مدير تعليم دمياط يشهد ختام ورش عمل الأنشطة الطلابية    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    مدبولي يعلن عن مشروع استراتيجي مهم بالتعاون مع بيلاروسيا    رئيس وزراء بيلاروسيا: مصر شريك تاريخي وتلعب دورًا محوريًا في الشرق الأوسط    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    هل يواصل ميتروفيتش تفوقه أمام اتحاد جدة بكلاسيكو كأس الملك السعودي؟    مباراة ريال مدريد ضد بايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا.. الموعد والقنوات الناقلة    إحالة 4 متهمين في حريق استوديو الأهرام للمحاكمة الجنائية    ريم بسيوني ومصطفى سعيد يتسلمان جائزة الشيخ زايد للكتاب    قبل عرضه .. تعرف على قصة مسلسل «انترفيو» ل رنا رئيس    وزير الصحة يبحث مع وزيرة التعاون القطرية الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    رئيس وزراء بيلاروسيا: مستعدون لتعزيز التعاون الصناعي مع مصر    الاتحاد الأوروبي يخصص 15 مليون يورو لرعاية اللاجئين السوريين بالأردن    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    رئيس جامعة المنيا يفتتح فعاليات المنتدى الأول لتكنولوجيا السياحة والضيافة    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    دوري أبطال أوروبا، إنريكي يعلن قائمة باريس سان جيرمان لمباراة دورتموند    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    المقاولون: حال الكرة المصرية يزداد سوءا.. وسنتعرض للظلم أكثر في الدوري    لبيب: نحاول إصلاح ما أفسده الزمن في الزمالك.. وجوميز أعاد مدرسة الفن والهندسة    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    رئيس "كوب 28" يدعو إلى تفعيل الصندوق العالمي المختص بالمناخ    محافظ بنى سويف: توطين الصناعة المحلية يقلل الفجوة الاستيرادية    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    بالصور- هنا الزاهد وشقيقتها في حفل حنة لينا الطهطاوي    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    تجارة القناة تكرم الطلاب المتفوقين من ذوي الهمم (صور)    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    وزير التنمية المحلية يُهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة دون إصابات في فيصل    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    إصابة 4 أشخاص بعملية طعن في لندن    "عايز تتشهر ويجيبوا سيرتك؟".. متحدث الزمالك يدافع عن شيكابالا بهذه الطريقة    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    رئيس اقتصادية قناة السويس يناقش مع «اليونيدو» برنامج المناطق الصناعية الصديقة للبيئة    «التنمية المحلية»: بدء تحديد المخالفات القريبة من المدن لتطبيق قانون التصالح    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتورة الفساد !
نشر في أكتوبر يوم 29 - 06 - 2014

تملكتنى حالة من الحيرة عندما أخبرنى صديقى بأن أحرص على أن يكون معى نحو 150 جنيها أو يزيد فئة ال10 جنيهات فى اليوم الذى أذهب فيه إلى وحدة المرور لتجديد رخصة السيارة، إلا أن هذه الحيرة تبددت شيئا فشيئا مع وصولى إلى وحدة المرور، وقيامى بإنهاء الإجراءات اللازمة للترخيص، فها هو الجندى البسيط "الغلبان"، صاحب اليد الممدودة لكل أصحاب السيارات، فبدون ال10 جنيهات أو الشاي، سوف تعجز عن استكمال طريق الترخيص، ثم بعده الصف طويل للغاية يحتاج فعلا إلى أكثر من 100 جنيه من فئة ال10 جنيهات حتى يكتمل المشوار.
وحتى لا يشعر أحد بالتحامل على وزارة الداخلية ممثلة فى وحدة المرور، يمكن القول بأن هذا الفساد مستشر فى كافة مؤسسات الدولة، فهذه ال"فكة" تحتاجها أيضا فى المحليات والمحاكم والمستشفيات العامة، وغيرها من المؤسسات، وهذا ما يطلق عليه البعض الفساد الصغير، أما الكبير من هذا الفساد فحدث عنه ولا حرج فى مناقصات الحكومة وتخصيص الأراضى وسابقا الخصخصة وغير ذلك من الممارسات الحكومية. هكذا، يتداخل الفساد الصغير والكبير فى شبكة عنكبوتية جهنمية، يترتب عليها فاتورة ضخمة من الخسائر الاقتصادية، التى تعجز الدولة – معها- عن المضى قدما فى تنفيذ برامج اصلاح اقتصادي، تستجيب لآمال وطموحات الجماهير العريضة .. "فاتورة الفساد" ميراث ثلاثة عقود من غياب الحكم الرشيد وتراجع هيبة القانون وسيادة نمط حكومة المحاسيب، لذلك فإن د. زكريا عزمي، أحد رموز النظام البائد، لم يكذب عندما قال: "إن الفساد وصل فى المحليات للركب" كان يقصد أن الفساد تملك من مفاصل الدولة، وأن المواجهة فى منتهى الصعوبة.
