محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تقدير كبير ل«قائد المسيرة».. سياسيون يتحدثون عن مدينة السيسي بسيناء    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    الإسكان تُعلن تفاصيل تنفيذ 3068 شقة في مشروع "صواري" في بالإسكندرية    برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الدمار في غزة هو الأسوأ منذ عام 1945    الاعتراف بفلسطين.. دعم عربي وفيتو أمريكي    «كيربي»: روسيا تخرق قرارات الأمم المتحدة بشحن النفط إلى كوريا الشمالية    بعد سقوط توتنهام.. ليفربول يعود إلى دوري أبطال أوروبا في الموسم المقبل    صن داونز يهزم كايزر تشيفز بخماسية ويتوج بالدوري الجنوب إفريقي    القبض على نصاب بزعم التوظيف بمقابل مادي    «كان» يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية في افتتاح دورته ال77    الفنان أحمد السقا يكشف عن الشخصية التي يريد تقديمها قبل وفاته    نعيم صبري: نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة    إجابة غير متوقعة.. زاهي حواس يكشف حقيقة تدمير الفراعنة لآثارهم    توقعات برج الأسد في مايو 2024: «تُفتح له الأبواب أمام مشاريع جديدة مُربحة»    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    في يومها العالمي.. سبب الاحتفال بسمك التونة وفوائد تناولها    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل سائقَين وإصابة 3 موظفين في السودان    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولي على قرية أوشيريتين    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بيان عاجل من الأهلي بشأن أزمة الشحات والشيبي.. «خطوة قبل التصعيد»    أسعار النفط تستقر وسط ارتفاع المخزونات وهدوء التوترات الجيوسياسية    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    جهود لضبط متهم بقتل زوجته في شبرا الخيمة    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لشاب ينقب عن الآثار بأسيوط    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    مستشار المفتي: تصدّينا لمحاولات هدم المرجعية واستعدنا ثقة المستفتين حول العالم (صور)    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولى العلمى الثانى للطب الطبيعى والتأهيلى وعلاج الروماتيزم    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامع الأزهر .. حكاية ألف سنة من تاريخ مصر
نشر في أكتوبر يوم 20 - 10 - 2013

كان وسيظل الأزهر شاهدا على العصر للإسلام الوسطى، ورافدا من روافد الحضارة المصرية فى عصرها الإسلامى والعصر الحديث، كما لعب دورًا مهما فى الحفاظ على هوية مصر العربية والإسلامية.
.. ومواقف شيوخ الأزهر منذ نشأته لم تنته مع الملوك والرؤساء عبر الأزمان،فلم يخذل شيخ الأزهر عبر التاريخ أحدا وكان آخرها مواقف الدكتور أحمد الطيب من ثورة 30 يونيو.. والتى عبرت فيها مواقفه عن الأزهر... ليس هذا فحسب بل كانت له مبادراته التى أراد من خلالها جمع الفرقاء فى الوطن.
وكما اشترك جميع شيوخ الأزهر عبر تاريخه فى الوقوف ضد ما يتنافى مع الحق والحقيقة، اشتركوا جميعا فى الحروب التى تعرضوا لها فمنهم من أقاله الحاكم أو عزله، ومنهم من تعرض لهجوم من المحابين لهذا الحاكم..
وآخرهم أيضا ما تعرض له الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من هجوم شديد تارة من جانب رئيس الوزراء التركى المدافع عن الإخوان المسلمين، والشيخ يوسف القرضاوى..
كل هذه المواقف أكدت أهمية إصدار كتاب يوثق لتاريخ الأزهر منذ نشأته وحتى الآن ودوره المهم لأكثر من ألف عام..
وهو ما قامت به مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مشيخة الأزهر برئاسة فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر، حيث يوشك على الصدور كتاب مكون من ثلاثة أجزاء تحت عنوان «الجامع الأزهر الشريف»
قام بالإشراف على المشروع من مكتبة الإسكندرية الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات بالمكتبة وقام بتحرير المادة والإعداد لها الباحثان محمد السيد حمدى وشيماء السايح. ويقول د. خالد عزب إن الكتاب يهدف إلى توثيق تاريخ وعمارة واحد من أهم معالم الحضارة المصرية فى عصرها الإسلامى وفى العصر الحديث، وهو الجامع الأزهر الشريف، والذى لعب دورًا مهما فى تاريخ مصر منذ أن أسسه القائد الفاطمى جوهر الصقلى، ولأكثر من ألف عام هى عمر الجامع، وبما شهدته مصر فى تلك الفترة من أحداث لعب الأزهر الشريف دورًا فى صياغة أحداثها مثل حفاظه على اللغة العربية فى عصر العثمنة التركية، وعلى الوسطية الإسلامية وسط تيارات التطرف الفكرى الخارجة عن الفكر المصرى الوسطى، وحصن للمصريين فى حالة انهيار الحكام أو خروجهم عن الحق.
وحول مكونات الكتاب وأجزائه يقول الباحث محمد السيد حمدى إن الكتاب يتكون من ثلاثة مجلدات يتناول الأول عمارة وتاريخ الجامع منذ إنشائه فى العصر الفاطمى وحتى قيام ثورة يونيو 1952، ويحتوى الثانى صور من مظاهر الفن والحياة فى الجامع الأزهر الشريف، أما الثالث فيحمل عنوان «كنوز من الجامع الازهر الشريف» يتناول مجموعة من المنقولات والمخطوطات والمصاحف المحفوظة فى المتاحف ومصدرها الجامع الأزهر الشريف.
