من حين لآخر يسرب «إدوارد سنودن» وثائق سرية لصحيفة « واشنطن بوست» عن حرب أجهزة المخابرات الأمريكية الإسرائيلية، وتلتقطها تقارير صحفية تتكهن بأن هذا الأمر قد يرفع توتر العلاقات بينهما إلى مستوى الأزمة الدبلوماسية، بينما الحقيقة والواقع أن واشنطن وتل أبيب أصدقاء وحبايب/ لا اختلاف ولا خلاف بينهما، فقد تعهدا واتفقا، ووقعا على اتفاقيات للقيام بأكبر وأوسع عملية تجسس عرفتها البشرية، حيث تصب أسرار دول العالم فى خزائن مركز معلومات وكالة الأمن القومى الأمريكى ولتل أبيب المفاتيح ونسخة من ودائع بنك المعلومات العالمى بالغ السرية. وأصدق دليل على ذلك هو مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين فى مارس 2009. والتى أوقعت كل مستخدمى شبكة الانترنت والفاكس والتلكس والهواتف الخلوية فى مصيدة هيئة الأمن القومى الأمريكى وهى الهيئة الأم لستة عشر جهاز مخابرات أمريكى ومعها الوحدة 8200 وهى وحدة التجسس الإلكترونى فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان». الاتفاق الذى وقعه سرَّا فى مارس 2009 كل من مدير هيئة الأمن القومى الأمريكى وقائد الوحدة 8200 يفتح أبواب خزائن أسرار مواطن أمريكا والعالم أمام أجهزة المخابرات الإسرائيلية. وأهم نقاطه الرئيسية هى كالتالى:- ? الولاياتالمتحدة لا تفرض أى قيود قانونية على استخدام إسرائيل لأى من المواد الاستخباراتية المنقولة لها. ? لإسرائيل الحق فى الاحتفاظ بما تحصل عليه من مواد ومعلومات من وكالة الأمن القومى لمدة عام كامل. ? تتعهد إسرائيل بتقديم تقدير فورى إلى وكالة الأمن القومى عن هوية الأشخاص المدرجين فى البيانات ونشاطاتهم. ? يجب على إسرائيل أن تدمر المواد والمعلومات المتعلقة بالمؤسسات الحكومية الأمريكية مثل البيت الأبيض، الدوائر الحكومية المختلفة، الكونجرس ونوابه المنتخبون والمسئولون العاملون فيه، الهيئات القضائية بما فيها المحكمة العليا. تحتفظ هيئة الأمن القومى بالحق فى التحقيق من وقت لآخر، ووفق تقديرها لطبيعة المعلومات والبيانات المنقولة لإسرائيل. ? لإسرائيل الحق فى نقل ما تحصل عليه من معلومات من قاعدة البيانات الأساسية من هيئة الأمن القومى إلى جهات أجنبية بعد الحصول على موافقة خطية وبشرط ألا تكشف عن هوية المواطنين الأمريكيين الواردة فيها. خلاصة هذا الاتفاق تشير بوضوح إلى عمق التعاون الاستخباراتى بين واشنطن وتل أبيب. فكل منهما ترصد ميزانية ضخمة الأعمال أجهزة الاستخبارات لديها. حيث تشير الوثائق المنشورة فى صحيفة «الجارديان» أن واشنطن رصدت عام 2013 ميزانية قدرها 52.6 مليار دولار لأجهزة الاستخبارات ومكافحة التجسس. بينما ميزانية جهازى الموساد - جهاز الاستخبارات والمهمات الخاصة، وجهاز الأمن العام «الشاباك» تجاوزت رقم 6 مليارات شيكل فى عام 2012 ويتوقع أن يصل إلى 7 مليارات فى ميزانية عامى 2013 - 2014. أما قيام أجهزة المخابرات الأمريكية الإسرائيلية بعمليات تجسس على بعضهما فمن الممكن وصفها بمناوشات الحبايب، عندما يريد كل طرف منهما الاطمئنان على أحواله لدى الآخر. خير دليل على ذلك ما ورد فى التقرير السنوى المقدم من مكتب التحقيقات الفيدرالى إلى الكونجرس. ويشير إلى أن إسرائيل تستخدم نظام التسلل الالكترونى لنظم الإدارة الأمريكية لجمع