فى جنازة تعد الأضخم فى تاريخ إسرائيل، شيع مئات الآلاف من الإسرائيليين الحاخام عوفاديا يوسف أحد أبرز الشخصيات الدينية المؤثرة فى الرأى العام الإسرائيلى والزعيم الروحى لحركة شاس والذى فارق الحياة عن عمر يناهز 93 عاما. بدأت رحلة عوفاديا يوسف من البصرة فى العراق إلى مدينة القدس حيث هاجر إلى إسرائيل مع عائلته عندما كان فى الرابعة من العمر، وشغل عوفاديا عدة مناصب رفيعة المستوى فى الهيكليات الدينية بما فى ذلك كبير حاخامى مدينة تل ابيب، وتمتع الحاخام عوفاديا وهو الحاخام الأكبر السابق لليهود الشرقيين فى إسرائيل بنفوذ قوى لا يقتصر على المجال الدينى إذ غالبا ما حاول القادة الإسرائيليون كسب وده للفوز بنواب حزبه للدعم فى الائتلافات الحكومية. وقبل 41 عاما عين «عوفاديا» فى منصب حاخام دولة إسرائيل وكان يعتبر من أكبر الملمين بالاجتهاد الدينى اليهودى وفى بعض الأحيان كان يصدر أحكاما دينية لا تتماشى مع مواقف المؤسسة الدينية ومن بين هذه الأحكام اعتبار القادمين الجدد من اثيوبيا يهود بكل معنى الكلمة. كما لعب الحاخام عوفاديا دورا بارزا فى السياسة الإسرائيلية عندما اعتمد على فتواه لتأييد حكومة رابين واتفاقيات أوسلو لكنه سرعان ما تحول بعد اغتيال رابين إلى التحريض ضد الاتفاقيات وضد اليسار الإسرائيلى ليعيد التحالف مع حزب الليكود واليمين الإسرائيلى. وأجج عوفاديا الخلافات الداخلية فى المجتمع الإسرائيلى عندما تمنى الموت ومصير جهنم لعدد من رموز اليسار الصهيونى. وعرف عوفاديا بمواقفه المتطرفة تجاه القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى وتشجيعه للمستوطنين اليهود على اقتحام المسجد، كما عرف عنه تصريحاته شديدة العداء للعرب والمسلمين منها وصفه العرب بالأفاعى والثعابين إلا أنه فى الوقت نفسه أصدر عدة فتاوى أجازت التنازل عن الأرض مقابل السلام فكان يدعم التنازل عن الأراضى الفلسطينية للتوصل إلى السلام وعند التوقيع على معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية فى عام 1978 أصدر حكما يجيز القيام بتنازلات إقليمية من أجل إحلال السلام الدائم لكنه اتخذ مواقف أكثر تشددا وتطرفا فى السنوات الأخيرة لذا عرف عنه مواقفه السياسية المتباينة واتسمت تصريحاته فيما بعد بالعنصرية حيث دعا إلى القضاء على الشعب الفلسطينى وقيادته كما تمنى لهم الابتلاء بمرض الطاعون ليقضى عليهم جميعا ووصف الفلسطينيين فى أحد دروسه الدينية بأنهم كالعماليق الذين عاشوا فى عهد يهو شواع بن نون والذين قضى عليهم بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر. كما يذكر عنه أنه أثار عدة مرات سخطا شديدا لدى الأوساط العلمانية فى إسرائيل بسبب فتاواه المتشددة . ويشغل نجله الحاخام يتسحاق يوسف حاليا وبصفة مؤقتة منصب حاخام دولة إسرائيل وقد انضم بعض أشقائه لمنظمة الايتسيل الصهيونية المتطرفة وشارك أحدهم فى عملية تفجير فندق الملك داوود فى المدينة. وفى منتصف الثمانينات من القرن الماضى أسس الحاخام عوفاديا حركة «شاس» السياسية لليهود الشرقيين، والتى شاركت منذ بدايتها فى معظم الائتلافات الحكومية، فكان عوفاديا يوسف الزعيم الروحى للحركة حتى وفاته حيث كان ساسة الحزب يستشيرونه فى كل مسألة ذات أهمية وكانوا لا يتخذون أية خطوة دون مباركته. وقد شاركت حركة شاس فى الائتلاف الحاكم عام 1992 ثم انسحبت، وفى انتخابات عام 1996 حصلت على عشرة مقاعد فى الكنيست، وفى انتخابات 1999 فازت ب17 مقعدا وأصبحت القوة الدينية الأولى والسياسية الثالثة فى اسرائيل. ويمثل حزب شاس الشريحة المتدينة اليهودية من أصول شرقية فى إسرائيل وبالعبرية يسمى حزب الشرقيين المحافظين على التوراة ، وقد جاء تأسيسه ردا على التمييز الذى يحسه اليهود الشرقيون منذ قيام إسرائيل على يد نخبة اليهود الغربيين «الاشكيناز». ولعب حزب شاس دورا فاعلا فى الحياة السياسية فى إسرائيل منذ نشأته على عكس الأحزاب الدينية الأخرى فى الكنيست والتى تركز على القضايا الدينية وتعطيها الأولوية. ويقوم الحزب حسب رؤية مؤسسه عوفاديا على دعم الاستيطان ورفض التفاوض مع الفلسطينيين أو التفاوض مع العرب إن لم يشترط التعويض عن اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم بعد هجرتهم من دول المنطقة، وتتشكل مواقف الحزب السياسية من خلال موقف عوفاديا إزاء كل قضية على حدة، ويدعو حزب شاس إلى قدسية يوم السبت والأعياد اليهودية كما ينادى بإلغاء تجنيد الفتيات بالجيش. ويجمع المراقبون على أن وفاة عوفاديا يوسف ستفجر معركة على خلافته وسط إقرار بعدم وجود وريث مناسب له الأمر الذى يهدد بحصول انقسام بين صفوف اليهود الشرقيين انقساما لن تسلم من تداعياته حركة شاس.