وتضيف الباحثة شيماء السايح أن الذى قام بتشييد الجامع الأزهر هو القائد الفاطمى أبو الحسن جوهر بن عبد الله الرومى الصقلى الكاتب، ليكون مسجدًا جامعًا لمدينة القاهرة التى وضع حجر الأساس لها لتكون عاصمة للدولة الفاطمية فى مصر(358 - 567 ه/ 969 – 1171 م)وكانت بداية إنشاء الجامع فى يوم السبت 24 من جمادى الأولى سنة 359 ه/ يناير 970 م، وكان الانتهاء منه وافتتاحه للصلاة فى يوم الجمعة السابع من رمضان سنة 361 ه/ يوليو 972 م، أى إن الجامع استغرق بناؤه مدة تبلغ حوالى سنتين وثلاثة شهور.
واختار له موقعًا فى الجنوب الشرقى من المدينة على مقربة من القصر الكبير الذى كان موجودًا حينئذ بين حى الديلم وحى الترك فى الجنوب.
ويقول محمد حمدى إن الذى لا يعرفه الكثيرون أنه لم يطلق على الجامع الأزهر مسمى الأزهر فى بداية إنشائه، وإنما عرف بجامع القاهرة نسبة لعاصمة الفاطميين الجديدة، وأما تسميته بالجامع الأزهر فقد حدثت فى وقت متأخر، حيث أشار إليه المؤرخون قريبو العهد ببناء القاهرة كالمسبحى وابن الطوير وابن المأمون باسم جامع القاهرة، وقليلاً ما أشاروا إليه باسم الجامع الأزهر.
ثم أطلق على جامع القاهرة الجامع الأزهر ربما نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول وزوجة الإمام على بن أبى طالب، وهى التى ينتسب إليها الفاطميون، وقيل إنه سمى كذلك تفاؤلاً بما سيكون له من الشأن والمكانة بازدهار العلوم فيه.
حظى الجامع الأزهر الشريف باهتمام الأئمة الفاطميين إذ فقد اهتم به الإمام العزيز بالله (365 - 386 ه/ 975 – 996 م) وقام بتجديد بعض أجزاء الرواق الجنوبى الشرقى وزخرفتها، واهتم الإمام الحاكم بأمر الله (386 – 411 ه/ 996 – 1021 م) بعمارة الجامع، فجدد مئذنته، ورفع سقفه ذراعًا عما كان، وبقى من أعماله باب خشبى ضخم محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة، ورتب له فى سنة 400 ه/ 1009 م مع بعض المنشآت الفاطمية الأخرى أوقافًا ينفق من ريعها على إدارته وشئونه، فكانت أول وقفية رتبت للجامع الأزهر.
العصر الأيوبى
وقد قام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب (564 – 589 ه/ 1169 – 1193 م)، فى بداية عهد الدولة الأيوبية بإبطال كل مظاهر الدولة الفاطمية التى كانت تعتنق المذهب الشيعى الإسماعيلى المخالف للمذهب السنى مذهب الدولة الأيوبية، فعين قاضيًا شافعيَّا هو صدر الدين عبد الملك بن درباس، والذى أفتى بعدم جواز إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد، فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر، وأقرها بجامع الحاكم بأمر الله باعتباره أكبر وأوسع، ولم تكن تلك المرة الأولى التى تقطع فيها الخطبة فى الجامع فقد قطعت فى عهد الحاكم بأمر الله فى سنة 393 ه/ 1002 م إلى أن أعيدت مرة أخرى.
وكان فى محراب الجامع نطاق من الفضة قلع سنة 569 ه/ 1173 م، وكان وزنه 5000 درهم نقرة؛ لذا لم يعن بالجامع من الناحية المعمارية ولم تتناوله يد الإصلاح والتعمير فى هذا العصر.
غير أن قطع الخطبة بالجامع الأزهر لم يقضِ على صفته العلمية التعليمية، فبقى مدرسة حرة تدرس فيها سائر العلوم العقلية والنقلية واللغوية والفقهية، كذلك كانت تقام فيه الصلوات الخمس كأى مسجد، فقد قصده مجموعة من العلماء وجلسوا للتدريس فيه ومنهم عبد اللطيف البغدادى الذى قدم إلى الجامع الأزهر فى سنة 589 ه/ 1193 م وجلس للتدريس فيه حوالى ست سنوات، وكان يقوم بتدريس علم الطب.
العصر المملوكى البحرى
وفى الفترة من (658 – 676 ه/ 1260 – 1277 م) قام الملك الظاهر بيبرس البندقدارى بإعادة صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر يوم الجمعة 18 من ربيع الأول سنة 665 ه/ 1267 م بعد انقطاعها مدة تقارب مائة سنة، وشمل الجامع برعايته فقام بعمل طاقية خشبية للمحراب الفاطمى القديم، لا تزال موجودة فى الجامع بعد إضافتها للمحراب الذى أقامته لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1352 ه/ 1933 م، والشرفات المسننة المنقوشة حول الصحن، ومنبر لم يتبق منه سوى لوحة تذكارية محفوظة فى متحف الجزائر، وعهد بذلك إلى الأمير عز الدين أيدمر الحلى نائب السلطنة الذى «عمر الواهى من أركانه وجدرانه وبيَّضه وأصلح سقوفه وبلَّطه وفرشه وكساه حتى عاد حرمًا فى وسط المدينة، واستجد به مقصورة حسنة»، وعمل الأمير بيلبك الخازندار فى الجامع مقصورة كبيرة رتب فيها جماعةً من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعي، ومحدثًا يسمع الحديث النبوى والرقائق، ورتب بالجامع سبعة قراء لقراءة القرآن ومدرسًا، كما نال الجامع الأزهر اهتمامًا كبيرًا فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون فى فترة حكمه الثانية (698 – 708 ه/ 1299 – 1309 م)، على إثر زلزال سنة 702 ه/ 1301م، وتولى عمارة الجامع الأمير سلار وقام بزخرفة كوشتى المحراب الفاطمى القديم، وشيد فى عهده الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش، مدرسة على يمين الداخل من باب المزينين الآن سنة 709 ه/ 1309م، وفى سنة 725 ه/ 1324م جدد القاضى نجم الدين محمد بن حسن الأسعردى محتسب القاهرة عمارة الجامع، وشيد الأمير أقبغا عبد الواحد شاد عمائر الناصر محمد بن قلاوون مدرسة سنة 740 ه/ 1339م هى المدرسة الأقبغاوية، وتقع الآن على يسار الداخل من باب المزينين، مكان دار الأمير عز الدين أيدمر الحلى.
