عشرات القصص دارت على أرض الفيروز، أبطالها سطروا أحداثها بدمائهم ما كان يعنيهم أن يذكرها التاريخ فى صفحاته أو يختزلها فى كلمات أو لربما أغفلها. تتجدد ذكرى النصر الملهم الذى فتح آفاق تحرير الأرض والعرض وكان لقاء “أكتوبر” مع أحد الأبطال الذين أطلق عليهم (أكلة الدبابات أو أكلة الحديد) إنه البطل اللواء عبدالجابر أحمد على قائد الكتيبة 35 فهد، وهى المخصصة للصواريخ المضادة للدبابات بالجيش الثانى فى القطاع الأوسط. يبدأ اللواء عبد الجابر قائلًا: مصر يمكن أن تمرض لكن لا تموت.. وهناك ثلاثة أشياء حدثت بعد الهزيمة فى عام 67 أولها: معركة رأس العش التى صمدت فيها قوات الصاعقة التى كبدت القوات الاسرائيلية خسائر ضخمة، ولم يمر أسبوعان على النكسة. ثانياً: ضربة الطيران التى قام بها الفريق مدكور أبو العز يوم 14 يوليو وقبل مرور شهر على النكسة. ثالثاً: تدمير المدمرة إيلات أمام شواطئ بورسعيد بصواريخ مصرية أذهلت العالم ثم تدمير ميناء إيلات بواسطة الضفادع البشرية. هذه القوات المتنوعة مثلت الركيزة الأساسية للقيادة العامة للقوات المسلحة لتستعيد بها أرض سيناء. وعند بداية حرب الاستنزاف فى عام 69 كنا بدأنا نشعر أن العدو الذى كان مصورا أنه لا يقهرأكذوبة وعلى النقيض تتلاشى الفكرة التى رددوها أننا جثة هامدة لن تستوعب الأجهزة الحديثة ولن تواجه الآلة الإسرائيلية. وفى صمت شديد بدأ الإعداد للمعركة وركيزته الأساسية، لابد أن نفاجئ العدو وأعدت القوات المسلحة أكثر من مفاجأة للعدو، الساتر الترابى تم عمل ثغرات فيه لعبور الدبابات والمؤن والمعدات الثقيلة. وبدأت الأفكار العملاقة للعبور أهمها نظرية إزالة الساتر الترابى الهائل بخراطيم المياه، وكانت بالجهود العادية تستلزم الكبارى العادية نحو 18 ساعة لكن تم اختصارها الى فترة 6 إلى 8 ساعات وأحيانًا 4 ساعات هذه المفاجأة صدمت العدو وأربكت حساباته. ثم جاءت مفاجأة خراطيم النابالم التى استطاعت القوات الخاصة غلقها وكانوا يعتقدون أنها ستحرق الجنود فأحرقنا خططهم بالتدريب والاعداد، ومن كان يستشهد كان سعيدا بخطوات النصر التى بدأت تلوح فى الأفق. وجاء دور صواريخ الدفاع الجوى التى تتعامل مع الطيران وكبدته خسائر ضخمة. أما موجات جنود المشاة فكانت مهمة جداً فلحظات العبور الأولى كانت حاسمة وفيصلية، كيف نعبر بالجنود ونتعامل مع الدبابات وجهًا لوجه، وهنا جاء دور الصواريخ المضادة للدبابات (مالوتيكا) وهو من صناعة روسية ومداه 3 كيلومترات من الجيل الأول يواصل اللواء عبد الجابر حديثه قائلًا:«وهذا يعنى الاعتماد كليًا على الفرد وتدريبه وهى درجة الصعوبة كيف نعد فرد لمواجهة دبابة؟ هذه من أهم المفاجآت التى أذهلت العدو فهم يعرفون اننا نملك الصواريخ لكن لم يتخيلوا المهارة التى وصل اليها الجندى المصرى فى استخدام السلاح وتلك كانت نقطة فارقة فى الحرب، وأرى أن هذا الصاروخ من أسباب قلب الموازين فى الحرب وسبب خسائر هائلة للعدو. واستطاع الجندى المصرى أن يسجل اسمه بحروف من نور فى سجل البطولات العالمية أسماء لاتنسى من صائدى الدبابات والتى أطلق عليها جمال الغيطانى أكلة الدبابات وكتبت عن بطولاتها كتاب بنفس الاسم فيه قصص حصدنا ل 140 دبابة إسرائيلية والتدريب كان قاسيًا جداً والسرية لم تكن فى السلاح بل فى كيفية استخدامه ومدى الكفاءة التى وصل اليها الجندى المصرى. فالجميع كان يتسابق فى حصد الدبابات الاسرائيلية وعلى رأسهم محمد عبدالعاطى ابن الشرقية الذى دمر 23 دبابة و3 مجنزرات ومنها مدرعات