428 بلاغا
ففى "أرض الكنانة"، قدرت قيمة فاتورة الفساد، وفقا ل"المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات" فى تصريحات سابقة، بنحو 200 مليار جنيه سنويا، هى إجمالى قيمة مخالفات الوزارات والهيئات الحكومية عن العام المالى الماضى 2012/ 2013، وأن هذه المخالفات دفعت الجهاز إلى التقدم ب428 بلاغاً إلى النيابة العامة حول هذه المخالفات.
وتنوع هذا الفساد الحكومى بين مخالفات ملف الحزام الأخضر فى مدينة 6 أكتوبر، التى تقدر ب3 مليارات جنيه، و18مليار جنيه فى مشروع طرح النهر، و515 مليون جنيه رواتب مستشارين بالحكومة، إضافة إلى مخالفات فى وزارات الداخلية، والكهرباء، والإسكان، والعدل، ومنها إنفاق ملايين الجنيهات فى الصناديق الخاصة، التى رُصدت فى البلاغات.
ووفقا ل"جنينة"، يتمثل دور الجهاز المركزى للمحاسبات فى رصد المخالفات، وليس تحصيلها، وأن آلية عمله مختلفة عن وزارة المالية، لأن الأخيرة تختص بالرقابة المسبقة على المؤسسات، بينما يختص الجهاز بالرقابة اللاحقة على المؤسسات بعد قيامها بصرف الميزانيات الخاصة بها.
وكذلك من صلاحيات الجهاز الاطلاع على كل الوثائق والمستندات الخاصة بمؤسسات الدولة المختلفة، والكشف عن كل مظاهر الفساد المالى والإدارى بها، بحيث يضع تصوراً للقصور فى الأداء من خلال تقارير ترصد حجم الظاهرة، وتداعياتها على المواطن، وكيفية معالجتها، على أن تُرفع هذه التقارير مباشرة لرئيس الوزراء.
بحسب تقارير جهاز المحاسبات، حيث تتهم جهات قضائية بارتكاب مخالفات قدرها 3 مليارات جنيه، فيما يسأل جهاز مباحث أمن الدولة "الأمن الوطني" عن ارتكب مخالفات قدرها 2.5 مليار جنيه.
وأمام هذا الكم الهائل من الفساد، التى شاركت فى صنعه جهات سيادية، تكررت مطالبات رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات لرئاسة الجمهورية، إبان تولى المستشار عدلى منصور المسئولية، بضرورة المضى قدما فى تشكيل لجنة تقصى حقائق فى هذه المخالفات، وأنه يواصل مساعيه للكشف عن كل صور الفساد، رغم تعرضه لمحاولات ترهيب عديدة وضغوط من مسئولين وجهات رسمية لمنع كشف المتورطين فى الفساد.
فالأمر، كما صرح جنينة، أصبح مأزوما للغاية، بعد أن أصبح معظم أفراد الشعب متعايشا مع الفساد، وينظر له على أنه أمر طبيعى لا يستحق التوقف أمامه، سواء المواطنين العاديين، أو كبار المسئولين الذين يستبيحون حرمة المال العام، وأن جهاز المحاسبات لا يستطيع القيام بدوره فى ظل انعدام مبدأ سيادة القانون، وتوافر الحكم الديمقراطى.
يجدر أن مصر احتلت المركز ال114 فى قائمة الدول ضمن مؤشر منظمة الشفافية العالمية لقياس الفساد فى 177 دولة فى آخر نسخة صادرة عن المنظمة فى ديسمبر 2013، وأن المنظمة أرجعت زيادة معدلات الفساد فى مصر إلى عدم تفعيل القانون، لأنه من يرتكب وقائع فساد متأكد من عدم تطبيق القانون عليه، علاوة على تدنى الأجور للموظفين والعمال بالقطاعين العام والخاص، وأن خسائر الدول تصل إلى 5% بسبب الفساد.
