والوصول إلى إصلاح شامل فى داخل البنى العربية لكن هذا لم يتم بعيدًا عن استغلال الغرب لأجنداته فى تفكيك الشرق وفى عدم إحداث نهضة لأنهم يعلمون أن قوة الشرق فى مسلمين ومسيحين سوف يقطع الطريق على مصالحهم فى هذا الشرق.
? كان هناك ما يطلق عليه الغزو الناعم والحرب الثقافية وأقصد هنا الدين كمكون من مكونات هذه الثقافة وأسأل هل هذا المكون مستهدف؟
?? نعم الدين كان مستهدفا باعتباره منهج حياة وباعتباره ثقافة وحدة لأنه بالنسبة للمسلم دين ورسالة وعقيدة ولغير المسلم هو حضارة لغتها العربية عاش فيها غير المسلمين 14 قرنا، ومستهدف الآن تفكيك هذا البناء كله وتحويلنا إلى دول كانتونات ندخل فى حرب طائفية لإننا سوف نصير وحدات قائمة على الطائفية والاثنية فالوحدة غير قائمة فى المستقبل وهذا أسهل على الغرب من وحدة يصعب ضربها، والغرب لا يريد لنا استقلالا لا ثقافيًا ولا اقتصاديا فأى نهوض حقيقى يضره ولو كان فى هذا الغرب مفكرون أذكياء لرأوا أن نهضتنا على المستوى البعيد، سوف تحل كل مشاكل الصراع على نحو يحفظ الوجود الإنسانى.
الأمر الثانى المهم فى هذا أن فى ذهنهم إسرائيل ويهمهم أنه لا توجد قوة قادرة على لجم هذه الدول التى لاتزيد فقط ابتلاع فلسطين ولكن إذا وجدت فرصة للتمدد العربى ككل سوف تفعل ومازال شعارها من النيل إلى الفرات ومازال حلمًا وفى نقاشنا مع هذه الشخصيات كان هذا الحلم مازال قائمًا.
? لكننا لا نستطيع أن نفكر أن أزماتنا نحن هى التى تتيح لمؤامراته أن تعمل وتحقق ثمارها فى بلادنا.. فهل تتصور هذه الأزمات فى بعدها الذى يتعلق بالعقيدة وممارستها... أزمة دين أم أزمة تدين؟! بمعنى هل فهمنا للدين هو الخطأ أم أننا نمارس الدين خطأ؟
?? أريد ان أقول لك السؤال الذى دائمًا يطرحه علينا هؤلاء الذين لا يرون للدين مكانًا فى المجتمع هؤلاء دائمًا يقولون إن الدين عنصر جمود وأنه يمنع العقل من الحركة وأنه يمنع التطور هذا ما يقولونه وقولهم هذا يناقض التاريخ لأن ما حدث فى فترة تاريخية من نهضة يمكن أن يتكرر فى فترة تاريخية أخرى.
وعندما كانت أوروبا تعيش فى عصر الظلمات كان العالم الإسلامى بقيادة الإسلام كدين وعقيدة وحضارة هو منطقة الإشعاع الوحيدة فى العالم، إذن فالدين ليس عائقًا ولكن الفهم الخاطئ للدين هو هذا العائق، والعداء السافر للدين كلاهما يمثل عائقًا فى الإصلاح فربط الدين بالجمود وعدم القدرة على التطور وربطه بالتخلف هو عين التخلف عند من يرى ذلك، لقد تحققت نهضة الإسلام فى ظل الفهم الصحيح للدين وكان المسلمون فى القرن الرابع الهجرى هم مصدر الإشعاع الحضارى على العالم كله، فالتطرف والجمود والرؤية بعين واحدة وتصور امتلاك الحقيقة من جانب واحد أو فريق من الناس، أو نسبة التخلف إلى الدين وليس التدين هذه هو المشكلة.
? هل يمكن فى الإسلام أن تنسب جماعة نفسها لصحيح الدين وسُنّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتسمى نفسها مثلًا السلفيين أو الإخوان وتتمثل فى إنها الوارثة لسُنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسلمين أو الشيعة والسُنّة وما إلى ذلك؟
?? هذه اصطلاحات لا تعبر عن الإسلام باعتبار أنها تمثل الإسلام وحدها وكل جماعة من هذه الجماعات فيها الصواب وفيها الخطأ وعندما تحول أفكارها من حقائق ثقافية ومن جدل فقهى ومن حوار فكرى إلى حوار بالبندقية والسلاح تبتعد تمامًا عن الإسلام!!
