رغم اهتمام ثورات الربيع العربى بقضايا الحريات وعدم التمييز، مازالت قضايا المرأة تحتاج إلى ثورة حقيقية داخل المجتمعات العربية، وتبذل الحركات والمنظمات النسوية جهودا كبيرة لإحداث التغير فى المفهوم العربى تجاه قضايا المرأة وتمكينها سياسيا واجتماعيا. خلال المؤتمر الذى عقده الاتحاد النوعى لنساء مصر بعنوان «المرأة العربية بين أهداف الألفية وبكين + 20» تمت مناقشة وضع المرأة بعد ثورات الربيع العربى، وهل الثورات فى العالم العربى هدفها بناء مجتمع شامل أم مجرد تغير سياسى فى هرم السلطة. بداية تقول د.هدى بدران رئيس الاتحاد النوعى لنساء مصر إن هدفنا الأساسى معرفة وضع المرأة العربية خاصة بعد ثورات الربيع العربى وما تحقق من الأهداف الإنمائية للألفية وربطها مع مقررات بكين الخاصة بالمرأة لمواجهة التحديات القائمة التى فى مقدمتها الفقر وضعف المشاركة السياسية والثقافة المتحيزة ضد المرأة وبلورتها فى خطة ثلاثية مستقبلية واحدة من عام 2015 إلى 2018 لتوحيد جهود العمل العربى على مستوى المنظمات النسائية. ترسيخ حقوق المرأة من جانبها تقول السفيرة إيناس مكاوى مدير إدارة المرأة والأسرة العربية بجامعة الدول العربية إن الاتحاد النسائى العربى منذ انعقاد مؤتمره الأول فى القاهرة عام 1938 أعلن فيه الاتحاد كمنظمة عربية مستقلة برئاسة الرائدة هدى شعراوى استطاع أن يخطو خطوات واسعة لتضفير الجهود وتوحيد صوت المرأة العربية من أجل الاعتراف بمكانتها وترسيخ حقوقها وتغيير المفاهيم الاجتماعية والثقافة التقليدية بشأن دورها ومساهمتها فى المجتمعات العربية وتمكينها سياسيا واقتصاديا وتنمويا. وأوضحت أن الجامعة العربية أصدرت إعلانًا عربيًا خاصًا بالمرأة مثل إعلان الأممالمتحدة إلا انه لا تستطيع الحكومات بمفردها أن تغير كل شيء فى المجتمع لذلك يجب تكاتف الشعب حول مواجهة التحديات التى تتعرض لها المرأة. وأشارت مكاوى إلى أن وضع المرأة فى سوريا سيكون على أجندة أولويات الاتحاد النوعى لنساء مصر بالتعاون مع إدارة المرأة العربية بالجامعة وسيتم إصدار تقرير عربى موحد حول وضع السيدات فى المنطقة العربية وكذلك إصدار وثيقة خاصة بالمرأة تكون حاكمة لمنطقة البلدان العربية. وفى نفس السياق تقول د.سميرة التويجرى المديرة الإقليمية لهيئة الأممالمتحدة للمرأة على الرغم من الشعارات التى رفعتها الثورات العربية والتى كانت تدور حول الحرية والمساواة إلا أن ملامح تراجع وضع المرأة بدأت تلوح بعد انهيار الأنظمة الحاكمة ودخول المجتمعات مرحلة الشك ما بعد الثورة. لافتة: إذا نظرنا سريعا على الدول العربية سنرى أن المرأة العربية كانت فى قلب ثورات الغضب فى كل بلد بدءا بتونس ثم مصر لكن هناك تراجعًا فى وضعية المرأة فى بعض الدول منها مصر واليمن وليبيا وتونس. وأوضحت أن سر هذه التراجعات فى الثورات العربية يرجع إلى ثلاثة مستويات الأول اعتبارها ثورة اجتماعية توحدت ضمنها مختلف الشرائح والفئات بمن فيها النساء ضد السلطة القائمة أما اللحظة التى تلتها بناء ما بعد الثورة وهى لحظة سياسية صرفة، أما المستوى الثانى يعنى أن شعار الحرية الذى رفع قد اختزل