العصر المملوكى الجركسى
بلغ من اهتمام المماليك الجراكسة بالجامع الأزهر وشئونه أن أحدثوا منصبًا جديدًا فى الأزهر هو منصب ناظر الأزهر، وكان الغرض منه هو ضمان الإشراف على الجامع وإدارة شئونه، وكان منصب ناظر الأزهر من المناصب التى اختص بها الأمراء والمماليك وأحيانًا كان يتولاه حاجب الحجاب، ومن نظار الأزهر من وصل لرتبة السلطنة مثل الظاهر جقمق (842 – 857 ه/ 1438 – 1453 م)، قبل استحداث هذا المنصب كان هناك مشرف يتولى شئون الجامع وتحت يديه مجموعة من الموظفين، وكان الأمير بهادر الطواشى الذى تم تعيينه فى عهد الظاهر برقوق ( 784 – 801 ه/ 1482-1399 م) فى سنة 784 ه/ 1382 م من نظار الجامع، وكان أول أعماله المرسوم الذى صدر لتنظيم المواريث بالأزهر.
وفى سنة 800 ه/ 1397 م سقطت مئذنة الجامع فقام الظاهر برقوق بإعادة بنائها على نفقته الخاصة، وبلغت نفقتها عشرة آلاف درهم نقرة، واحتفل ببنائها وعلقت القناديل بها ليلة الجمعة حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها، غير أنها هدمت سنة 818 ه/ 1415 م فى عهد المؤيد شيخ المحمودى (815 – 824 ه/ 1412 – 1421م)، وأعيد بناؤها وقد جلب لها الحجر من مدرسة الأشرف خليل بن قلاوون التى كانت تجاه قلعة الجبل، وعهد بعمارة المئذنة إلى الأمير تاج الدين الشوبكى، كذلك هدم الباب الغربى لبناء تلك المئذنة التى هدمت سنة 827 ه/ 1423 م لخلل فيها، وقام الأشرف برسباى (825 – 841 ه/ 1422 – 1438 م) بإعادة بناء تلك المئذنة وأنشأ بالجامع صهريجًا للماء وشيد سبيلاً وأقام ميضأة، وعمل الأشرف برسباى بأعلى الصهريج قبة على رقبة مرتفعة، وكان الماء يسيل من تلك القبة أشبه ما يكون بالنافورات التى نراها حديثًا، كذلك غرس بالصحن أربع شجرات ولكنها لم تفلح وماتت، كما أنشأ الأمير بدر الدين جنكل ابن البابا ميضأة بالجامع كانت موجودة فى عصر المقريزى (أى فى القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى كما قام الأمير جوهر القنقبائى خازندار الأشرف برسباى بتشييد مدرسة سنة 844 ه/ 1440 م عند الطرف الشرقى للجامع الأزهر.
العصر العثمانى
يذكر ابن إياس فى حوادث سنة 923 ه/ 1517 م أن السلطان سليم العثمانى (918 -926 ه/ 1512 – 1520 م) بعد أن تم له فتح مصر دخل الجامع الأزهر، وحرص خلال الفترة التى قضاها فى مصر على أداء صلاة الجمعة بالجامع وكانت آخر جمعة قضاها بالجامع الأزهر جمعة السابعة عشرة من شهر شعبان سنة 923 ه/ 4 من سبتمبر سنة 1517 م.
وقد عنى ولاة مصر فى العصر العثمانى بالجامع الأزهر وتجديد عمارته، إذ قام بتجديده سنة 1004 ه/ 1595 م الشريف محمد باشا فى عهد السلطان العثمانى محمد الثالث (1003 – 1012 ه/ 1595 – 1603 م)، وعمر به الوزير حسن باشا رواق الحنفية وفرش أرضيته بالبلاط فى سنة 1014 ه/ 1605 م، وجدد الأمير إسماعيل بك ابن الأمير إيواظ القاسمى فى سنة 1136 ه/ 1723 م سقف الجامع، كما أمر السلطان أحمد الثالث (1114 – 1142 ه/ 1703 – 1730 م) بصرف خمسين كيسًا من مال الخزانة بمصر لترميم الجامع الأزهر.
وفى سنة 1148 ه/ 1725 م بنى الأمير عثمان كتخدا القزدوغلى زاوية يصلى فيها العميان سميت بزاوية العميان (هدمت فيما بعد)، وكان يربطه بينها وبين المدرسة الجوهرية ممر من الحجر يمشى عليه، وكانت تحتوى على أربعة أعمدة وقبلة وميضأة ومراحيض، وفوقها ثلاث غرف للعميان لا يسكنها غيرهم، وجدد رواق الأتراك ورحبته ورواق السليمانية (الأفغانيين) وزاد فى رواق الشوام.
