تذكرنى ماسورة الأغنيات الوطنية التى انفجرت بعد نجاح أوبريت «تسلم الأيادى» بسبوبة الأوبريتات التى ابتلينا بها طوال سنوات حكم الرئيس المخلوع مبارك، والتى تعودنا خلالها على مشاهدة أوبريتات وطنية ينفق عليها ملايين الجنيهات من مال الشعب المطحون ليتم عرضها وإذاعتها لمرة واحدة غالبا أمام الرئيس بمناسبة الذكرى السنوية لنصر أكتوبر. والحقيقة أنه لم يبق شىء فى ذاكرة ووجدان الناس من تلك الأغنيات و الأوبريتات الوطنية «المعلبة» والمصنوعة بدون روح أو حماس، بل أصبح بعضها مثالا للتندر والسخرية مثل «اديها كمان حرية»، و«اخترناك» وغيرهما من الأعمال السخيفة التى فرضوها علينا وتم قصرها على اثنين فقط من الملحنين هما الراحل عمار الشريعى وجمال سلامة، واثنين من الشعراء وهما الراحل عبد السلام أمين والشاعر عبد الرحمن الأبنودى. ومن حسن الحظ فقد استطاعت ثورة 25 يناير، قبل أن تبدأ حملة تشويهها وتخوين رموزها لصالح ثورة 30 يونيو، أن تعيد لنا من بين ما أعادت من أشياء جميلة كدنا ننساها فى زمن الغناء أغنيات الوطن الحقيقية، وعلى رأسها «أيقونة» يا حبيبتى يا مصر غناء شادية ولحن بليغ حمدى وكلمات محمد حمزة، وغيرها من أغنيات ثورة يوليو التى غاب كل شىء فيها، وبقيت فقط أغنياتها.. وإبداعات باقة المبدعين العظام.. صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم و الموجى وكمال الطويل وعبدالحليم حافظ الذى ارتبط صوته بصوت الثورة، وأصبح المعادل الغنائى لعبد الناصر. والغريب أن الأجيال الجديدة تحب هذه الأغانى وتحفظها عن ظهر قلب رغم أنها لم تعايش أحداث الثورة، ولم تعش انتصاراتها وانكساراتها.. ومن يتصفح المواقع الموسيقية على شبكة الإنترنت، سيتأكد من هذه الحقيقة.. ويجد شبابا أقل من العشرين يبحثون عن «صورة»، و«قلنا هنبنى وأدى احنا بنينا السد العالى» وغيرها من الأغنيات الصادقة الجميلة. وقد أعاد إلينا شباب ثورة التحرير متعة الاستماع لأغانى الثورة التلقائية التى عاشت كل هذه السنوات، فى الوقت الذى نسينا فيه عشرات الأغنيات والأوبريتات التى تم تقديمها بعد ذلك على طريقة «السبوبة»، وانمحت من وجدان الناس ومن ذاكرتهم، لأنها لم تخرج من القلب.. ولم تعبر عن حالة حقيقية. وأغنية واحدة مثل «وأنا على الربابة باغنى» أفضل وأقوى تأثيراً من عشرات الأغنيات الوطنية المسلوقة، ونشيد وطنى واحد مثل «بلادى.. بلادى» يكفينا، ولابد أن يحفظه أولادنا، ويرددوه فى كل مناسبة.. فلا يزال وجداننا يهتز ودموعنا تسيل وأحاسيسنا كلها تتحرك، ونحن نردد هذا النشيد.. ولا يزال تأثيره باقيا بعد أكثر من 90 سنة على تلحين العبقرى الراحل سيد درويش له، ليغنيه حباً فى الزعيم سعد زغلول، وعشقاً فى مصر.. فالغناء الوطنى جميل ومؤثر فقط حين يكون صادقاً ونابعاً من القلب، ومتسقاً مع الحدث.. أما أغنيات «النحت» فلا تعيش، ولا تبقى فى ذاكرة الشعب