المعلومات عن القرارات السياسية المتعلقة بموقف واشنطن من إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، ومسارات تفاوضها مع السلطة الفلسطينية. ويؤكد ذلك «هارى براندون» نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى لمكافحة التجسس أمام لجنة الكونجرس، بأن إسرائيل مهتمة بالحصول على المعلومات والأسرار التجارية مثل اهتمامها بالأسرار العسكرية. وأحد أفضل أدواتها لتحقيق هذا الهدف هو إقامة شراكات تجارية بين شركات إسرائيلية وأمريكية ممن تخصصت فى مجالات توفير برمجيات الاتصالات فى أمريكا. وتباع منتجاتها لكافة شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية العملاقة فى أمريكا. لكن ما لم يقله «هارى براندون» صراحة هو أن إسرائيل اتفقت مع الإدارة الأمريكية على القيام بدور الوكيل التجسس على المواطنين الأمريكيين وعلى كافة الاتصالات التى تجرى فى الأراضى الأمريكية، وغالبية مسارات حركة شبكة الانترنت العابرة لأمريكا. فإدارة الرئيس باراك أوباما التى وقعت إتفاق مذكرة التفاهم الاستخباراتى مع إسرائيل فى 2009 هى ذاتها التى اخترعت عملية قيام شركات غير أمريكية بالتجسس على المواطنين الأمريكين لصالح إدارة أوباما، وحتى لا تقع تحت طائلة القانون لاتهامها لها بالتجسس على المواطنين الأمريكين. هذا الاتفاق يوفر مليارات المعلومات تصب فى مراكز تخزين المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وأشهر الشركات العاملة فى هذا المجال هى شركتا «فيرنيت» و «ناروس» أسسهما رجال أعمال إسرائيليون فى عام 1990، منهم يعقوب كوبى أحد كبار ضباط الاستخبارات الإسرائيلية سابقا، والآخرون عملوا فى السابق فى وحدة التنصت الالكترونى بالمخابرات العسكرية بالجيش الإسرائيلى. وتطرح الشركتان فى الأسواق الأمريكية برمجيات تتبع الاتصالات الصديقة فى كافة أجهزة الاتصالات كما تقوم الوسائل التقنية لاعتراض مرور الإشارات والأصوات فى شبكة الانترنت وكافة وسائطها. فأكبر شركتى اتصالات فى أمريكا وهى ايه تى أندتى «وفييزون»، واللتين تديران ما يقرب من 90% من الاتصالات فى أمريكا مستخدما برمجيات «ناروس» و «فيرنيت» التى تحافظ على التتبع الالكترونى للاتصالات. وحركة الاتصالات الصوتية ذات النطاق العريض على شبكة الانترنت. ويعترف أحد القادة السابقين فى الوحدة 8200 لصحيفة هارتس بالعلاقة الوثيقة بين خدمات وحدة التجسس الإلكترونى فى الجيش الإسرائيلى وإقامة شركات إنتاج برمجيات وتقنيات تخترق مراكز البيانات فى شركات ميكروسوفت، وفيسبوك، وجوجل. وأن إقامتها لم تكن من قبيل المصادفة، حيث أن غالبية الوسائل التكنولوجية المستخدمة فى هذا المجال هى فى الأساس جزء من تكنولوجيا الصناعات العسكرية، تم تحسينها وتطويرها فى الوحدة 8200 بإسرائيل، وجزء كبيرمنها يعمل فى مجال التقاط البيانات المشفرة. إذا فالخلاصة الوافية هى أن الولاياتالمتحدة غيرت اتفاقها القديم مع إسرائيل والذى كان جوهر عدم تجسس الأصدقاء على بعض لأهمية العلاقات الخاصة بين الطرفين وأى كلام آخر عن خلاف أو اختلاف بين الطرفين ليس إلا كلام فارغ يفتقد للحد الأدنى من الصدق والمصداقية وأن إدارة الرئيس باراك أوباما تؤمن بأن أخطر أسرارها وأسرار المواطنين الأمريكيين والعالم أكثر أمانا لدى تل أبيب.