العصر الحديث
فى الحادى والعشرين من أكتوبر سنة 1213 ه/ 1798 م اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد قوات الاحتلال الفرنسى، واستطاع الثوار فى هذا اليوم قتل الجنرال ديبوى، واتخذ الثوار من الجامع الأزهر مقرًّا لهم، مما دفع حاكم القاهرة الجنرال بون الذى خلف ديبوى إلى ضرب المدينة من على تلال الدراسة، فأطلقت أول القنابل على المدينة وبالتحديد على الجامع الأزهر ظهر يوم 22 من أكتوبر سنة 1213 ه/ 1798 م، فانفجرت فى الجامع، ثم انهالت القنابل على الجامع الأزهر والمنطقة المحيطة به حتى كاد أن يتداعى، وتغلبت قوة النار على قوة الثوار، فاقتحم الفرنسيون الجامع الأزهر، ويصف الجبرتى تلك اللحظات قائلاً:«ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل وبينهم المشاة وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأوانى والقصاع والودائع والمخبات بالخزانات، وألقوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل ما صادفوه به عروه لتفتيشه.
وقد قام الخديوى إسماعيل بتجديد باب الصعايدة الكبير مع ما فوقه من المكتب بمباشرة ناظر الأوقاف أدهم باشا ناظر الأوقاف سنة 1282ه / 1865م.
وفى عهد الخديو محمد توفيق باشا فى سنة 1306 ه/ 1888م، تم ترميم قبة الحافظ المطلَّة على صحن الجامع، وتم تجديد المقصورة الخشبية على وجه جناح القبلة التى أقامها الخواجا مصطفى بن الخواجا رستم سنة 900 ه/ 1494م، كما قام بتجديد الأروقة التى أضافها عبد الرحمن كتخدا، وجدد رواق السنارية، وأضاف عمدًا إلى أروقة الظلتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية، فأصبحت العمد بها مزدوجة بعد أن كانت منفردة عند إنشاء المسجد، وفى سنة 1308ه/ 1890م جددت عقود وأكتاف الظلة الشمالية الغربية بكتاباته الكوفية وزخارفه.
وقامت لجنة حفظ الآثار العربية فى سنة 1309ه/ 1891م بتجديد عقود الصحن، والسقف، وشملت هذه الأعمال هدم المبانى التى كانت قائمة فى واجهة المسجد الجنوبية الغربية، وفى النصف الغربى من واجهته الشمالية الغربية وإقامة واجهتين جديدتين بدلاً منهما، تضمان مبانى جديدة منها الرواق العباسى الذى يقع فى الواجهة الشمالية الغربية من المسجد، وفى سنة 1314ه/ 1896م قررت لجنة حفظ الآثار إزالة كتاب عبد الرحمن كتخدا الذى كان يعلو باب المزينين، وفى إبريل سنة 1315ه/ 1897م تم إزالة الترابيع ذات الطلاء الأحمر والذى كان يشوه باب قايتباى.
كما أمر الخديو عباس حلمى الثانى بتشييد الرواق العباسى، والذى يقع عند طرف الواجهة الشمالية الغربية، ولإنشاء الرواق تم إصدار قرار بإزالة المحلات التى أحدثت بالواجهة الغربية، كما أوصى ديوان عموم الأوقاف بضرورة الحفاظ على الكتاب الذى كان يعلو باب المزينين غير أنه هدم، وأشرف على عملية الهدم حسن أفندى رفعت.
وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر تم انشاء الواجهة المطلة على شارع الأزهر سنة 1390 ه / 1970م، وقام رئيس باكستان السابق ضياء الحق بإهداء الجامع سجادًا حديثًا من نوع المحاريب.
وفى نهاية القرن العشرين وبالتحديد فى سنة 1419ه/ 1998م قامت شركة المقاولون العرب بتدعيم الأروقة التى أضافها عبد الرحمن كتخدا، وعمل أساسات للجدران بعمق 20 م، لحماية الجامع من تأثيرات النفق الذى تم شقه تحت شارع الأزهر، وتبلغ مساحة الجامع الأزهر الحالية 11500 م2 تقريبًا أى 2.75 فدان تقريبًا.
حلقات دراسية
كذلك نظمت فى الجامع الأزهر الشريف الحلقات الدراسية، وكانت أولى حلقات الدرس التى تعقد فى الجامع فى صفر سنة 365 ه/ 975م عندما جلس القاضى أبو الحسن على بن أبى حنيفة النعمان القيروانى ليملى مختصر أبيه ابن حيون فى الفقه والمعروف ب «الاقتصار»، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الجامع جامعة علمية حيث كان هؤلاء العلماء يتحلقون فى حلقات بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العصر لإلقاء الدروس، فقد عقد فيه الوزير يعقوب بن كلس حلقة دراسية لتدريس كتابه «الرسالة الوزيرية فى الفقه الشيعي»، وكانت مجالس ابن كلس تتحرر من القيود الرسمية وتتجه نحو الأهداف العلمية، لذلك تعد أول مجالس جامعية عقدت بالجامع، وفى سنة 378ه/ 988م استأذن الوزير يعقوب بن كلس الإمام العزيز بالله فى تعيين فقهاء بالجامع وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيهًا يرأسهم الفقيه أبو يعقوب قاضى الخندق وقد اشتملهم الأئمة الفاطميون وخاصة العزيز بالله بالعطايا والخلع.