عورة الفساد
ف "السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى انتهجها الرئيس الاسبق مبارك وسلفه السادات، فى رأى د. عبدالخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، أدت إلى ادخال الفقراء إلى دائرة الفساد والإفساد على أوسع نطاق، وأنه على الرغم من أن الرشاوى والإكراميات والاختلاسات ظواهر كانت موجودة قبلهما وسوف تظل بعدهما بيد أن الجديد فى عهديهما هو تحول هذه الممارسات الفاسدة من كونها "عورة" يجرى إخفاؤها وعدم الافصاح عنها إلى أن أصبحت علانية الطابع، يطالب بها الجميع وكأنها حق من الحقوق المكتسبة.
ويبدو الفساد فى أشكال عدة، حيث بدا واضحا الشكل الإدارى منه فى العهد الناصرى بتعيين أعضاء مجلس قيادة الثورة فى كل الوزارات والمؤسسات المفصلية للدولة، والاقتصادى منه فى العهد الساداتى بعد قرارات الانفتاح الاقتصادي، وفى عهد الرئيس المخلوع مبارك ظهر الفساد السياسي، وهو أصعب أشكال الفساد، لأنه يرتبط بالفساد الإدارى والمالي، حين تشابك الإدارى منه.
وتمثل فساد الصغار فى العقود الثلاثة الأخيرة، كما قال د. فاروق، فى عدة أشكال، أهمها، تجارة السوق السوداء التعليمية أو الدروس الخصوصية، هذه الظاهرة التى استفحلت لتمثل أهم جوانب فساد النظام الاجتماعى والتعيلمي، بعد أن توقفت الاستثمارات الحكومية فى التعليم منذ 1967، حتى بلغت حجم هذه التجارة أكثر 25 مليار جنيه سنويا، فضلا عن الاقتصاد الخفى فى قطاع الأمن العدالة يقدر بنحو 4 مليارات جنيه سنويا، و250 مليونًا فى قطاع الصحة، و25 مليار جنيه فى المحليات، و10 مليارات جنيه فى تجارة تهريب البضائع، ونحو 2.5 مليار جنيه فى انشطة القمار والملاهي.
وتتراوح الأحجام الكلية، بحسب د. فاروق، لأموال وتدفقات الاقتصاد الخفى والأموال السوداء بين 57 و70 مليار جنيه سنويا خلال العقد الماضى وحده، وهو ما يعادل 17% إلى 20% من قيمة الناتج المحلى الإجمالى الرسمى خلال نفس الفترة، وبالتالي، فإننا نكون إزاء ما يقارب 500 مليار جنيه جرت من خلف الحسابات القومية ومصفوفة تدفقات الدخل القومى الرسمية خلال السنوات العشر الأخيرة وكلها أموال لا يتم سداد ضرائب عنها، علاوة على ما ألحقته من أضرار على نمط توزيع الدخول واستشراء ثقافة الفساد لدى قطاعات السكان فى البلاد وإنها بحق كارثة حقيقية بدون زيادة أو نقصان.
رشاوى الكبار
ويتمثل الفساد المالى والاقتصادي، فى رأى د. عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، فى الرشاوى التى كانت تدفع لكبار الساسة والمسئولين، والاهدار الذى تم فى الخصخصة، التى تمت خلال الفترة من بداية التسعينيات حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وكذلك الإهدار فى المال العام والتربح والاستيلاء على المال العام وجرائم تسهيل الاستيلاء للغير على المال العام.
وكذلك هناك عنصر مهم من عناصر الفساد والافساد الاقتصادى الا وهو صدور قرارات اقتصادية وقوانين اقتصادية من أكبر المجالس التشريعية، التى تخدم فئة معينة ضالة هى الفئة، التى كانت مسيطرة على مقاليد الحكم والحياه السياسية والاقتصادية فى ذلك الوقت.
وكلف الفساد، بحسب د. السيد، الاقتصاد المصرى خلال الثلاثة عقود الماضية ما لايقل عن 1.5 تريليون جنيه، وللاسف فإن هذه المبالغ قد تم تحويلها الى الخارج حتى إن خزانة الدولة لم تقم بالاستفادة من هذه الاموال بسبب تهريبها للخارج، ولذلك نجد أن فاتورة الفساد قد تسببت فى تجريف الخزانة المصرية، وفى القانون التجاري، فإن التعويض لأى شىء يتم احتسابه على اساس قيمة الخسائر المحققة بالاضافة إلى ما فاتنا من مكاسب.
