ما أعلنه وزير التربية والتعليم د. محمود أبو النصر عن نيته للاستعانة بمشروع الفرصة الثانية المطبق فى فرنسا لمواجهة التسرب من التعليم فى مصر والذى يتضمن توفير عدد من المدارس المسائية كفرصة ثانية لهم مع إعطاء مبلغ مالى لأولياء أمور هؤلاء المتسربين لتعويضهم عن الدخل الذى كانوا يحصلون عليه من تشغيل أبنائهم.. يستحق الإشادة والثناء ويعد خطوة إيجابية لمواجهة هذه الظاهرة وإعادة تأهيل هؤلاء المتسربين مرة أخرى بدلًا من تركهم فى الشوارع عرضة للضياع والانحراف والجريمة وخاصة أن عدد المتسربين من التعليم وفقًا لآخر الاحصائيات بلغ 2 مليون.. تصوروا.. هذا العدد بلا شك كبير ومخيف ومرعب ولا يمكن السكوت عليه لأنه يهدد السلام الاجتماعى ويزيد من أعداد الأميين فى مصر الذى وصل إلى 35 مليونًا باعتراف وزير التعليم نفسه..(يانهار أسود).. ولكن الأخطر أن هؤلاء المتسربين من صغار السن (من 8 إلى 12 سنة) هم بمثابة قنابل موقوتة تهدد الاستقرار وتسهم فى إشعال الأزمات.. ومن السهل أن يستخدمهم البعض فى أعمال العنف والبلطجة وهذا ما كشفت عنه أحداث الفوضى التى شهدتها البلاد مؤخرًا.. إننى أرى أن وصول أعداد هؤلاء المتسربين إلى هذا الكم الكبير له دلالات ومعان.. فهو يعنى ويدل على أن المدارس وخاصة المدارس الابتدائية لم تعد جاذبة للتلاميذ بل تحولت إلى مدارس طاردة لهم.. وهذا نتيجة لغياب الأنشطة التربوية بالمدارس الرياضية والفنية والرحلات وغيرها والتى تجعل التلاميذ فى هذه السن الصغيرة يحبون المدرسة ويواظبون على الحضور إليها.. فالمدارس ليست لتحصيل العلم فقط بل هى مكان لممارسة الأنشطة والهوايات وتنميتها وخاصة فى هذه السن الصغيرة حيث إن التلاميذ فى هذه المرحلة العمرية بداخلهم طاقة وحيوية ويريدون إخراج هذه الشحنة فى ممارسة أنشطة يحبونها.. فضلًا عن غياب المعلم المؤهل تربويًا للتعامل مع هذه المرحلة العمرية المهمة وكيفية أن يجعل هؤلاء التلاميذ الصغار يحبون المدرسة.. ولكن الحال تبدل هذه الأيام وأصبحت المدارس مضيعة للوقت فلا تعليم داخل أسوارها ولا يوجد أنشطة يمارسها التلاميذ فيها ولا توجد أيضًا المعلم المتخصص لهذه الأنشطة فكانت النتيجة أن هجرها التلاميذ (!!).. وإذا فكرت للقيام بزيارة مفاجئة لأية مدرسة فإنك تجدها خالية من الطلاب تمامًا وخاصة مدارس الثانوى العام.. هذه الظاهرة بدأت تظهر تدريجيًا فى أواخر التسعينيات وساعد على انتشارها الدروس الخصوصية حيث كان بعد شهر مارس لا يذهب التلاميذ للمدارس وكانت هناك مقولة وقتها «بعد مارس مفيش مدارس» وقامت الدنيا ولم تقعد لتصبح اليوم بعد نهاية نوفمبر «مفيش مدارس» حيث هجرها التلاميذ.. بصراحة فإن عودة المدارس إلى سابق عهدها إلى الانضباط والالتزام لا يأتى بقرارت فوقية ولكن الأمر يتطلب إصلاح منظومة التعليم لتجعل المدرسة مكانًا جاذبًا للتلاميذ وخاصة بالمدارس الابتدائية بأن تتغلب مساحة ممارسة الأنشطة التربوية على مساحة تحصيل العلم..