اصطلح علماء النفس على تعريف المنافق بالشخص الذى يتقمص الشخصية ويرتدى قناعين مختلفين ويطلقون عليها «الشخصية النفعية» وتتسم بالانتهازية والحقد والتحايل والغيرة المذمومة وتنشد الإشباع العاجل بأى ثمن وتعيش عالم الوهم والسمة الرئيسية لصاحبها أنه يحيا عالم الذات.. وينبذ الإبداع والفكر الحر والابتكار.. أما علماء الدين استقر رأيهم على أن المنافق من فسد باطنه وصح ظاهره ويفعل الفعل معلنا قصد الخير ويهدف فى الحقيقة إلى خديعة من ينافقه ويتخذ التملق والرياء وسيلة حتى ولو تجاوز الشرف والفضيلة من خلال إحداث الوقيعة والتفريق بين الناس ثم تعميق الخلافات.. ولديه اقتناع كامل بما يقوم به وتغمره السعادة ولا يؤرقه الإحساس بالذنب.. ويرجع بعض علماء النفس سبب النفاق إلى وقوع اضطراب نفسى للمنافق بعد شركه بالله حيث يرى فى مفهومه الفاسد أن من بيدهم نفعه وضره آلهته من البشر الذين بيديهم المال والمنصب.. فوجب عليه التوسل إليهم وخداعهم لنيل مطالبه الخاصة والكثير من هؤلاء البشر لديهم نفس سماته فيحدث التجاوب السريع معه. والمنافق يقبّح الحسن ويعظم السىء ولا يعرف الصدق ويتخذ الكذب منهاجا ويقول المولى عز وجل: ( إن المنفقين هم الفسقون وعدالله المنفقين والمنفقت و الكفار نار جهنم خلدين فيه ). ولذلك كان الإعجاز القرآنى فى هتك النفس البشرية فأخرج ما فى صدورهم وعراهم أمام الناس جميعا وفضح كذبهم ونشر على الدنيا ما فى صدورهم من كذب ورياء ونفاق وفى زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يستطيعوا الرد بل تواروا بعد أن فضحهم الله. ويصنف أحد علماء النفس النفاق إلى ثلاثة أشكال.. أولها النفاق الدينى، وثانيا النفاق السياسى، وأخيرا النفاق الإعلامى والصحفى ويعتبر الأخير أشد أنواع النفاق نظرا لتأثيره المباشر فى الرأى العام ثم تأثيره السلبى والخطير على تمويه الحقائق على صانعى القرار. ويذهب قطاع من علماء النفس والاجتماع إلى أن عهود الاستبداد وما ينتج عنها من غياب العدل ومسخ للديمقراطية واختلال العدالة الاجتماعية فى اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء تؤدى إلى ارتفاع نسبة المحسوبية والرشوة وبزوغ ثقافة الخنوع والاستسلام لدى طائفة من المجتمع فى مواجهة الأقوياء. وبصفة عامة إن المنافقين يمثلون خطورة شديدة على المجتمع وعلى كافة مؤسساته.. فهم كالسوس الذى ينخر فى جسد الدولة ويتسبب فى انهيارها وفشلها.. وهم ليسوا بمخلصين وليسوا أيضا بأعداء.. ولذلك لزم على الجميع التصدى لهؤلاء ومحاولة فضحهم وتبصير الآخرين بالحقائق وإيقاظ الضمير الإنسانى بثوابت الدين وبالتذكير بمراقبة الله.. ولقد حدد ديننا الحنيف صفاتهم وفضحهم حتى لا يلتبس علينا الأمر ونستطيع نبذهم.. فقال رسولنا الخاتم (صلى الله عليه وسلم) «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر».. والحديث هنا يلفت نظرنا إلى معنى آخر بأن هناك نوعين من النفاق فى كلمة «منافقا خالصا» أى أن النوع الأول النفاق الخالص وهو أعلى درجة ثم يأتى النفاق الأصغر.. ويعرف فى الاختلاف بين السرية والعلانية ومما هو دون الكفر وبحيث لا يكون فى أصل العمل كإظهار مودة الغير مضطرا مع إضمار الإساءة إليه.. وعلى المسلم الحذر من الوقوع فى هذا الفخ النفسى وعدم التمادى فيه.. فكانت الصحابة وهم قدوتنا أشد خوفا بل رعبا فى الانزلاق إليه وكانوا يحاسبون أنفسهم فى أدق تفاصيل أمورهم. ويقول ابن القيم واصفا إياهم «أحسن الناس أجساما وأخلبهم لسانا وألطفهم بيانا وأخبثهم قلوبا فهم كالخشب المسندة التى لا ثمر لها». وما أكثر تطابق هذه الصفات للعديد منهم فى عصرنا هذا على شاشات الفضائيات وفى الشارع.. فلا ننخدع بمعسول القول من لسانهم ولا يثيرنا الإعجاب بحُسن بيانهم ولباسهم أو حتى بأجسامهم.. وهؤلاء لديهم أنماط ثابتة وإذا أمعن الإنسان فى حديثهم سيتأكد من تكرار نفس المعانى والكلمات وسيلاحظ بغضهم حرية التعبير والديمقراطية.