منذ النصف الأول للقرن الماضى يعتبر كبار المثقفين فى أنحاء الوطن العربى دار المعارف مصدرهم الأساسى فى المعرفة والكبار من مفكرى العالم ينظرون إلى إصداراتها بكل إجلال وتقدير، وقد استفادت بعض دور النشر العالمية من خبرات دار المعارف خاصة من خلال سلسلة «اقرأ» وقلدوها فأصدروا المطبوعات الشعبية لأشهر الدوريات والكتب ولكن بعض المتسرعين من لا يعطون أنفسهم فرصة للفهم والتحرى عن المعلومة اعتبروا ما يجرى من تطوير فى مكتبات دار المعارف لتواكب العصر هو مقدمة لبيعها أو ضمها لإحدى المؤسسات، لذلك كان لابد من استجلاء الحقيقة من خلال الدكتور كمال محجوب رئيس مجلس الإدارة الذى أوضح الحقائق كاملة إضافة إلى شهادات كبار المثقفين والمفكرين ومسئولى النشر بدار المعارف التى ستظل منارة للفكر العربى والعالمى. وبداية.. لابد أن يعرف القارئ العزيز نشأة وتاريخ هذه المؤسسة العريقة، فدار المعارف تعد من أعرق المؤسسات الثقافية على المستوى العربى والإقليمى، حيث تم إنشاؤها عام 1890 على يد نجيب مترى الذى هاجر من الشام إلى مصر عام 1884 ليتولى إدارة مطبعة المحروسة بالإسكندرية لصاحبها عزيز بك الزند، ولكن طموحه دفعه للتوجه إلى القاهرة وفيها اشترك مع صديقه جورجى زيدان فى تأسيس مطبعة التأليف فى شارع الفجالة الذى كان أول شارع للصحافة فى مصر، ولم تستمر التجربة إلا عاما واحدا، بعدها انفصل نجيب عن جورجى ليؤسس أول مطبعة المعارف وليؤسس الثانى دار الهلال وكانت دار المعارف أكثر من دار نشر صغيرة ثم حولها نجيب مترى إلى صالون أدبى لكبار المثقفين وزادها فى السنوات الأولى لإنشائها أحمد حشمت باشا ناظر المعارف فى ذلك الوقت، كما كان يتردد عليها أيضا بصفة مستمرة أمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر خليل مطران وعلى الجارم والكثير من إعلام هذه الحقبة التاريخية. ولم تتوقف عجلة التطوير فى دار المعارف بعد وفاة نجيب مترى 1928، فقد تولى إدارتها ابن شفيق مترى الذى تعلم فنون الطباعة فى فرنسا وألمانيا بناء على رغبة أبيه وعلى يد شفيق انتقلت المطبعة إلى مبناها الحالى على كورنيش النيل ماسبيرو، وكان أول من أدخل ماكينة جمع مونوتيب عربية بالحروف الجديدة فى عام 1945، وكانت الأولى من نوعها فى مصر والوطن العربى، وأصبحت دار المعارف أهم دار نشر فى مصر ثم اتجه شفيق مترى لتطوير المضمون أيضا فكان صاحب فكرة إصدار سلسلة كتب التراث التى حملت عنوان: «ذخائر العرب» لاختيار ما يستحق النشر للسلسلة وكان من أعضاء اللجنة التى تم تكوينها لهذا العمل محمد على عيسى وزير المعارف فى ذلك الوقت، وأحمد أمين طه، وطه حسين، وعلى الجارم. ثم توالت فكرة إصدار السلاسل الأدبية والثقافية والعربية والعلمية لتصبح دار المعارف منارة للفكر ينشر نورها فى كل أنحاء الوطن العربى فلا يوجد مثقف أو قارئ عربى إلا وعرف فضل دار المعارف على الثقافة العربية الحديثة وما تحقق على يد هذه الدار من ازدهار أدبى وفكرى واسع سواء كان فى شكل الكتاب وطباعته ومادته ومضمونه. ولم تتوقف عجلة التطوير فى دار المعارف بعد تأميمها عام 1963 وتوالى عليها رؤساء مجلس الإدارة الدكتور سيد أبو النجا والأستاذ أنيس منصور والأستاذ صلاح منتصر والأستاذ رجب البنا والأستاذ إسماعيل منتصر ثم الدكتور كمال محجوب فى ظل ظروف صعبة إلا أن خلفيته الاقتصادية جعلته يعظم مفاهيم الإدارة الحديثة فكان التخطيط هو عنوان العمل. من خلال آليات التنفيذ وإعادة تنظيم المؤسسة وتحديد المسئوليات واحترام التخصص وإعادة توظيف الطاقات المعطلة، كل ذلك فى إطار العمل بروح