وإنه فى حالة وجود هذه الأموال داخل البلاد، فإنه كان يمكن الاستفادة منها فى سداد كافة المديونيات، التى على مصر وبالتالى كانت ستعفى مصر من سداد ما يقارب ال"100 مليار جنيه" سنويا عبارة عن سداد فواتير القروض المستحقة على مصر داخليا وخارجيا، وايجاد مشروعات جديدة والعمل على خلق فرص عمل جديدة لا تقل عن مليون فرصة عمل سنويا.
وبالتالي، وفقا ل"مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية"، فإن عائد هذه الأموال كان سيتم ضخه داخل شرايين الاقتصاد القومي، ولا يتم تجريفه إلى الخارج أى أن هذه الأموال حتى فى حالة سرقتها بمعرفة الفاسدين لو كانت داخل مصر، وتم بها الاستفادة فى خلق وظائف جديدة كان هذا سيخفف عن عبء الاستيلاء على المال العام ومن فاتورة الفساد، إلا أنه يلاحظ بعد 30 يونيو 2013، تواجد إرادة سياسية وقومية لمكافحة الفساد الادارى ووجود هيئات مراقبة لمراقبة ومعاقبة الفاسدين، ولعل مشروع قانون عدم تعارض المصالح يؤكد ذلك.
وهذا القانون فى حد ذاته أمر طيب وجيد ومستحسن، لأنه يمنع تعارض المصالح ويمنح الفساد الادارى وزواج المال بالسلطة الذى كان موجودًا بشراهة فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ولكن الأهم من القانون هو تطبيق القانون ووجود آلية لتنفيذ القانون وعلى المسئولين الافصاح بكل وضوح وشفافية عن ممتلكاتهم وذمتهم المالية، وأن يتم تطبيق القانون.
خلل الأنظمة السياسية
وبحسب د. عادل عامر، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، يمكن القول بأن السبب الرئيسى لزيادة معدلات الفساد يتمثل فى خلل الأنظمة السياسية، إذ إن الحياة السياسية متمثلةً بالتعددية الحزبية، شبه معدومة، وإن وجدت فإنها تكون غير فعالة, وقد تزامن هذا الخلل بغياب مبدأ فصل السلطات الثلاث "التشريعية، القضائية، التنفيذية"، ولا يخفى على أحد ما لغياب هذا المفهوم من أثر كبير وواضح فى تغلغل وانتشار هذه الظاهرة المقيتة.
ويترتب على هذا الفساد آثار اقتصادية مدمرة، تتمثل فى الزيادة المباشرة فى التكاليف، فالمبالغ التى يدفعها رجل الأعمال إلى الموظف الحكومى الكبير مقابل الحصول على تسهيل معين، مثل الحصول على إذن باستيراد سلع معينة من الخارج أو الحصول على مناقصة أو عطاء معين لن يتحملها رجل الأعمال فى النهاية، ولكن فى الغالب يتم نقل عبئها إلى طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد القومى ككل أو كليهما معًا، حيث يقوم رجل الأعمال بكل بساطة برفع سعر السلعة التى استوردها من الخارج أو رفع تكلفة المناقصة أو العطاء؛ ليعوِّض ما دفعه من رشوة.
والخطير فى الفساد، وفقا ل"د. عامر"، إنه يغير المعايير، التى تحكم إبرام العقود، حيث إن التكلفة والجودة وموعد التسليم وأمثالها هى التى تحكم إبرام العقود فى الظروف العادية، ولكن فى ظل الفساد يصبح المكسب الشخصى لكبار المسئولين هو أهم العوامل فى إبرام العقود، ويقلل من أهمية المعايير الأخرى، وهذا يؤدى إلى اختيار موردين أو مقاولين أقل كفاءة وشراء سلع أقل جودة.
وأصبح أمر المواجهة أكثر صعوبة، فإنه بعدما كان الفساد، فى الماضي، يقتصر على إقليم كل دولة على حدة، ولا يؤثر فى الدول المجاورة، إلا أنه مع ثورة الاتصالات وقيام الاقتصاد الحر وذوبان الحدود بين الدول لم تعد كل دولة قائمة بذاتها منفصلة عن باقى الدول، بل أصبحت كل دولة تؤثر وتتأثر بما يحدث بباقى الدول، وساهم ذلك فى ظهور المنظومات العصابية الدولية والجرائم متعددة القوميات واتساع نطاق ارتكاب جرائم الفساد، فلم تعد تلك الجرائم قاصرة على حدود دولة بعينها، وإنما أصبح سهل الانتشار والتوسع من دولة إلى أخرى.
