الموال. لون غنائى ظهر فى العراق ومنها دخل إلى مصر والشام وتلون فى كل قطر من هذه الأقطار بسمات من موروثه.. فى مصر.. الموال لونان.. موال أحمر.. وهو المعنى موضوعه بالغناء للمواجع والمآسى والهجر.. وموال أخضر.. ويعتنى موضوعه بالمواقف والصور المفرحة الوردية. .. محمد طه مصطفى أبو دوح. وذلك اسمه كاملاً يحمل دون منازع لقب ملك الموال المصرى فى القرن العشرين.. رصيده الفنى يزيد على (10) آلاف موال نصفها تقريباً أو أزيد كان مواويل ألفها هو ولحنها لنفسه ارتجالاً فى لحظة مواجهته بجمهوره.. محمد طه مصطفى أبودوح من مواليد قرية أبيه التابعة لمركز طهطها (أحد مراكز محافظة سوهاج التى تحمل تاريخا تجاريا). لكنه تربى ونشأ فى عزبة من عزب مركز قليوب اسمها عزبة عطا سليمان تابعة لقرية سندبيس.. سمتان أساسيتان ميزتا محمد طه عن محترفى الفن الشعبى فى مصر.. السمة الأولى، كانت احتفاظه بالجلباب البلدى والطربوش كزى ثابت طوال مرات ظهوره للجمهور، السمة الثانية احتفاظه بالعمل فى الفن كهواية لسنوات طويلة من حياته الفنية التى لم تنته إلا بوفاته حيث ظل محتفظا بعمله فى أحد مصانع النسيج بالمحلة الكبرى. الذى بدأ العمل به بأجر قرشين ونصف (فى اليوم) وكان عمره 14 سنة وظل عاملاً بالمصنع حتى تلقى خطابا علم منه أنه محول إلى التحقيق لانقطاعه عن العمل 93 يومًا دون إذن رسمى وفى التحقيق خيروه مابين الانتظام بالعمل (وهذا معناه إلغاء العديد من اتفاقاته الفنية) أو استقالته وبالفعل قدم محمد طه أبو دوح استقالته وحصل على مكافأة نهاية الخدمة 23 جنيهًا. .. كان فنانا بلا شهادات. أو كما قال هو لعميد الأدب العربى د.طه حسين عندما سأله عن شهادته.. «أحمل فقط شهادة الميلاد وشهادة تأدية الخدمة العسكرية». فى كُتّاب القرية تعلم محمد طه القراءة والكتابة وبسبب ظروف أسرته المادية البسيطة لم يستطع إكمال تعليمه، ولهذا السبب أيضًا عمل عاملاً فى مصنع النسيج بالمحلة بالأجر المذكور قبل أن يصل عمره الخامسة عشرة فى مصنع النسيج ظهرت موهبته فى الغناء وبدأ صيته ينتشر فى الأرياف المجاورة.. فى عام 40 سافر إلى كفر الدوار الذى كان له صيت ذائع فيها قبل وصوله لكن استدعائه إلى التجنيد قطع عليه الطريق. .. فى فترة التجنيد عرف محمد طه طريقه إلى مقاهى الحسين والسيدة زينب وكان غناء الموال وحكايات الربابة جزءًا مهمًا فى برامج مقاهى هذه المناطق "أوقات الموالد.. سواء مولد النبى صلى الله عليه وسلم أو موالد أولياء الله من آل البيت فى القاهرة.. رضى الله عنهم.. كانت هى مواسم الغناء التى صنعت منه اسمًا ذاع فى ربوع العاصمة حتى سمعه فى أحد الموالد فى عام 54 (وكان الشارع المصرى فى أوج فرحته بثورة يوليو 52).. سمعه الإذاعيان طاهر أبو زيد وإيهاب الأزهرى فى مقهى الأعرج بالحسين وخرج معهما محمد طه إلى مبنى الإذاعة (كان وقتها فى شارع الشريفين) وفى الإذاعة سجل طه عددًا من مواويله لكن الموسيقار محمد حسن الشجاعى.. وكان وقتها رئيس لجنة الاستماع التى تعتمد الأصوات الغنائية فى الإذاعة قرر أن صوت محمد طه.