فى بعده السياسى باعتبار الحرية تحررا من نظام سياسى تسلطى وليس المجتمع كلياً ونرى ذلك بوضوح فى اليمن وليبيا لكن نرى فى الحالة التونسية تتمتع المرأة بحقوق أوسع فى حين يظل النقاش العمومى محتشما فى المجتمعات الأخرى التى تعانى فيها المرأة من الإقصاء والتمييز، أما المستوى الأخير يتمثل فى أن الثورة التى أطاحت بدولة التسلط فتحت الباب أمام المجتمع كى يعبر عن كل تناقضاته الاجتماعية والفكرية فبرزت بذلك العديد من التيارات منها الإسلامية بمختلف توجهاتها وعلى عكس التيارات القومية واليسارية والليبرالية التى ترى أن مهمة الثورة تحقيق ما فشلت فيه دولة الاستقلال. مؤكدة أن المشكلة تكمن فى نظرة كل طرف للإسلام وطريقة تأويله للنصوص المؤسسة، وان قضية المرأة فى مجتمعاتنا ليست دينية بل هى اجتماعية بالأساس، حيث نحتاج إلى إعادة إنتاج المجتمع لترتيباته وتوازناته التقليدية من خلال إضفاء صبغة دينية على المحافظة الاجتماعية. تجريم التمييز بينما تقول د.فاطمة بدران عضو بالاتحاد النوعى لنساء مصر إن وضع المرأة المصرية مع دستور 2013 يعد خطوة على الطريق خاصة انه تضمن بنود لصالح المرأة وحقها فى تولى مناصب قيادية والمساواة بين الجنسين وتجريم التمييز هذا بالإضافة إلى انه تم إنشاء إدارة خاصة لمكافحة العنف ضد المرأة بقطاع وزارة الداخلية ونأمل أن يحدث هذا التقدم فى جميع المجالات الأخرى وقمنا بعمل حملات لتشجيع السيدات على خوض البرلمان القادم. ومن جانبها تقول منى الخليلى عضو الأمانة العامة بالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية إن المرأة الفلسطينية لها خصوصية عن بقية الدول الأخرى لأنها تنزع نحو الاحتلال ويعتبر هو العائق الأساسى أمام تقدمها وبالتالى الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة بالعنف تنعكس بالدرجة الأولى على المرأة الفلسطينية. وأوضحت رغم كل هذه الأوضاع إلا أن هناك العديد من الإجراءات التى يقوم بها الاتحاد على العديد من القضايا منها المشاركة السياسية للمرأة فى مختلف المستويات سواء كان فى الحكم المحلى أو المجلس التشريعى وذلك لتمكينها من الوصول إلى مواقع صنع القرار من خلال رفع نسبة الكوتة من 20% إلى 30%، هذا بالإضافة إلى انه يتم العمل مع الأحزاب السياسية داخل منظمة الاتحاد على دراسة الأدبيات والأنظمة واللوائح الداخلية لكل حزب للوقوف على المعوقات التى تعيق وصول المرأة لمواقع قيادية داخل الحزب وذلك من خلال تشكيل مجموعات داخل الأحزاب السياسية من اجل دراسة هذه الوثائق والخروج بتوصيات من اجل إتاحة فرصة المشاركة للجنسين، كما يعمل الاتحاد أيضا على الصعيد الاجتماعى من خلال سن قوانين منصفة للمرأة الفلسطينية أو تعديل بعض القوانين التى من شأنها أن تحد من تقدم المرأة ومشاركتها حيث يقوم الاتحاد بدراسة القوانين التى تحد من هذا المفهوم مثل قانون الأحوال الشخصية والعقوبات ومازالت هذه القوانين منذ سنوات بائدة ولم تتناسب مع وضع المرأة الحالى فى فلسطين لكن ما يحدث من انقسام فى المجتمع الفلسطينى داخل القوة السياسية ينعكس بشكل فاعل على المجلس التشريعى الفلسطينى