? بمعنى أنها تخرج من رحابته.
?? تبتعد بقدر إيغالها فى الدم وإيذاء الناس، والحكم بالخروج من الإسلام حكم صعب.
? لم أقل خروجًا ولكن قصدت رحابة الإسلام أى خيمته الكبيرة؟
?? وأنا أقصد الخروج على قيم الإسلام وآداب الإسلام وأحكامه، وهذا بالتأكيد ليس تحقيقًا للنموذج الذى فرضه علينا الإسلام ويتعلق بالأخلاق والسماحة والبحث عن الحرية ومراعاة الجار وحماية المقاصد الإنسانية الخمسة وكل المعانى النبيلة التى لا يمكن أن يتقدم مجتمع إنسانى صحيح بدونها .
وهناك فى العالم مجتمعات مأزومة شرقًا وغربًا لكنها تبحث وتجد حلولا لأزماتها، أما فى العالمين العربى والإسلامى فنجد مجتمعا مأزوما لا يكاد يصل إلى حلول لذلك نتمنى أن نجد ضوءا فى نهاية النفق، والدين يدعونا ألا نيأس لكن ما نجده على الساحة العربية فى سوريا وليبيا واليمن والعراق تحت شعار الإسلام لا يعنى إلا أنها ألقاب مملكة فى غير موضعها وشعارات باطلة وزائفة لأنها تعبير عن مصالح وليست حقائق، وتعبير عن منتفعين وسعى إلى السلطة، والذى لا يسعى إلى السلطة لا يمكن أن يكون فى دائرة التفكير الإسلامى الصحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا فى الأصل إلى عدم التشوف إلى السلطة والسعى للحصول عليها باعتبارها الغاية وهى مجرد وسيلة لأداء الواجب وحمل المسئولية وهى كبيرة لو يعلمون، لذا فأن طالب الولاية لا يولى لأنه يقصد الولاية فى ذاتها وليس الإصلاح، لكن نحن نريد أن نختار من يقوم على مصلحتنا ونختار الأكفأ والأجدر.
المرجعية
? هذا ينقلنا إلى مسألة المرجعية.. ما هو مفهوم المرجعية الصحيح؟ وما هى المرجعيات التى كان يعود إليها المسلم فى عصور الإسلام الأولى وما هى المرجعية التى ينبغى أن يعود إليها الآن؟
?? هناك مرجعية المصادر، وهناك مرجعية المؤسسات، مرجعية المصادر هى القرآن والسُنّة يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما أن تمسكتم به لا تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى».. وفى النص القرآنى: وأطيعو الله وأطيعوا الرسول.. طاعة الله فيما أنزل من كتاب وطاعة الرسول فيما صدر عنه من حديث، هذان المصدران الأولان والأساسيان اللذان نستمد منهما أحكام الشريعة الإسلامية.
الخطاب الدينى
? جزء آخر من أزمتنا يتعلق بالخطاب الدينى.. وقبل أن نتطرق للسؤال هل تعرف لنا تعريفًا مختصرًا وجامعًا للخطاب الدينى؟
?? الخطاب الدينى والمادة الدينية التى تبدأ من وسائل الإعلام مقروءة أو مسموعة أو مرئية ووسائل الإعلام كثيرة منها المباشرة مثل خطبة الجمعة والعيدين والموعظة فى الكنيسة ومنها الجماهيرية الممثل فى وسائل الإعلام ولدينا أيضًا وسائل الإعلام الحديثة مثل الإنترنت، والخطاب الدينى يتضمن أمرين وسائل وخطابا ومع هذه الوسائل الكثيرة والجديدة نحن نحتاج إلى خطاب جديد وهو جديد ليس بمعنى أنه منسلخ عن ثقافة أمته أو ماضيه الفكرى والثقافى والهوية ولكن خطابا يعبر عن المصالح الآنية للأمة والمجتمع.. ما هى المشكلات الحقيقية الموجودة فى المجتمع؟ لنقل المشكلة الاقتصادية فيكون على الخطاب الدينى أن يدعو إلى العمل والتماسك والبذل والعطاء مثل الدعوة التى ندعو إليها الآن من أجل مصر، كل هذا يمثل خطابا دينى جديدا لأنه يمس الواقع الاجتماعى المتجدد فى مشاكله فيقدم له جرعة أمل جديدة.
? وفى مقابل الخطاب المتشدد التفكيرى ماذا نفعل؟!
