هو الأديب والشاعر عبد الله ابن المعتز ابن المتوكل ابن المعتصم ابن هارون الرشيد.. الخليفة العباسى المشهور، ولد فى بداية العصر العباسى الثانى عندما سيطر الأتراك على مقاليد الحكم بعد نكبة البرامكة، تعرض لعدة محن فى شبابه، بدأت بقتل جده المتوكل، ثم أبيه المعتز بالله، ثم نفيه وجدته وأبناء عمومته من بغداد عاصمة الخلافة إلى مكة بعد أن جردوا من أموالهم. وعندما تولى عمه المعتمد الخلافة أمر بعودته ومن معه إلى سامراء عاصمة الخلافة الجديدة، بعد أن استقرت الأوضاع على يد أخيه الموفق الذى كان من أحزم بنى العباسى وأنبغهم فى إدارة شئون السياسة والحرب، وهو الذى قضى على ثورة الزنج وثورة الصفاريين ضد حكم أخيه المعتمد. وطوال تلك الفترة كانت جدة شاعرنا هى المعنية بتربيته، فأحضرت له المعلمين فى الفقه والحديث والأدب، وانكب عبد الله على الدروس وكان ذكيا رقيق المشاعر، فانطلق الشعر على لسانه وهو فى التاسعة وهو ما لفت انتباه شاعر كبير مثل البحترى فيمدحه قائلا: أبا العباس برزت على قومك آدابا وأخلاقا وتبريزا فأما حلبة الشعر فتستولى على السبق بها فرضا وتمييزا ويتقرب شاعرنا من عمه المعتمد ويروى أشعاره، كما يمدح عمه الموفق لقضائه على ثورة الزنج.. بقوله: ولما طغى أمر الدعى رميته بعزم يرد السيف وهو كليل وأعلمته كيف التصافح بالقنا وكيف تروى البيض وهى محول أى كيف تروى السيوف وهى مجدبة من دماء الأعداء، ويتوفى عمه الموفق فيخلفه ابنه المعتضد وكان مهيبا شديد البأس مثل أبيه ويسلمه عمه المعتمد مقاليد الدولة، ثم يتوفى المعتمد فيصبح المعتضد هو الخليفة ويعود إلى بغداد، ويصبح شاعرنا من ندمائه وتقبل الدنيا عليه إلى حين! وقد اشتهر ابن المعتز بأنه كان أديبا وشاعرا وناقدا، واسع الثقافة بصير بصنعة الألحان، كما كان راويا وإخباريا ألّف العديد من الكتب منها: البديع، وأشعار الملوك، وطبقات الشعراء، والجوارح والصيد، ثم كتاب الجامع فى الغناء.. فضلا عن ديوان شعر فى فنون المدح والفخر والوصف والصيد والقليل من الهجاء. ومن أشعاره الجميلة: قالوا اعتللت، فسل عنى وعن خبرى ألم أبت باكيا، لا أطعم الغمضا قولوا لمكتوم: يا سمعى ويا بصرى علّمتُ جسمى من أجفانك المرضا وكان يكثر من استخدام الصور والتشبيهات فجاء شعره بديعا رائعا مثل قوله يغازل مليحة مكتملة بالسحر فى عينها حور: كم فيهم من مليح الوجه مكتمل بالسحر يطبق جفنيه على حور لاحظته بالهوى حتى استفاء له طوعا وأسلفنى الميعاد بالنظر وجاءنى فى قميص الليل مستترًا يستعجل الخطوة من خوف ومن حذر فقمت أفرش خدى فى الطريق له ذلا وأسحب أذيالى على الأثر ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا مثل القلامة قد قدت من الظفر وكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر وكما كان شاعرنا رقيقا بديعا فى غزله، كان أيضا بسيطا سلسا فى فخره بجده العباسى وأعمامه وآبائه فى شجاعتهم وبلاغتهم: إنا لننتاب العداة وإن نأوا ونهز أحشاء البلاد جميعا ونقول فوق أسرة ومنابر عجبا من القول المصيب بديعا قوم إذا غضبوا على أعدائهم جروا الحديد أزجة ودروعا وكأن أيدينا تنفر عنهم طيرا على الأبدان كن وقوعا وقد حزن شاعرنا كثيرا على وفاة ابن عمه وصديقه الخليفة المعتضد ورثاه بقصيدة تشعر وأنت تقرؤها وكأن قلبه ينفطر ودموعه تنهمر، حيث يخاطبه وهو فى قبره بمنطقة الطاهرية غرب بغداد بقوله: يا ساكن القبر فى غبراء مظلمة بالطاهرية مقصى الدار منفردا أين الجيوش التى كنت تسحبها أين الكنوز التى لم تحصها عددا أين السرير الذى كنت تملؤه مهابة، من رأته عينه ارتعدا أين الرماح التى غديتها مهجا مذمت ما وردت قلبا ولا كبدا وعلى الرغم من ذلك إلا أنه وقع فى الفخ ولم يستطع مقاومة بريق السلطة، وهو الأديب الشاعر.. فجر على نفسه البلاء، فقد توفى المعتضد وكان ابنه المكتفى غائبا، فقام مؤنس رئيس الحرس بجمع وجوه العباسيين لأخذ البيعة له، ثم أفرج عنهم ومنهم ابن المعتز، ثم يتوفى المكتفى بعدها بسنوات قليلة ويخلفه ابنه المقتدر وسنه لا يتجاوز الثالثة عشرة، فاعترض عليه الناس بحجة أنه لم يبلغ الحلم فكيف يتولى الخلافة، ويقودهم محمد الكاتب الذى تمكن من خلع المقتدر وتولية ابن المعتز مكانه، فيرد الأخير الجميل له ويقلده الوزارة، ولم يستغرق الأمر سوى ليلة واحدة ونصف نهار، حيث تمكن مؤنس رئيس الحرس من تجديد البيعة للمقتدر والقبض على ابن المعتز بعد أن حاول الهرب.. وقتله والتمثيل بجثته! قتل ابن المعتز ولم يتعظ لما حدث لجده ولأبيه.. وينعاه معاصروه من الأدباء والشعراء.. ومنهم على بن بسام، بقوله: لله درك من ميت بمضيعة ناهيك فى العلم والآداب والحسب ما فيه لو ولا لولا تنقصه وإنما أدركته حرفة الأدب مات شاعرنا بعد أن عرض نفسه إلى مالا طاقة له به، ولكنه ترك ديوانا كبيرا من الشعر، نقتبس منه هذه الأبيات الجميلة: أما ترى الدهر لا تفنى عجائبه والدهر يمزج معسور بميسور وليس للهم إلا شرب صافيه كأنها دمعة من عين مهجور ونختم بتلك الحكمة البالغة: خليك مع الله، حيث يقول: دع الناس، قد طال ما أتعبوك ورد إلى الله وجه الأمل ولا تطلب الرزق من طالبيه واطلبه ممن به قد كفل