فلان هذا دائما مرسومة على وجهه علامات الجدية. تجده رايح جاى يتحرك ولا يبتسم حتى للرغيف السخن .. ودائما مشغول ووراه أشياء مهمه ولايستطيع أحد أن يثنيه عن عزمه، ولايمكن أن يجار أحد فى مزاح أو قفشه أو نكته وهو كده إما فى مذاكرة وإما فى عمل مصلحة وإما يحضر لشغل وإما يسافر فى شغل وإما جاى من شغل ولا يعرف أجازة ولا فسحة ولا راحة.. والبعض يقولك ده موس مذاكرة والبعض يقولك ده موسوعة فى كل شئ ويقال ويقال.. لكن فى الحقيقة بعض الناس طبيعتهم الجدية ولا يعرفون غير العمل الجاد، ولا يعرفون المزاح ولا الهزار وحتى مزاحهم وهزارهم يكون بمنتهى الجدية وله معنى وجوهر.. وكلامهم كله فى العلم أو الأدب أو الفلسفة أوالثقافة العامة وأبتسامتهم عزيزة وبالكاد. وينطبق ذلك على النساء والرجال أيضا .. والجدية هذه قد لا تعجب كثيرًا من الناس بل تجعل هؤلاء مصدر سخريتهم .. لكننى أرى عكس ذلك وأوقن أن هؤلاء الجادين هم الذين يستطيعون أن ينجحوا بدرجات مذهلة لكن الإنسان الذى يعمل بلا جدية كاملة عمله نص نص. وأى كلام والسلام.. وهؤلاء الجادون هم الذين يحققون النجاح ويقودون بلادهم للتقدم رغم أننا نسخر منهم أحيانا ويقولك ده محبكها قوى .. آه يا سيدى لازم حد يحبكها علشان السبهللة اللى الناس فيها، والمراقب والمتأمل لأحوال الناس يجد ترهلاً فى حياتنا لأننا افتقدنا الجدية. نعم الجدية هى التى تصنع النجاح بالعمل الصح والتمام دون إخفاق . والناس اعتادت التساهل فى العمل والذى لا نفعله اليوم يفعل فى الغد ومش لازم بالضبط بالضبط، وأهى ماشيه. لكن المسأله هذه أدت إلى التراخى والتأخر وعدم الإنتاج وينطبق هذا على الطالب فى المدرسة والجامعة والمدرس والطبيب والمهندس والبائع والفلاح الذى ينتج المحاصيل ويؤكل من إنتاجه كل المصريين وغير المصريين فى البلاد التى يسافر لها زرعه والتاجر الذى يسوِّق إنتاجه والدنيا أصبحت مصابه بعدم انضباط فى كل شئ وهذا لأن الجدية التى أتحدث عنها قلت أو تلاشت وساد مكانها الهمبكة والفهلوة والطناش وتكبير الدماغ وتوسيع الجمجمة على الآخر وتنفيض الآذان. أأسف لاستخدام هذه التعبيرات الغريبة على قاموس لغتى التى اعتدت الكتابة أو الحديث بها. والجدية التى يمكن أن يتسم بها البعض ويلاموا عليها يجب أن نربى أولادنا عليها، ويجب أن يروا ذلك عمليا فى آبائهم وأمهاتهم، والأب الجاد والأم الجادة صعب أن تجد لهما إبنًا مترهل الأداء أو كسولاً. وكانت هناك مقولة للكاتب الكبير أنيس منصور أن لعب الكورة رغم أنه لعب لكن إذا لم يؤد بجدية وكل الجدية يهزم الفريق، فاللعب حتى فى الملاعب لابد أن يكون بجد وجد الجد، وهذا ما تعلمناه من أستاذنا الكبير أن نؤدى كل شئ بجد حتى وإن كان لعبًا. فالممثل على المسرح الذى يتشقلب ويضرب زميله على قفاه إذا لم يفعل ذلك بجد أمامنا يفشل فى الأداء، ويخرج المشهد عن السياق. والجدية التى افتقدناها حولنا هى أم المصائب لأنها أفسدت الشباب الذى فى هذه السن الذى يجب أن يعمل ويعمل ويكد حتى يحقق أحلامه ويبحث عن طريقه الصحيح منذ البداية، والجدية والإتقان وجهان لعملة واحدة. «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». فمن يسمع.؟ والكلام فى الجدية والعمل الجاد المثمر والنجاحات الناتجة من الجدية التى يمكن أن نحصرها فى عديد من الشخصيات التى عاصرناها والتى لم نعاصرها سواء من الرجال العظام والسيدات الممتازات كثير، الأستاذ العقاد على الرغم من أنه لم يحصل على أعلى الشهادات لكنه بجديته واجتهاده كان جامعة وموسوعة علمية وأدبية ويرقى لأعلى الدرجات العلمية لم يحصل على ذلك إلا بالجدية والعمل الجاد والمتواصل وكذلك الأديب العالمى شكسبير لم يدخل جامعة. لكنه ترك لنا تراثا أدبيا ما زال يدرس للآن فى الكليات الأكاديمية فى كل انحاء العالم. وكل من قابلتهم وكانوا علامات متميزة فى مجالاتهم على مدى سنوات عمرى منذ نعومة أظافرى فى المرحلة الابتدائية من مدرسات أو مدرسين متميزين كانوا من الشخصيات الجادة فى علمهم وأدائهم وكثير منهم انتقلوا من الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية لكفاءتهم وأذكر هنا السيدة فايزة لبيب على سبيل المثال وكانت نموذجا للمدرسة الكفء والجادة والتى تؤدى عملها بجدية نادرة فى الرياضيات. وعادة المدرس أو المدرسة هو القدوة للتلاميذ بعد الأم والأب.. هل مدرسو اليوم يحرصون على ذلك بما يقدمون من نماذج جادة ومتميزة؟. أعتقد أن الصورة تغيرت وانقلبت. أين الجدية بتاعة زمان؟. أضحك بجدية. إعمل بجدية. إلعب بجدية. حب حتى بجدية.. فسوف تنجح.