?? علينا أن نقلص من المستمع لهذا الخطاب، وعندما يكون هناك إعلام مريض لابد أن تحمى نفسك بالوقاية بحائط الصد وهى هنا الثقافة الإسلامية الرشيدة المتمثلة فى قيم الإسلام الصحيحة التى يجب أن يتنبه لها رجال الإعلام، وعندما تريد أن تحصل على فريق دينى يجدد هذا الخطاب لابد أن تؤهله وتحصل على أحسن العناصر، والخطاب الدينى الحالى تنقصه الآليات وتنقصه أيضًا المضامين الجديدة وهى التى يحملها المتكلم أو الرسالة وهى موجودة فى القرآن والسُنّة.
? ولمن نلجأ لإيجاد هذا النوع من الكوادر هل نلجأ للأزهر مثلًا؟
?? نعم على رأسها الأزهر ونطلب اختيارات لأنه ليس كل من على الساحة لديه هذا الخطاب، وعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وصرحاء ونختار أفضل العناصر.
? هى يصح أن تضع الأوقاف يدها على كل المنابر وتقصر الخطابة على الخطباء التابعين لها أو بتصريح منها أم تترك مساحة للسلفيين وغيرهم؟
?? رأيى أن خطباء المساجد لابد أن يكون تابعين ولكن يتم اختيارهم من خلال علماء الأزهر.
? هل يجرى لهم اختيار مثلا؟
?? يتم اختيارهم وإتقان هذا الاختيار ولا يوزعون على آخرين لأن هذا مهم ويحتاج الخطيب لعنصر الثقة من الجماهير، الذى يكتسبه من قدرته على الأداء فخطاب المسجد يتعامل مع الجماهير العريضة والبسيطة، لذلك يحتاج لعنصر الثقة.
ونحن نعانى الآن من حديث سلبى نشاهده ونسمعه ونقرؤه فى وسائل الإعلام الخاصة، لذلك لا ينبغى أن نتوسع فى منح التراخيص وفى فترات التحول لابد من الرقابة وهذه الرقابة ليست ضد الحرية لأن من أهداف الحرية أن تحصل على معرفة سليمة فإذا ما حصلنا على معرفة فاسدة لا تمنى الإنسان لا أكون قد حققت الحرية.
? وهل أنت مع توحيد الخطبة؟
?? أنا ضد توحيد الخطبة لأن هذا لا يراعى الزمان والمكان والظروف، فمحافظة معينة مثلًا حدث فيها كارثة أو وباء أو مشكلة فى الزراعة أو غيرها فلا ينبغى أن يكون هناك خطاب موحد ولكن منهج موحد والفارق كبير بينهما.
? والخلط بين الدين والسياسة الذى يمارسه بعض الخطباء؟
إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد.. فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها فى الغدو والآصال رجال لا تلهيهم رجال ولا بيع عن ذكر الله.. تكون إذن القضايا المتعلقة بالتنافس والتنازع والقتال والصراع لا تدخل المساجد، فالمسجد يجب أن يكون لمراقبة حركة المجتمع ويعطى الرؤية الإسلامية الصحيحة لحركته، محايدًا لا ينحاز إلا للإسلام نفسه وقيمه ومصادره وليس لفريق من المسلمين أو المواطنين أو حزب، وعندما تتحول المساجد من كونها دعوة عامة إلى دعوة خاصة نفتقد وتفتقر للمنهج الصحيح فى الخطاب الدينى.
? بعض الخطب أو أكثرها يعتمد فيها الخطباء إما على قصص الوعظ المغرقة فى العاطفة أو الخطاب الذى لا يبشر إلا بالعذاب ولا تخرج الخطبة عن هذا تقريبًا؟
?? خطبة الجمعة ينبغى ألا تدخل فى هذه المجالات أو تخويف وترهيب الناس فالتشدد ليس مطلوبًا كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن الدين متين فأوغل فيه برفق فلن يشاد الدين أحدا إلا غلبه)، وعلى الخطيب أن يكون حريصًا على عدم الغلو أو التشدد لأنه حاجز بين الدين والناس، وخطيب المسجد الذى يلجأ إلى هذا اللون من الأحاديث لا يحظى ببراعة الاستهلال فى الوصول إلى عقل المتلقى وتفهيم الإسلام وتقديمه، بل العكس أنظر إلى ما يجده الناس فى نطاق الحلال وفى هذا الصدد الخطيب الجيد يلتقط نقطة أو لقطة من الواقع ثم ينطلق منها إلى خطاب الدين، الذى لابد أن تتوافر فيه الأساس الواقعى بحيث يحس المستقبل أنه فى واد والواعظ على المنبر يكون فى واد آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.