وبالتالي، قامت الثورات كرد فعل لهذا الفساد الذى اتسع فى رقعته وزاد فى شدته وتداعياته على المواطنين، وعلى الرغم من نجاح هذه الثورات فى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، إلا أنه تشكلت نخب فاسدة بديلة للنخب التى ثار عليها الناس، وبدأت تمارس هذه النخب نفس الممارسات الفاسدة، وأمام هذا التحدى لابد من التصدى لهذا الفساد بكل السبل المتاحة.
وتوقف الفساد، كما قال د. عامر، مرهون بالقدرة على استرجاع كل الثروات المودعة فى بنوك العالم، وحينها سيدرك كل من تسول له نفسه الفساد والإفساد والاستحواذ على مقدرات شعبه أنه لا فائدة من نهب أموال ومقدرات الشعب، مثلما فعل شعب الفلبين، الذى استعاد مليارات فيردناند ماركوس.
غياب الاستقرار
لكن د. هالة السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ترى أن هناك مجموعة من المشكلات تتزامن فى ظهورها بتواجد الفساد فى أى اقتصاد، وأول هذه المشكلات، عدم استقرار مناخ الاستثمار فضلا عن زيادة تكلفته بشكل يقلل من فرصة الحصول على المزيد من الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، ثم تأتى المشكلة الثانية، وتتمثل فى انخفاض جودة الخدمات العامة، لأنه ما دام هناك فساد فإن الترهل فى الجهاز الإدارى يكون سيد الموقف، ومن ثم فإن تراجع جودة الخدمات تكون النتيجة الحتمية.
وفى ظل وجود معدلات فساد مرتفعة يعانى الاقتصاد من زيادة العوائد الضريبية، وعدم الثقة فى منظومة القيم، وفقدان مفهوم القيمة تجاه العمل، والخطير فى الأمر أن الحديث عن الفساد لم يعد قاصرا على النخبة أو المثقفين، لكنه حديث رجل الشارع، الذى يدلل على شيوع الفساد فى المجتمع المصري.
ويقلل، كما ذكرت د. السعيد، تراجع معدلات الشفافية فى الاقتصاد من قدرته التنافسية فيما يتعلق بجذب الاستثمارات، وربما يفسر ذلك تراجع معدلات الاستثمار فى الاقتصاد المصري، فإن ترتيب مصر على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية فى العام 2011 هو 112 من بين 180 دولة، وأنه للأسف حصلت مصر على 2.9 درجة على هذا المؤشر فى العام 2011 مقابل 3.1 درجات، مما يعنى تراجع الشفافية فى مصر.
وفى ظل هذه الأوضاع، لابد من الإسراع فى دراسة تجارب البلدان المختلفة فى مكافحة الفساد وتحقيق أكبر قدر ممكن من الشفافية فى الاقتصاد وذلك للاستفادة من هذه التجارب لما يمكن أن يترتب على تحقيق معدلات أعلى من الشفافية من نتائج إيجابية للغاية، موضحة أن تجربة دولة سنغافورة جديرة بالدراسة، كون هذا البلد استطاع أن يتبوأ المرتبة الخامسة على مستوى العالم فى الشفافية العام الأخير، بعد أن كان فى مراتب متأخرة منذ سنوات قليلة.
وأخيرا، يؤثر انتشار الفساد فى المجتمع سلبا على العدالة فى التوزيع لصالح الفئات الأكثر قوة على حساب الفئات الفقيرة، لذلك فإن الإسراع فى إجراءات المواجهة ضرورة، ورغم وجود من العديد من الهيئات والجهات الرقابية فى مصر، إلا أنه لا يوجد تحديد واضح لاختصاصاتها، وبالتالى من الضرورى العمل على مراجعة القوانين واللوائح وتقوية الأدوار الرقابية وإعداد كوادر بشرية مؤهلة لمكافحة الفساد، وتفعيل مشاركة المجتمع المدنى وقطاع الأعمال فى نشر التوعية المجتمعية وتكوين رقابة شعبية قادرة على مواجهة الفساد.