اللواء 190 وقائده عساف ياجورى الذى تم أسره. وعن اصعب المعارك التى واجهها قال: المعركة التى دارت على أرض قرية الجلاء مساء السادس من أكتوبر، وكان ذلك أثناء إنشاء الكبارى وممرات العبور للقناة.. حيث قامت دبابات العدو بقذفها وجاءت الأوامر بالتحرك 3 كم شمال القناة للتعامل معها.. وفوجئنا بشرك خداعى إذ حاصرتنا 6 دبابات إسرائيلية فى شبه دائرة تبادلنا وقتها إطلاق النار لحين تجهيز المدفعية لصواريخها وتم إبلاغ قائد المدفعية وقتها بأن الصواريخ لا تعمل إلا على مدى 300 متر فى حين تحاصرنا الدبابات على بعد أمتار محدودة لن تصل إليها القذائف.. فقام بإضاءة أرض المعركة للتشويش على رؤيتها مما جعلها تتفرق وتبتعد لمدى يسمح للصواريخ بالوصول إليها وسميت تلك المعركة بمعركة «قرية الجلاء». ويواصل اللواء عبد الجابر حديثه عن أحداث المعركة ومواقفها الانسانية التى لا تنسى قائلًا: عبده عمر لاعب كرة (حارس مرمى) قصة استشهاده تشبه كثيراً قصص الميلودراما التى كان يجيد تجسيدها فى المسرحيات التى تقدم على الجبهة للترفيه عن الجنود.. والتى كان يشرف عليها أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية وتتبع إدارة الشئون المعنوية.. المسرحيات من هذا النوع تتناول البطولة على الجبهة فكان المشهد الأخير له على المسرح هو سقوطه شهيداً حاملا علم مصر وهو يردد تحيا مصر تلك أيضاً كانت خاتمته عندما تمت محاصرته هو وزملائه مجموعة من دبابات العدو ولم يكن فى حوذتهم سوى أسلحة خفيفة لا تصلح للتعامل مع الدبابات فما كان منه إلا أن حمل قنبلة يدوية وقفز فوق برج إحدى الدبابات وفتحه وألقى القنبلة بداخله أثناء ذلك أمطرته الرشاشات بكم هائل من الرصاص واستشهد وقتها رافعًا العلم وهو يهتف تحيا مصر، هتافه أشعل الحماسة فى قلوب زملائه ودفعهم لفعل المثل مما جعلهم يتخلصون من دبابات العدو ويستعيدون الموقع. ومن أرقى قصص التضحية قصة استشهاد جعفر البيومى وصبحى يعقوب مسلم وقبطى من نفس الكتيبة عند منطقة تبة (الطلية) حيث اشتبك أفراد الفصيلة مع العدو وأثناء القذف تنبه جعفر وصبحى لالتفاف إحدى الدبابات الإسرائيلية حول الموقع لتضربهم من الخلف فسارع كلاهما لإنذار الآخر وأثناء تحركهما أطلقت الرشاشات الإسرائيلية النار عليهما وماتا كلاهما فى منتصف الطريق يحتضن أحدهما الآخر. وعن أحداث الثورة المصرية فى 25 يناير و30 يونيو يقول اللواء عبد الجابر شباب مصر دائماً يفاجأ العالم بقدراته وقد قام بثورة نقية طاهرة زلزلت النظام القديم دون استخدام عنف أو قسوة وانحازت له القوات المسلحة وحمته من الغدر والبطش يومها لم نعرف أحزاب ولا تكتلات ولا أجندات داخلية ولا خارجية، فالثورة كانت صورة أخرى من نصر أكتوبر، لا فرق بسبب دين أو عرق أو حزب أو تيار ونحن الآن أحوج ما نكون الى الاجتماع على هدف واحد هذه هى ثورة 25 يناير. وعن القوات المسلحة اليوم ودورها يؤكد اللواء عبدالجابر قواتنا المسلحة دخلت اليوم مجال الإنتاج وأصبحت من أهم المنتجين الذين نعتمد عليهم فى حياتنا وعلى مشروعاتها التى تدر الدخل للبلاد وليست مستهلكة فهى تسعى جاهدة لتحسين مستوى الفرد فالقوات المسلحة أنديتها ومستشفياتها ومنافذها الإنتاجية تخدم كل الشعب. وبالتالى ليس هناك انفصال بين الجيش والشعب، ولم تفكر القوات المسلحة فى رفع بندقية على أى فرد رغم الانفلات والاستفزاز، فليحذر الشباب من محاولة الوقيعة مع القوات المسلحة التى أعلنت أنها ملك للشعب، ولا يمكن أن ترفع سلاحًا فى وجه أى فرد من الشعب. ?