وعلى الرغم من غلق الجامع الأزهر الشريف مع بداية عصر الدولة الأيوبية، فإن الجامع ظل فى وجدان المصريين، فقد أدرك المماليك أهمية الجامع فأعادوا له الخطبة مرة أخرى فى عهد الملك الظاهر بيبرس، وعاد الجامع ليفتح أبوابه لطلاب العلم من كل أنحاء العالم الإسلامى، فاشتهر من علمائه الكثيرون فى العصر المملوكى كالعالم المغربى ابن خلدون، وقد حرص السلطان الغورى (906-923ه/ 1501-1517م) على عقد المجالس العلمية والدينية وحضورها والمشاركة فى المسائل العلمية التى تثار فى تلك المجالس فى الجامع الأزهر الشريف.
أما عن أوقاف الجامع الأزهر الشريف فتعود إلى بدايات إنشائه، ففى سنة 386 ه/ 996 م أوقف الإمام الحاكم بأمر الله الكثير من الأوقاف على الجامع الأزهر، والجامع براشدة والجامع بالمقس ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة، وهى: دار الضرب، وقيسارية الصوف، ودار الخرق الجديدة، وجميعها من أملاكه الخاصة، وقد بلغ ما تم وقفه من ريع تلك الأملاك ما وزنه ألف دينار وسبعة وستون دينارًا ونصف دينار وثمن دينار من الدنانير المعزية، ومن تلك المخصصات أوقف 48 دينارًا للخطيب، و181 ديناراً لفرش الجامع بالحصر، 12.75 دينار لثلاثة قناطير زجاج، و15 دينارًا ثمن عود هندى للبخور فى شهر رمضان وأيام الجمع وكافور ومسك وأجرة الصانع، و7 دنانير ثمن نصف قنطار شمع، و5 دنانير ثمن كنس الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة الخياطة، ودينار واحد لسرج القناديل، ونصف دينار ثَمَن ثُمن قنطار فحم للبخور، وربع دينار ثمن إردبين ملح للقناديل، و24 دينارًا لمئونة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التى فوق سطح الجامع، ونصف دينار ثمن سلب ليف وأربعة أحبال وست دلاء أدم، ونصف دينار ثمن قنارين خرقًا لمسح القناديل، ودينار واحد وربع ثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ومائتى مكنسة لكنس الجامع، وثلاثة دنانير ثمن أزيار فخار يصب فيها الماء مع أجرة حملها، و37 دينارًا ونصف ثمن زيت وقود للجامع (1200 رطل) وأجرة الحمل، و556 دينارًا ونصف أجرة ثلاثة أئمة وأربعة قومة وخمسة عشر مؤذنًا (ديناران وثمن دينار لكل إمام كل شهر من شهور السنة، وديناران لكل مؤذن وقوام كل شهر)، و24 دينارًا للمشرف على الجامع، ودينار لكنس المصنع فى الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ، و60 دينارًا لمرمة ما يحتاج إليه الجامع فى سطحه وأترابه وحيطته، و8 دنانير ونصف وثلث ثمن 180 حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسى بقر للمصنع، و4 دنانير ثمن مخرن للتبن بالقاهرة، و7 دنانير ثمن فدانين قرط لتربيع رأسى البقر، و15 دينارًا ونصف أجر متولى العلف وأجرة السقاء والحبال والقواديس وما يجرى مجرى ذلك، و12 دينارًا أجرة قيم الميضأة إن عملت فى هذا الجامع.
مكتبة الأزهر الشريف
أنشئت مكتبة الجامع الأزهر الشريف بعد عشرين عامًا من إنشاء الجامع فى عهد الإمام العزيز بالله بعدما أصبح الجامع مؤسسة تعليمية للعلماء والفقهاء والطلاب، ونقل إليها الكثير من المصاحف والكتب، وأضاف إليها بعد ذلك الإمام الحاكم بأمر الله الكثير من المجلدات التى كانت بدار الحكمة كما جاء فى الوقفية التى أوقفها لدار الحكمة والجامع الأزهر الشريف وجامع راشدة وجامع المقس، ونظرًا لأهمية مكتبة الجامع فقد عهد الفاطميين بمهمة الإشراف على المكتبة إلى داعى الدعاة وهو أكبر المناصب الدينية آنذاك، وفى سنة 517ه/ 1123م أسندت أمانة مكتبة الجامع مع خطابة الجامع إلى أبى الفخر صالح.
غير أن مكتبة الجامع لم تسلم من التدمير ومن السلب فقد عانت مجموعات الكتب من الاضطرابات الداخلية والعصيان فى عهد الدولة الفاطمية، فعند قيام الجنود الأتراك بالعصيان ضد الإمام المستنصر بالله نهبت المكتبات ومنها مكتبة الجامع وخلعت جلود الكتب الفاخرة واستخدمت فى عمل الأحذية والصنادل وأحرقت وسرقت الكثير من المخطوطات.
ولا يستبعد تعرض مكتبة الجامع للتدمير مع قيام الدولة الأيوبية فى إطار سعيهم للقضاء على المذهب الشيعى الإسماعيلى، غير أن صفة هذا التدمير تمثلت فى قيام الأيوبيين بجمع الكتب وإهدائها إلى القاضى الفاضل لتكون نواة لمكتبة المدرسة الفاضلية التى أنشأها القاضى الفاضل سنة 580 ه/ 1184 م.
وفى العصر المملوكى زاد الاهتمام بمكتبة الجامع فأوقف أمراء المماليك وأعيان الدولة الأوقاف لضمان استمرارية العملية التعليمية به، فتذكر وثيقة الشيخ سليمان الإبشادى أنه «قد وقف كتبه على الفقراء والمساكين القاطنين بالجامع الأزهر الذين لا يملكون من الكتب إلا اليسير جدًّا ينتفعون بذلك الانتفاع الشرعي»، كذلك أوقف الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الزواوى المغربى سنة 878 ه/ 1473 م من الكتب على أبناء جلدته من طلبة العلم والفقراء فى الجامع برواق المغاربة بالذات دون غيره من الأروقة.