مؤشر مجلس الوزراء
أما د. ماجد عثمان، مدير مركز بصيرة لدراسات الرأى العام، فيرى أن جهود مكافحة الفساد تبدأ من الاعتراف بوجوده، وقد تأكد ذلك بعد تدشين مركز المعلومات ودعم المعلومات بمجلس الوزراء مؤشر الفساد منذ العام 2007، الذى يعلن سنويا، ليكون بداية جهود مكافحة ومنع الفساد، إلا أن هذه الجهود تركز على الفساد الكبير، وأن هذا لا يكفى لأن الفساد الصغير أكثر ضررا بالمجتمع، لذلك لابد من المزيد من الجهود للقضاء على الفساد لضرره البالغ على مختلف قطاعات الدولة.
ويذهب مؤشر مجلس الوزراء إلى أن أكثر معدلات الفساد فى مصر تتركز فى وزارات التعليم والصحة والداخلية، وأن أهالى الحضر أكثر إدراك للفساد من أهالى الريف، وأن مواطنى محافظات الإسكندرية وأسيوط والسويس كانوا الأكثر تذمرا من انتشار الفساد، وأن إدراك الفساد بين الرجال أكثر من النساء لافتا إلى أن الحكومة قادرة على تغيير الشعور بوجود الفساد خلال شهور قليلة وذلك بالضرب بيد من حديد على كل من يمارس الفساد.
وظل الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة بعد الثورة كما هو، وفقا ل"د. عثمان"، لم تتغير معدلاته لذلك لابد أن تواصل الحكومة ومختلف الجهات الرقابية جهودها لمحاصرة منابع الفساد فضلا عن أنه من الضرورى الإسراع فى إصدار قانون لحرية تداول المعلومات لأن الفساد هو الوجه الثانى لغياب هذا التشريع الهام.
ويبدأ الفساد الإدارى فى مؤسسات الدولة يبدأ بالهدية، وطبعا يشاع عند الناس أن "النبى -صلى الله عليه وسلم- قد قبل الهدية"، ثم تحول الأمر ليكون الإكرامية، التى يحصل عليها الموظف الصغير فى مقابل العمولات، التى كان يحصل عليها كبار موظفى دولة مبارك مؤخرا حتى مستوى الوزراء، ثم تحولت هذه العمولات لتكون المشاركة، فكبار رجال النظام السابق كانوا يلهثون وراء كل رجل أعمال وطنى ينفذ مشروع كبير، ليكرهوه على أن يسمح لهم بمشاركتهم له فى المشروع. **** فى دراسة ل"مركز العقد الاجتماعى بمجلس الوزراء"..6 أسباب تقف وراء استشراء الفساد فى مؤسسات الدولة! حدد مركز العقد الاجتماعى التابع لمجلس الوزراء، فى دراسة مركز العقد الاجتماعى، التى صدرت بعنوان "دراسة تحليلة لأسباب الفساد فى مصر قبل ثورة 25 يناير .. نحو رؤية مستقبلية لمنع ومكافحة الظاهرة"، للباحث حسين محمود حسن، 6 عوامل تقف وراء استشراء الفساد، وهى:
أولا: عدم احترام سيادة القانون
تم إصدار قوانين تخدم صالح فئات معينة، وأن تنفيذ القانون والأحكام القضائية كان يحكمه النفوذ السياسي، والقدرة المالية للشخص، وأن السمة الغالبة لطول إجراءات المحاكمة أضعف من قوة الردع القانونية والقضائية تجاه المفسدين، وأدت ذلك إلى اهتزاز هيبة القانون فى أعين الناس، وأصبحوا لا يتوانون فى كسره، والتحايل عليه، لأنهم أصبحوا ينظرون إليه على أساس انه سيف مسلط على رقابهم قبل أن يكون وسيلة لحمايتهم، وأنه وسيلة لحماية أصحاب النفوذ.
ثانيا: وهن نظم الإدارة العامة
عدم تحديد المهام بدقة فى الجهات الحكومية وفر فرصة للتهرب من المسئولية، وتعقد الإجراءات دفع البعض للجوء إلى الرشوة لتسهيل أعمالهم، وأعطى لبعض الموظفين فرصة لابتزاز المواطنين،وضعف الرقابة الذاتية شجع الموظفين الفاسدين على المضى قدماً فى ارتكاب أفعال الفساد، وانخفاض الأجور برر للبعض الحصول على الرشاوى والتربح من وظائفهم.
