فى كتابات معاصرة كثيرة نجد مصطلح «السلفية يستخدم فى غير معناه الحقيقى والدقيق أو يقصد به أن يدل على غير ما له من مضمون».. بل أحيانا يقصد باستخدامه الاتهام بالرجعية والتخلف والجمود! والذين يسلكون هذا السبيل سواء على جهل أو سوء نية يتجاهلون أو يجهلون أن المعنى الأصلى لمصطلح «السلفية» هو الدلالة على الفكر الذى كان عليه «السلف» سلف الأمة أى قدماء أئمتها وعلمائها فالسلف هو الماضى. (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) المائدة:95، (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) 22، ثم أطلق مصطلح «السلف» على القرون الماضية، وخاصة على أصحاب الفكر والمذاهب والآراء والمسائل والنظريات. لكن السؤال أى «السلف» من أعلام الماضى وعلمائه أولئك الذين نصبح «سلفيين» إذا نحن نهجنا نهجهم وعدنا للتتلميذ على ما خلفوا لنا من آراء؟! هل هم «سلف» العصر المملوكى والعثمانى مثلا الذى تميز فكره بالركاكة والجمود والتقليد وضمور التجديد والإبداع؟ تلك إذن سلفية ولكنها متميزة عن سلفية العصر الذى تألقت فيه حضارتنا العربية والإسلامية وامتازت بالإبداع والاجتهاد والتجديد والازدهار عصر الصحابة والتابعين والأئمة والمؤسسين لعلوم حضارتنا وفنونها وآدابها فى مختلف الميادين فهذه السلفية متميزة بالتأكيد عن سلفية عصر المماليك والعثمانيين الذى تراجعت فيه حضارتنا عندما أصابها الجمود والتقليد. ثم إن فكر هذه الأمة فى أى عصر من عصورها مزدهرًا كان ذلك العصر أم خاملا هو حصيلة تيارات ومذاهب مختلفة بينها الكثير من التمايز بل التناقص والاختلاف والخلاف فحتى فى عصر نهضتنا الأولى كان هناك الذين يقفون عند ظواهر النصوص ويرفضون التأويل أو يقتصدون فيه اقتصادًا شديدا، ومن ثم لا يعتمدون كثيرًا على العقل فى فقه النصوص والمأثورات.. وكان هناك العقلانيون الذين جمعوا الأداة العقل والنقل مثل المعتزلة الذين قالوا إن الأدلة أربعة وليست ثلاثة العقل،والكتاب،والسنة والإجماع فجعلوا العقل واحدًا منها بل حكمًا تعرض عليه المأثورات وقدصوه تقديم ترتيب لا تقديم تشريف لأنه الأداة لفقه الكتاب والسنة ولإدراك حجية الإجماع فهم معدودون بين «السلف» مع النصوصيين وكان هناك من السلف الذين وقفوا بين ؛بين النصوصيين وبين العقلانيين!. وقضية أخرى فى أى ميدان تكون «السلفية»؟.. إن منا من يريدون لعودة إلى فكر السلف وتطبيقاتهم فى أمور الدنيا وتنظيم المجتمعات ومنا من يقول باستحالة ذلك لتغير هذه الأمور والتطبيقات بحكم حتمية التطور والتغير فى المجتمعات لكنهم يرون «السلفية» فى أمور الدين وأصوله وقواعده لأنها ثوابت خالدة، لا تخضع للتطور فى الزمان ولا فى المكان ولأن العودة إلى أصولها الأولى تعنى رفض «البدع» والزوار والشعوذات والخرافات، وهنا تكون «السلفية» موقفا مستنيرا ومستقبليا فهى تعود فى «الثوابت» إلى الجوهر والأصل كى تنفض عنه غبار البدع والخرافات وهذا النوع من السلفية هو الذى نسميه «التجديد» فى الدين، فكل حركات التجديد الدينى وجميع دعواته كانت «سلفية» لأنها فى إطار ما لا يقبل التطور ولا التغير فالعودة للأصل هنا تعنى الكشف عن الطاقات الكامنة فى الأصول كى تفعل فعلها فى التقدم وهنا تكون «السلفية» تقدمية ومستقبلية بكل ما فى هذه المصطلحات من معان ومضامين!. فإذا كانت «السلفية» هى العودة لفكر «السلف». فقبل أن نصنف مفكرًا أو تيارًا فكريا مع «السلفيين» أو ضدهم، وقبل أن نقر هذا الفكر «لسلفيته» بالسلب أو بالإيجاب علينا أن نتبين أى «سلف» يعود إليه هذا المفكر.. هل هو السلف الصالح؟ أم غير الصالح؟. وأن نتبين معنى الصلاح هنا؟. ومن وجهة نظر من؟ وهل هذه «السلفية» فيما يتعلق بالثوابت الدينية، فتكون تجديدًا تقدمًا؟. أم فيما تستحيل فيه العودة إلى الوراء والماضى من أمور الدنيا والسياسة للأمة والتنظيم للمجتمعات؟ إن السلف هو الماضى.. وكل من له ماضى فهو سلفى.. لكن القضية: ما هو الماضى؟ وكيف نتعامل مع هذا الماضى؟ هل هو ماضى عصر الازدهار؟ أم عصر التراجع؟ وهل نستلهم هذا الماضى لنفقه واقعنا كى نتقدم؟ أم نحلم بالعودة إلى تجارب الماضين؟!