أعلام الجامع الأزهر
ظل الجامع الأزهر الشريف قبلة العلماء، فقد وفد إليه الكثير من العلماء وتخرج فيه الكثير، فقد درس به العالم ابن يونس المنجم، ووفد إليه العالم الحسن بن الهيثم الذى أقام فى الجامع يدرس ويبيت، وأبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق، والشاعر الحسن بن على الضبى المعروف بابن وكيع ، وأبو عبد الله القضاعى المتوفى سنة 454 ه/ 1062 م وهو فقيه ومؤرخ، وأبو الحسن طاهر بن أحمد المعروف بابن بابشاذ النحوى والمتوفى سنة 469 ه/ 1076م، وعبد اللطيف البغدادى الذى كان يدرس بالجامع الطب والفلسفة والمنطق فى عهد الدولة الأيوبية، والطبيب موسى بن ميمون، والشيخ شرف الدين عمر بن الفارض الشاعر الصوفى الشهير، والمؤرخ ابن خلكان، ومن علماء الرياضيات أحمد السجينى المتوفى فى سنة 885 ه/ 1480 م وابن الهائم المتوفى فى سنة 815 ه/ 1412 م، ومن علماء الموسيقى أبو النجا بن خلف المصرى الشافعي، ومن علماء الكيمياء محمد بن عبد الرحمن بن عيسى الذى عاش ما بين عامى 760 – 853 ه/ 1359 -1449 م، وتقى الدين بن دقيق العيد الذى عاش ما بين عامى 655 – 702 ه/ 1257 – 1302 م، والمؤرخ ابن دقماق، وبدر الدين العينى صاحب كتاب عقد الجمان، والمؤرخ الأندلسى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالمقرى الذى كتب خلال إقامته فى مصر ما بين عامى 1027-1041 ه/ 1618 – 1633 م كتابيه الشهيرين:«نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب» و «أزهار الرياض فى أخبار القاضى عياض»، عبد الوهاب الشعرانى (ت 973 ه/ 1565 م)، واللغوى مرتضى الحسينى الزبيدى، وأحمد الدردير، والمؤرخ عبد الرحمن الجبرتى، وعمر مكرم الذى تولى مشيخة رواق الجوهرية ثم رواق الصعايدة بعد سنة 1201 ه/ 1786 م وتولى نظارة وقف عبد الرحمن كتخدا، والشيخ عبد الله الشرقاوى الذى أصبح شيخًا للجامع سنة 1208 ه/ 1793 م وقد أسهم الشيخ الشرقاوى فى إعطاء منصب شيخ الجامع الهيبة والنفوذ اللذين اكتسبهما فى القرن الثالث عشر الهجرى/ القرن التاسع عشر الميلادى، الشيخ محمد المهدى، ورفاعة رافع الطهطاوى مبعوث الجامع الأول إلى معاهد أوروبا، والإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغانى الذى عقد حلقاته الدراسية بطريقة عصرية مبتكرة وكانت هذه الحلقات حدثًا فكريًّا واجتماعًّا عظيمًا.
الأزهر وأحوال مصر
يذكر أوليا جلبى أنه «لم يكن يحدث اضطراب فى مصر إلا ويخرج علماء الأزهر صائلين وجائلين جولة خطرة جدًّا»، دلالة على بأسهم ومنزلتهم.
وكانت المظاهرة تبدأ بصعود الثائرين على مآذن الجامع الأزهر الشريف يدقون الطبول، وتعلو أصواتهم هاتفة بسقوط الظلم، وداعية التجار إلى غلق حوانيتهم، وكانت الدراسة تتعطل مشاركة من العلماء والطلبة للجماهير فى مشاعرهم، ثم يخرج الموكب الصاخب يتقدمه شيخ الجامع وعلماؤه ومجاوروه ويتجهون إلى الحاكم الظالم ويطلبون منه رفع المظالم عن الشعب، ولا يسع هذا الحاكم إلا أن ينزل على رغبتهم.
ففى شهر ذى الحجة 1209 ه/ يوليو 1795 م تزعَّم علماء الجامع الانتفاضة الشعبية التى حدثت فى القاهرة ردًّا على المظالم التى تعرض لها الشعب على يد المماليك، فما كان من إبراهيم بك إلا أن أرسل إلى علماء الجامع يسترضيهم فوقع الصلح الذى حضره كل من مراد بك والوالى العثمانى صالح باشا القيصرلى.
كذلك كان للشيخ عبد الله الشرقاوى دور بارز فى رفع المظالم عن عامة الشعب المصرى خاصة من قبل محمد بك الألفى الذى أعلن الإضراب العام مما حدا بأمراء المماليك إلى رفع المظالم وتوقيع عهد أو حجة وقع عليها أمراء المماليك ومنهم مراد بك وإبراهيم بك.
وقد كان لعلماء الجامع خاصة الشيخين مصطفى الصاوى وسليمان الفيومى دور فى التوسط الذى حدث بين نابليون بونابرت وأهل القاهرة لتأمين المدينة قبل دخول الفرنسيين.