لا يصلح للغناء فى الإذاعة!!! .. موقف محمد حسن الشجاعى تغير فيما بعد لكن فى الفترة ما بين رفض الشجاعى اعتماد صوت محمد طه فى الإذعة وقبوله .. استمع لمحمد طه، زكريا الحجاوى وكانت الدولة قد كلفته بتكوين فرقة الفلاحين للفنون الشعبية.. وفى فرقة الفلاحين ظل محمد طه (وكان محتفظًا بعمله كعامل فى مصنع نسيج المحلة). إلى أن استدعاه جلال معوض. الإذاعى الكبير الذى كان مسئولاً عن حفلات أضواء المدينة للسفر مع الفرقة إلى غزة.. فى هذه الحفلة غنى محمد طه لجمهور غزة موالين من ارتجاله اللحظى، من غزة استمع الجمهور العربى كله إلى صوت محمد طه فى حفلة أضواء المدينة عبر أثير الإذاعة.. فى ذلك الوقت حاول محمد طه القيد فى نقابة الموسيقيين لكن النقابة رفضت قيده لأنه لا يحمل شهادات، وبعد تظلم طه من القرار غنى محمد طه أمام لجنة التظلمات التى كان يرأسها عازف الكمان المعروف أنور المنسى موالاً أرتجله للجنة والمنسى.. قال فيه (أنا فى محكمة العدل أصل العدل للعادل.. واسمع يا منسى أنا مش منسى وفى الكلام عادل.. وإذا حكمتم يكون الحكم عادل). ثم أكمل طه غناءه:(أنا اسمى عدل الكرام محمد طه. أبو نفس عالية ما عمره فى يوم وطاها). وعند هذه الجملة أعلن المنسى قرار اللجنة بالموافقة على قيد محمد طه أبو دوح عضوا فى نقابة الموسيقيين. .. وفى نفس الوقت تراجعت الإذاعة عن رفضها لصوت محمد طه وتم اعتماده صوتًا غنائيًا فيها وباختيار وجيه أباظة أصبح محمد طه فقرة ثابتة مع نجاة والمنولوجست عمر الجيزاوى فى حفلات الأوبرا المصرية (كان مكان الأوبرا وقتها فى وسط القاهرة حيث المكان الذى يحمل اسم ميدان الأوبرا الآن فى حفلة الأوبرا تقاضى محمد طه أجر 60 جنيهًا تبرع به كاملاً لصالح تسليح الجيش المصرى. .. بعد استقالة طه من مصنع النسيج.. كون فرقة موسيقية خاصة به.. كانت الفرقة الذهبية للفنون الشعبية وظلت تعمل معه حتى آخر عمره، والطريف أنه كان فى هذه الفرقة التى كانت تطوف أرياف ومدن مصر بديل لمحمد طه. يحل محله إذا جاء اتفاقان للفرقة للعمل فى مكانين مختلفين فى الأرياف أو فى المدن.. وكان البديل هو شقيق محمد طه الذى كان يشبهه تمامًا! محمد طه كان يسكن فى شقة بسيطة فى حى شبرا مصر.. ومع الفرقة كون محمد طه شركة لإنتاج وطباعة الاسطوانات حملت اسم (شركة ابن البلد).. وفى تلك الأوقات كان طه قد عرف طريقه للظهور فى أفلام السينما أول فيلم شارك فيه كان فيلم «حسن ونعيمة».. الذى يحكى عن قصة حب جرت فى إحدى قرى مدينة بنى مزار فى المنيا.. وقد ظلت نعيمة بطلة القصة حسب معلوماتى على قيد الحياة بعد موت حسن حتى طالعنا خبر وفاتها وهى فى السبعين حيث أصيبت بغفلة وهى على سطح بيتهم وسقطت.. وكان لقصة حسن ونعيمة موال شعبى شهير ذائع فى كل مصر كتبه الحاج مصطفى مرسى أشهر مؤلف مواويل وقتها. .. بعد حسن ونعيمة شارك محمد طه فى أفلام، بنات بحرى، أشجع رجل فى العالم، خلخال حبيبى، شقاوة رجالة، السفيرة عزيزة، الزوج العازب، دعاء الكروان، المراهق الكبير، ملك البترول، زوج ليوم واحد، رحلة العجايب، ودستة مجانين... فى كل هذه الأفلام ظهر محمد طه أبودوح كمغن شعبى فقط، ولم يشارك نهائيا فى أى عمل سينمائى كممثل. وفى 12 نوفمبر 96.. خرج طه من بيته فى شبرا لشراء احتياجات لأسرته وفى الشارع أصيب بأزمة قلبية.. مات على أثرها.