الفريق وكان من ثمار هذا الجهد المشرف إصدار مجلة «وادى النيل» لتكون إطلالة جديدة تعبر عن العمق الأفريقى لمصر والذى أغفلته القيادة المصرية السياسية فى فترات سابقة وكان من شأنه ما حدث ويحدث الآن فى منابع النيل، وفى نفس السياق كان هناك تعاون مع المجلس الأعلى للصحافة بإطلاق بوابتى دار المعارف ومجلة أكتوبر لتكون نافذتين لدعم مسيرة الصحافة والثقافة المصرية، كما استطاع فى إطار العمل الميدانى أن يفتح آفاقا جديدة مع وزارة التربية والتعليم لتعيد دار المعارف إلى مكانها الطبيعى فى عالم الطباعة، ثم فى إضافة ونهج جديد لدور المؤسسة فى خدمة العملية التعليمية من خلال تعاون دار المعارف مع جامعة (UMT) الأمريكية بولاية فيرجينيا الأمريكية ليتيح الفرصة لطلاب العلم للحصول على بكالوريوس إدارة الأعمال، ثم درجة الماجستير، كما كان الاهتمام بإقامة معارض لدار المعارف وإصداراتها واحدة من وسائل الترويج والتنشيط لإصدارات المؤسسة، وأقيم مؤخرًا معرض بفرع شركة بترول الصحراء الغربية «ويبكو» وقام بافتتاحه د. كمال محجوب والمهندس مجدى البسطاوى رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب. وعن الجديد أيضًا فى إصدارات دار المعارف سوف يصدر فى القريب العاجل كتاب حول الأديب الراحل حفنى ناصف القاضى والمعلم، يتناول الكتاب شخصيته الجليلة ويتحدث عنه المستشار محمد مرشدى بركات الرئيس السابق لمحكمة استئناف القاهرة ومدير التحكيم الأفريقى الدولى. ويعد هذا الاستعراض السريع لهذا الصرح الشامخ فى عالم الثقافة والمعرفة التقينا بالدكتور كمال محجوب رئيس مجلس الإدارة الذى تولى الإدارة خلفًا لكوكبة من المفكرين أوضح أن دار المعارف تضم أكبر عدد من المكتبات وأن من سبقوه لم يبخلوا عليها بالتطوير فى إطار المتاح لهم وكان علينا البحث عن موارد جديدة للمؤسسة بعد انخفاض إيراداتها كحال المؤسسات القومية المعنية بثقافة الوطن وبدأنا البحث عن بدائل جديدة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للصحافة وعدد كبير من الإعلاميين والمسئولين عن الحياة الثقافية فى مصر للمساهمة فى هذا الشأن. التعاون مع جامعة الزقازيق وفى إطار استعراضنا للجهود المبذولة بالمؤسسة من أجل دفع عملية الترويج والتنشيط وزيادة الموارد كانت هناك حزمة من بروتوكولات التعاون مع عدد من الجامعات المصرية والمحافظات والوزارات والمؤسسات الكبرى من أبرز هذه البروتوكولات ما تم توقيعه أخيرا بين جامعة الزقازيق والتى مثلها د.أشرف محمد الشيحى رئيس الجامعة ومؤسسة دار المعارف ومثلها د. كمال محجوب رئيس مجلس إدارة دار المعارف ومجلة أكتوبر واشتمل البروتوكول على 14 بندا من أبرزها اتفاق الطرفين على استمرار الجامعة بتخصيص منفذ دائم للمؤسسة تقوم من خلاله بعرض كافة إصداراتها من الكتب العلمية والثقافية لإتاحة وسائل العلم المختلفة والتثقيف بأسعار فى متناول الطلاب على أن تخصص نسبة من عائد هذا المعرض لدعم صندوق تكافل ورعاية طلاب جامعة الزقازيق، بخلاف القيمة الإيجارية المتفق عليها سلفا فى العقد المبرم بين الجامعة والمؤسسة فى عام 2004 على أن تخصص المؤسسة مقرا للجامعة فى المركز العربى للبحوث والإدارة «آراك» التابع لدار المعارف، وكان توقيع هذا البروتوكول المهم، قد شهد حضور لفيف من قيادات المؤسسة والمجلة وقيادات جامعة الزقازيق. حيث أشاد الجميع بجامعة الزقازيق كواحدة من الجامعات المصرية الحكومية التى تقدم تعليما متميزا وبحوثا أكاديمية رائدة فى إطار من الابتكار والجودة والقيم الأخلاقية من أجل خدمة المجتمع وخدمة البيئة.