كما كان لعلماء الجامع دور كبير فى تعضيد حكم محمد على باشا، وتزعم الشيخ عبد الله الشرقاوى الحركة الشعبية لخلع محمد خورشيد باشا وتنصيب محمد على باشا مكانه فى صفر 1220ه/ مايو 1805م، وبرز دور علماء الجامع فى التصدى لحملة فريزر الإنجليزية على مصر سنة 1222ه/ 1807م واستطاعوا شحذ همم الشعب المصرى للجهاد وتقديم المعونة لقوات محمد على باشا المتجهة لصد الإنجليز فى مدينة رشيد، وكان لبعض علماء الجامع دور كبير فى دعم أحمد عرابى باشا فى ثورته ومقاومته للإنجليز الذين استعان بهم الخديو لتثبيته فى الحكم، ومنهم الشيخ شمس الدين محمد الإمبابى شيخ الجامع والشيخ حسن العدوى والشيخ محمد عبده الذين اعتبروا الخديوى محمد توفيق مارقًا عن الدين وأجازوا عصيان أوامره ودعوا إلى التطوع فى الجيش المدافع عن مصر وتقديم التبرعات له.
ومع قيام ثورة 1919م/ 1338ه تقدم علماء الأزهر وطلابه جموع الشعب المصرى، وأصبح الجامع الأزهر مركز الثورة، حيث تلقى فيه الخطب المحرضة النارية ليلاً ونهارًا حسبما تشير مذكرة وكيل وزارة الخارجية البريطانية حول أحداث الثورة، ولم يتورع جنود الاحتلال البريطانى من انتهاك حرمة الجامع الأزهر كما فعل الفرنسيون؛ ففى صباح يوم 18 ربيع الأول 1338ه/ 11 من ديسمبر 1919م تحركت مظاهرة من الجامع الأزهر غير أن الجنود الإنجليز طاردوا المتظاهرين حتى بوابات الجامع الأزهر، فاحتمى الثوار بالجامع فقام الجنود الإنجليز باقتحام الجامع بنعالهم وعصيهم منتهكين حرمة الجامع واعتدوا على إدارة الجامع والموظفين وحاولوا كسر الباب الموصل إلى القاعة المخصصة لشيخ الجامع الأزهر، ثم صعدوا إلى الدور الأعلى من الرواق العباسى وكسروا باب غرفة رئيس الحسابات، وقد أرسل مشايخ وعلماء الجامع رسالة شديدة اللهجة إلى السلطان أحمد فؤاد الأول وإلى يوسف وهبة باشا رئيس مجلس الوزراء آنذاك والجنرال اللنبى المندوب السامى البريطاني، والذى سارع إلى تقديم اعتذار رسمى لشيخ الجامع الأزهر جاء فيه «لكم أن تثقوا بأنه لم يقصد البتة انتهاك حرمة الأزهر ولا التعدى على كرامة فضيلتكم أو السادة العلماء أو الطلاب المسالمين»
مواقف مشهودة
وعن دور الأزهر يقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن الأزهر مواقفه لمشهودة عبر التاريخ، فهو يحمل رسالة الإسلام وله رسالته العالمية المستمدة من عالمية الإسلام.
وأضاف أن الأزهر تميز عبر مشوارة الطويل الممتد لأكثر من ألف عام بالوسطية والاعتدال، وذم التعصب لمذهب دون الآخر، ونشأ منذ اللحظة الأولى على مذهب أهل السنة والجماعة، كما احتضن بين أروقته تلاميذ وطلاب علم من كل ربوع الدنيا، موضحا أنه ومازال إلى وقتنا هذا يحمل رسالة الوسطية ويحارب التشدد والمتشددين وتابع د. عمر هاشم أن الأزهر فى الوقت الأخير وفى ظل الظروف التى تمر بها البلاد، يمثل القيادة الدينية والأخلاقية للأمة الإسلامية، ليس على مستوى مصر وحدها، بل على مستوى العالم، مشدًدا على ضرورة أن تصان رسالة الأزهر وأن يكون يكون محل تقدير من كل الأطياف، كما هو دائما منذ نشأته وحتى الآن وهذا يبدو واضحا فى مواقف شيوخه الذين تقوالوا عليه.
أما الدكتور عبد المقصود باشا رئيس قسم التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر فوصف الأزهر الشريف بأنه قيمة وقامة.. ومكان ومكانة... فكان شيخوخه الأجلاء أجلّ من الملوك مهابة.
وحول مواقف شيوخ الأزهر عبر التاريخ أكد أنها كانت دائما لارضاء وجه الله، فلم يحاب شيخ للأزهر يوما لحاكم، وها هو الشيخ المراغى ففى عام 1939 وقبيل أندلاع الحرب العالمية الثانية قال الإمام الجليل من فوق عبر الجامع الأزهر «نحن مقبلون على حرب لا ناقة لن فيها ولا جمل»، وانتفضت بريطانيا العظمى، واتصل المندوب السامى لامسبون بحسين باشا سرى رئيس الوزراء، يعنفه بسبب تصرف الشيخ المراغى.. واتصل سرى باشا بالشيخ فانفجر فيه قائلا: «أمثلك ياسرى يهدد شيخ الأزهر.. والله ياحسين لو ارتقى المراغى منبر الحسين لجعلك بعد ساعة بين أقدام الناس»، ليس هذا فحسب فهناك أيضا موقف الشيخ الدردير - رحمة الله عليه - قبيل مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر، حيث أجبر المماليك حكام مصر على احترام مقدرات الشعب.. «فقد ثارث مسألة فى خلاف على وقف.. ولم يكن للمسألة فى ذاتها خطر خاص بل كان القصد منها نضالا على مبدأ شرعى.. وهو أن رجلا من أفراد الشعب، وأحد كبار الأمراء اخصهما ولوح الأمير باستخدام القوة.. لكن الشرع والشيخ الدردير حكم للرجل الضعيف.. فأبى الأمير الإذعان للحق، فلم يتردد شيخ الأزهر، فى الثورة على الأمير، ونزل العلماء إلى شوارع القاهرة وأغلق الناس حوانيتهم، وأوشك الأمر أن يؤدى إلى فوضى شاملة فجزع عقلاء الأمراء. واجتمعوا وتشاورا ولاموا الأمير.. فأذعن عن لرأى شيخ الأزهر.. واضطروه إلى أن يكتب صلحا رسميا تعهد فيه الجميع على القضاء بالشرع.