وهذا يحد من إصدار المزيد من التشريعات لصالح المرأة فقط بل الشرائح الأخرى فى المجتمع. وأشارت إلى إننا نحتاج خلال المرحلة المقبلة مساندة الدول العربية والإسلامية وتحديداً عضوات الاتحاد النسائى العربى للتضامن مع الشعب الفلسطينى وذلك لأن الأممالمتحدة تنتظر ماذا سينتج عن عام التضامن الدولى مع الشعب الفلسطيني. وقالت رئيسة الاتحاد النسائى اليمنى فتحية محمد عبد الله أن الاتحاد العربى سيعمل على تطوير الاتحاد مستقبلاً بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة، وأن عضوات الاتحاد سيعملن على إعداد لجان تحضير للمؤتمر الذى سينعقد فى شهر يونيو المقبل بمصر لإجراء الانتخابات على منصب الأمين العام الجديد للاتحاد. زيادة البطالة ومن جانبها قالت السفيرة مرفت تلاوى رئيس المجلس القومى للمرأة إن لجنة وضع المرأة بالأممالمتحدة CSW تبنت هذا العام موضوعات خاصة بما تحقق من إنجازات فى تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية للمرأة وصدرت عنها وثيقة تؤكد ضرورة استمرار التزام الدول بتحقيق المساواة بين الجنسين والتغلب على التحديات التى تعوق تمكين المرأة. وأوضحت بالنظر إلى وضع المنطقة العربية والوضع المصرى نجد أننا حققنا بعض الإنجازات للوصول للأهداف الإنمائية وكذلك ما يتعلق بقضايا السكان من بينها انخفاض معدلات الفقر الشديد والجوع وارتفاع معدلات الملتحقين بالتعليم سواء من الشباب والفتيات وانخفاض معدل وفيات الأطفال والأمهات لكن الطريق مازال طويلاً خاصة فى ظل التحول السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى تشهده المنطقة والذى قد يحول دون تحقيق مزيد من التقدم فى وقت كاف، لافتة إلى أننا مازلنا نعانى من ارتفاع معدلات البطالة بين النساء والفتيات، كما أن هناك نسبة كبيرة ممن يعيشون تحت خط الفقر علاوة على ضعف الخدمات الصحية للأمهات حيث فقدنا أكثر من 80 مليون سيدة بسبب الإجهاض غير الآمن، هذا بالإضافة أن مشاركة المرأة ما زالت منخفضة بشكل ملحوظ رغم التدابير التى اتخذتها بعض حكوماتنا لتحقيق المساواة بين الجنسين، مشددةً على ضرورة أن نضع المرأة على الأجندة القادمة للأمم المتحدة ما بعد 2015 وأن نترجم فى سياسات ورؤى عملية واضحة للنهوض بالمرأة وضمان حقوقها ومشاركتها التامة فى كافة المجالات. وأضافت التلاوى بالنسبة لمراجعة مسار تقدم المرأة العربية وجدنا تقدماً فى الجزائر حيث حققت قفزة فى عضوية السيدات فى البرلمان ووصلت 31%، كما أن الملك محمد السادس أصدر مدونة الأسرة بالمغرب، مشددة أنه لابد من وجود «حراس» لحقوق المرأة من جمعيات أهلية واتحادات نسائية حتى لا تضيع حقوق المرأة بزوال الأنظمة السياسية. وأشارت التلاوى خلال مشاركتها فى مؤتمر السكان والتنمية الذى عُقد بنيويورك مؤخراً تبين وجود ردة رجعية شديدة تتجه نحو المرأة ليس فى الدول الإسلامية بل فى الولاياتالمتحدة أيضا قائلة هناك تحالف شيطانى قائم بين بعض الإسلاميين والكاثوليك والولاياتالمتحدة للانقضاض على حقوق المرأة، مناشدة السيدات فى العالم العربى بأسره بالتكاتف لمواجهة تلك الأفكار والاتجاهات.