هل سيظل العالم يدور فى فلك الهيمنة الاستعمارية منذ تاريخ الاكتشافات الجغرافية وسيطرة دولة أو دولتين على مصير الشعوب وتسخيرهم لخدمة مصالحهما ولنهب ثرواتهم وفرض سطوتهم على دفة الحكم داخل أوطانهم.. فقد بزغتا انجلترا وفرنسا فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كقوى عظمى واحتلت معظم شعوب الأرض حتى أطلق على انجلترا المملكة التى لا تغيب عنها الشمس.. ولمسنا سياسة الرجل الأبيض فى الإبادة والتنكل وتجريف ثقافات الشعوب ومحو هويتهم وزرع الفتن والانقسامات ليظل هو السيد وفى يده مقاليد الأمور والمرجع الوحيد القوى.. ولكن بسبب الأطماع الغربية اشتعلت الحرب العالمية الأولى ثم الثانية وبدأ انهيار الهيمنة الأوروبية وتسليمها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تملك السلاح والثروة والمساحة ولم تفرض هيمنتها فى البداية بقوة السلاح بل من خلال الاقتصاد وسيطرتها على حركة التجارة واستغلال الصراعات التى خلفها الاستعمار الغربى فى كثير من دول العالم.. ثم أصاب جسدها الانحطاط الأخلاقى والثقافى وارتفاع نسبة الديون نتيجة لروعنة سياستها الخارجية. ونجد كثيرًا من المفكرين يتوقعون من بقائها كدولة قوية منزوعة الهيمنة وصعود التنين الصينى كقوة عالمية تحكم العالم.. فيقول «مارتن جاكوس» فى كتابه «متى ستحكم الصين العالم؟» وهو كاتب ماركسى وأستاذ زائر بجامعة شينخوا فى بكين: إن الصين ستقدم نموذجا مختلفا عن الزعامة الأمريكية للعالم.. نظام يقوم على المجتمع وليس على مركزية الدولة والفردية.. والصعود الصينى يختلف عن مفهوم الدولة القومية للغرب.. فالصين تعد نفسها دولة حضارية.. ويتوقع أن اليوان الصينى سيحل محل الدولار فهى تمتلك الآن أكثر من 2 تريليون دولار.. ويرى «جاكوس» أن النظام العالمى الصينى سيحترم السيادة الوطنية والتنوع الوطنى وسيتعاون مع نماذج اقتصادية مختلفة.. ومن العوامل الأخرى ليقظة التنين وسيطرته على العالم امتلاكه لقوة عسكرية متنامية ويقدر تعداد جيش التحرير الصينى 2.5 مليون جندى بالإضافة إلى المساحة الكبيرة والثروات الطبيعية وعدد سكانها تجاوز المليار وخمسمائة مليون نسمة.. ويقول إن الإنسان الصينى أكثر مرونة ويرفض تبنى وجهة نظر أحادية فمثلا الحزب الشيوعى الصينى لا يتمسك بالأفكار الماركسية المتحجرة.. ويميل الصينى إلى حل النزاعات بالمفاوضات وليس بالصراع. ويرى بعض المفكرين أن هناك معوقات أمام الهيمنة الصينية منها أن النمو الاقتصادى لم يشمل الشعب الصينى كله.. فقطاع غرب الصين لا يزال يعيش فى فقر بالإضافة إلى الطابع الاستبدادى فى بعض الأمور منها مواجهة الاحتجاجات بالقمع إذا خرجت عن القنوات الرسمية الراسخة.. ولكن إذا تغلبت على هذه المعوقات واستكملت نموها الاقتصادى وهو ما يتوقعه «جاكوس» خلال عقدين ستتحقق الهيمنة الاقتصادية وكذلك توقعه تقرير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكى بعنوان «الاتجاهات العالمية لعام 2025» أن تكون الصين أكبر دول العالم اقتصادا وقوة عسكرية رائدة.. ويوضح مكتب الميزانية التابع للكونجرس الأمريكى أن الدين الأمريكى خلال العقد القادم سيصل إلى 90% من الناتج المحلى الإجمالى. ?? وهنا أقول ليس بالضرورة أن تتحقق هذه التنبؤات وأن يخرج العالم من عباءة هيمنة دولة إلى دولة أخرى.. فالصين نفسها أقامت تحالفًا مع روسيا فى مجموعة «البريكس» وتسعى إلى إنشاء بنك مشترك لتنمية الدول المشاركة مثل الهند والبرازيل.. وهو ما أعلنه بوتين أن روسياوالصين سوف تعملان بانسجام وتوافق للتأثير فى سياسة الولاياتالمتحدة.. ويؤكد هذا التعاون وجهة نظرى والكثير من المفكرين على بدء إنشاء حقبة دولية متعددة الأقطاب.. وخير شاهد عدم إذعان روسيا للتهديد الأمريكى حول النزاع على أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.. وأضف إلى محاولات كثير من دول الاتحاد الأوروبى لوضع نظام اقتصادى وعسكرى خارج نطاق الهيمنة الأمريكية.. مما يمنح الفرصة للدول النامية والصاعدة أن تتحالف بحرية تامة مع من يتوافق ونظامها الثقافى والسياسى.