وتابع أشار التاريخ الإسلامى إلى أن مواقف ووقفات الأزهر وشيوخه لا تنتهى حيث نذكر أيضا أن الأزهر كان موئلا لطلاب العلم من كل أنحاء العالم الإسلامى، يقوم بالصرف عليهم من الأوقاف فقام الأمير يوسف الكبير بمنع الأوقاف الخيرية عن طلبة العلم من المغاربة فرفع الطلاب شكواهم إلى القاضى - الأزهر - فحكم لهم ضد الأمير الكبير، لكن لم يذعن للحكم، فكتب الشيخ الدردير إلى الأمير يوسف يطالبه بالخضوع لقرار القاضى، فرفض وأظهر الاحتقار عن حمل رسالة شيخ الأزهر، ووصل الأمر للشيخ الذى اجتمع مع طلابه فى صحن الأزهر، فأوقفوا الدرس - والآذان وأغلقوا أبواب الجامع الأزهر، وحبس المشايخ الكبار بالقبلة القديمة - التى بناها المعز الفاطمى - وصعد صغار الشيوخ على المنارات والمآذن يكثرون من الهتاف والدعاء على الأمراء، وكانت وقفة عصيبة رجع فيها الحق إلى أصحابه، على أيدى علماء الدين وعلى رأسهم شيخ الأزهر الشيخ دردير.
وإذا خطونا مع التاريخ خطوات.. والكلام على لسان د. باشا - لنا أن نذكر ما حدث مع الشيخ الجليل محمود فايد عقب هزيمة 1967، حينما طالب بمحاكمة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى ما كان منه إلا أن أصدر قرارا بعزل الشيخ فايد، وحاول بعض العلماء التدخل لدى رئيس الدولة فاشترط أن يحضروا من الشيخ التماس بذلك.. فذهب إليه الدكتور عبد الحليم محمود - وكان وقتها أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وعرض ما طلبه عبد الناصر على الشيخ لكنه رفض... وقال أنا طالبت بمحاكمته ولم أطالب بإدانته.. وفى محاكمته تنكشف الحقائق بالإدانة أو التبرئة، ثم قال الشيخ: عندما أخبرت بعزلى عبر الهاتف صليت لله ركعتين، ودعوته «اللهم أرزقنى وأنا من اليوم عبد خالص لك».. ولقد استجاب لى ربى وأراحنى من الذهاب والإياب، ولدى مكتبة عامرة بالكتب أعكف على مطالعتها.. أنى أقول «قد وسع الله على.. ياربى... لا أذل وأنا عبدك.. عبد العزيز، وأرادوا أن يضعفوننى وقويتنى وأنا عبدك.. عبدالقوى وأرادوا أن يفقروونى فأغنيتنى لا أفتقر وأنا عبدك... عبد الغنى»... ونذكر أيضًا أنه حينما كتبت نقيب الصحفيين» أنا أعارض الزكاة الجبرية» هاجمه الشيخ فايد بشدة وقال عنه «إنه لم يقرأ عن الزكاة كما وردت فى كتب المسلمين» فقام نقيب الصحفيين بارسال خطاب إلى الشيخ يثنى على ما قيل ويظهر تراجعا عن رأيه.
وشيخ الأزهر عبد المجيد سليم فقد كان جريئًا فى قول الحق.. لم يرضى عن تصرفات الملك فاروق وانتقده وأنه كثير السفر إلى كابرى ونابولى وقبرص، ويصرف الكثير فى حين كان يضن على الأزهر فقال «قولته الشهيرة تقصير هنا وإسراف هناك»، والشيخ أبو زهرة الذى اختلف مع الرئيس جمال عبد الناصر وخالف فى ميثاقه.
وللشيخ عبد الحليم محمود مواقفه، فحين عاد من فرنسا كان يرتدى «البدلة» الأفرنجية.. فتهكم عليه عبد الناصر فخلع الملابس الأفرنجية، وارتدى الزى الأزهرى.. وحينما حاول السادات تقليص دور شيخ الأزهر تقدم عبد الحليم محمود باستقالته، وانتفض العالم.. فما كان من السادات إلا تراجع عن القرار.
والشيخ جاد الحق على جاد الحق الذى رفض قرار الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. وأكد أن القدس إسلامية وخاض شيخنا الجليل معارك شرسة خاصة فى مؤتمر « السكان» الذى عقد عام 1994 ووقف ضد إباحة العلاقات الجنسية الشاذة بين الرجل والرجل والمرأة والمرأة، كل هذا عارضه الشيخ مما جعل توصيات المؤتمر لا تلقى اهتماما.
واختتم د. عبد المقصود باشا إن الأزهر اليوم امتداد لدوره الوطنى على مدار عقود طويلة تزيد على ألف عام، حتى قال أحد المرشحين للرئاسة فى الفترة الأخيرة إن الأزهر هو الوحيد الذى استطاع توحيد صف القوى داخليًا وخارجيًا وهو ملاذ كل مصرى.
وقال الشيخ عبد الغنى هندى منسق حركة استقلال الأزهر، لابد أن نفرق بين السياسة والدور السياسى بمعنى الوصول إلى استباق سياسى، وبين الدور الوطنى.. مؤكدًا أن الأزهر لم يسع قط إلى سلطة بل يسعى دائما لمصلحة الوطن، ويقوم بدوره من هذا المنظور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.