ثالثا: الإدارة الخاطئة للمالية العامة
ترتب على صعوبة فهم الموازنة العامة ضعف الرقابة الشعبية على موارد المال العام وسبل إنفاقه، والصناديق الخاصة العديدة الموجودة خارج الموازنة العامة أدت إلى إضعاف الرقابة على أموالها وهى أموال عامة، كما أن الإنفاق الحكومى يشوبه الإسراف، أما نظام المزايدات والمناقصات العمومية، وإن كان منظمًا بشكل قانونى جيد، إلا أن الممارسة كشفت عن فساد كبير فيها، وقد عانت مصر من أساليب منح القروض فى البنوك العامة، التى كان يغلب عليها الطابع الشخصي، مما أدى إلى حصول كثير من المقربين من النظام السابق على قروض كبيرة بغير ضمانات والهروب بها خارج البلاد، كما أن تسييس إدارة شركات قطاع الأعمال العام ترتب عليه فساد كبير.
رابعا: القبول الاجتماعى للفساد الصغير
أصبح كثيرون ينظرون إلى هذا النمط من الفساد على أنه وسيلة مقبولة اجتماعيًا للحصول على الحقوق، واتخاذ الفساد مسميات أخرى مثل "الإكرامية، الشاي، والمواصلات" يرسخ الفساد فى الأجهزة الحكومية ويعرقل جهود مكافحته.
خامسا: وجود ثغرات فى تشريعات مكافحة الفساد
على الرغم من وجود ترسانة من القوانين (ما يزيد على 250000 تشريع)، إلا أن هناك العديد من الفجوات، التى لم تجعل الإطار التشريعى فاعلاً بالقدر الكافى فى مكافحة الفساد، أول هذه الفجوات هو عدم وجود حماية كافية للشهود والمبلغين فى قضايا الفساد، مما جعل الكثير من الناس يحجمون عن الإبلاغ أو الشهادة فى جرائم الفساد خوفا من إيذائهم، وعدم وجود تنظيم قانونى يسمح بالوصول إلى المعلومات أعطى الفرصة للمفسدين لإخفاء جرائمهم، وأضعف من الرقابة الرسمية والشعبية عليهم، وعدم وجود إطار قانونى شامل لمنع التضارب فى المصالح، فتح الباب لكثير من المسئولين لاستغلال مناصبهم للتربح وإعطاء ميزات غير مستحقة لشركاتهم ولذويهم على حساب الصالح العام.
سادسا: قصور دور مؤسسات مكافحة الفساد
على الرغم من أن مصر بها عدد كبير جداً من الجهات الرقابية، إلا أنها لم تؤدى الدور المنوط بها بفاعلية وذلك لعدة أسباب، أهمها، عدم وعى المواطنين بالجهات المعنية بمكافحة الفساد، وعدم استقلالية هذه الجهات وتبعيتها جميعاً للسلطة التنفيذية، وضعف سلطاتها القانونية أثر على استقلاليتها، وبالتبعية قيد قدرتها على التحقيق فى فساد المسئولين الكبار، وتداخل اختصاصات الجهات الرقابية وضعف التنسيق بينها جعل أكثر من جهاز رقابى يمارس نفس الرقابة على نفس النوع من النشاط فى نفس الوحدات الإدارية، وهو ما يمثل إهدار للوقت والمال، ويعيق الأجهزة الإدارية عن أدائها لدورها الأساسى.
فضلا عن عدم الكفاية المادية والبشرية لبعض الجهات الرقابية، حيث أن عدد الشكاوى، التى تقدم إلى هذه الجهات أكبر من قدراتها البشرية، وأن بعض العاملين فى الجهات الرقابية يقعون فى أخطاء إجرائية بسيطة فى مضمونها، ولكنها عظيمة فى أثرها، لأنها تمنح الكثيرين براءة لعيب فى الإجراءات وليس براءة موضوعية، وفى النهاية، فإن السرية المفروضة على تقارير الأجهزة الرقابية يحرم المجتمع المدنى من مصدر هام من مصادر المعلومات ويضعف الرقابة الشعبية، ويعطى انطباعًا بأن الحكومة تتستر على الفساد، وأنها غير جادة فى مواجهته، وهو ما يؤدى إلى مزيد من عدم الثقة بين المواطن والحكومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.