لو صحت المبالغ التى نشرت عما يتقاضاه الفنانون فى مسلسلات رمضان وضيوف برامج التسلية من مبالغ هائلة فهذه كارثة بكل المقاييس. فكيف لشعب يعانى كل تلك المشكلات من فقر ومستشفيات متردية ومواصلات متهالكة ومدارس تفتقر لأبسط الوسائل التعليمية- أن يرى ما يطلق عليه بورصة النجوم من أرقام خيالية لمسلسلات وبرامج أقل ما يقال عنها إنها تافهة وسطحية، وأرقام فلكية يتقاضاها نجوم قبلوا أن يقدموا هذا المستوى الهابط والمتدنى من الفن فى مقابل حفنة جنيهات؟! صحيح أننا جميعا فى حاجة أن يستعيد الفن المصرى مكانته وأن يكون نجومه فى مقدمة نجوم الوطن العربى.. بل والعالم، ولكن هذا لو كانت هناك أعمال تستحق أو مضمون هادف يرقى بالذوق العام لا أن ينحط به ويزيده إفسادا ويشوه صورة مجتمعنا! فى شهر رمضان من كل عام أصبحت الأعمال الدرامية تتسابق فى القبح والبشاعة التى يصورها لهم خيالهم المريض. فمهما بلغت السلبيات فى مجتمعنا لا تصل إلى هذا الانحطاط، وحين أشاهد تلك الأعمال أتساءل هل مجتمعنا بهذه الفظاعة؟ ولو كان هكذا لماذا يجسدون تلك الأمور؟ فتقريبا لا يخلو مسلسل من تناول المخدرات بكل التفاصيل من لف السجائر المحشوة أو استنشاق البودرة إلى شرب الخمر حتى أن مشهدا محشور حشرا قال مؤديه النجم المعروف إنه تناول زجاجة الخمر «بالفلة» من اشتياقه! ناهيك عن بيوت الدعارة والفتيات التى تبيع نفسها بسبب وبدون والملابس الخليعة كما لو كانت بلدنا كباريه كبير! كل ذلك لما؟ ما القيمة التى يريد إضافتها أصحاب تلك الأعمال المشبوهة؟ الحقيقة أنه ليس هناك أية قيمة.. بل على العكس هى تجارة رخيصة لا تفترق كثيرا عن تلك المحرمات التى يركزون عليها ويجعلونها محور أعمالهم، ولا يضعون فى اعتبارهم أن من يشاهدهم أسر مصرية وعربية تحاول التمسك بما بقى من قيم وأخلاق. بالطبع أنا لا أطالب أن يتحول العمل الفنى إلى وعظ وإرشاد وإلا لم يصبح فنا، ولا أدعو حتى أن يقدم قيما مباشرة، ولكنى أطالب أن يراعى هؤلاء القائمون على تلك الأعمال الفنية أنهم أمام مجتمع مثقل ومتعب يحتاج أن نأخذ به إلى ما هو أرقى، لا أن نجره جرا للحضيض ثم نكافئ من ساهموا فى نشر تلك السلبيات بملايين الجنيهات التى بالتأكيد لو وجهت لبناء هذا الوطن لكانت أكثر فائدة ونفعا! إذا كانت المرحلة المقبلة فى وطننا تحتاج جدية وشعور بالمسئولية، فبالتأكيد الفن له دور كبير فى هذه المرحلة، لكن ما نراه اليوم هو نوع من المخدرات التى تجذبنا وتعود بنا ولا ترقى لشىء. أما النجوم المشاركون فى تلك المهازل فأنا لا أبرئهم من هذه الجريمة فقد حدثونا كثيرا عن قيم الفن والإبداع لكنهم ساهموا أيضا فى تشويهنا من أجل حفنة جنيهات، وخسروا تاريخهم إن كان لهم تاريخ!