بدأت أفراح الأنجال فى منتصف يناير 1873 واستمرت 40 يوما متتالية وهى أربعة أفراح استمر كل منها عشرة أيام، أقامها الخديو إسماعيل احتفالا بتأهيل ثلاثة من أنجاله هم محمد توفيق وحسين كامل وإحدى كريماته هى الأميرة فاطمة. كانت هذه الأفراح الأربعة ترجمة للبذخ والمغالاة فى الإسراف والاستهانة بأموال الدولة كما حدث عند استضافة أوجينى ملكة فرنسا بمناسبة افتتاح قناة السويس وإنتاج أوبرا عايدة لتفتتح بها دار الأوبرا المصرية. أقيمت الأفراح فى حى المنيرة ومنها انطلقت الأجواء الموسيقية إلى أهم ميادين القاهرة. واجتازت مواكب «الشوار» شوارع القاهرة تتقدمها الموسيقى والزغاريد. وأقيم سباق فى العباسية معظم فرسانه من السود بملابس حمراء أما البوفيه فكان شديد الفخامة إذ فاقت أصناف مأكولاته ومشروباته فى التنوع والتعدد كل ماسبق ظهوره فى أى بوفيه سبق أن أقامه الخديو حتى ذلك الحين . وأقيم مرقص فخم فى قصر الجزيرة دعى إليه ما بين أربعة وخمسة آلاف مدعو أجنبى ومن أعيان البلد. وأضيئت الطرق من سراى عابدين حيث يقع القصر العالى إلى سراى الجزيرة بالفوانيس المصنوعة من الورق المزخرف. وأقيمت السرادقات الفخمة أمام القصر العالى ودعى إليها كبار المطربين والمطربات وأشهر العوالم والراقصات لإحياء ليالى الفرح داخل القصر وخارجه وانتشرت فرق الحواه والبهلوانات وعازفو الطبل البلدى حول هذه السرادقات . وتم تكوين فرقة موسيقية حريمى من 40 عازفة تقدم فنها فى الحرملك لتحية المدعوات. وارتدى أعضاء هذه الفرقة الحريمى ملابس حريرية موشاة بالقصب و الأحجار الكريمة. أما جوارى الحرملك فقد ارتدين ملابس رجالى ووقفن صفوفا كالحجّاب. وتبارى شعراء ذلك الزمن وعلى رأسهم إسماعيل صبرى ومحمود سامى البارودى والمشايخ على الليثى وعثمان الجندى ومحمد الدرويش أما الغناء فلم يشارك فيه من المطربات إلا ألمظ والوردانية ونزهه بالإضافة إلى العوالم والغوازى اللائى شاركن بالرقص والغناء إياه. فالأفراح أحياها نجوم الطرب الرجال وهم عبده الحامولى ومحمد عثمان ومحمد عبد الرحيم المسلوب ومحمد الشلشمونى وأحمد صابر ويوسف المنيلاوى وعبد الحى حلمى خال المطرب صالح عبد الحى الذى توهجت مواهبه فيما بعد. كان الغناء فى القرن التاسع عشر بصفة عامة كما وصفه المويلحى أقرب إلى التهريج والسوقيه منه إلى الفن، فالمغنيون نشأوا فى أمة يرى معظم أهلها أن الغناء من سافل الصناعات وممارسته حطة ونقصان الهدف من ممارسته هو الكسب والارتزاق مثل أية صنعه أخرى ولايهمهم جمال الصنعة وجلالها. وغفلوا عن لذة الفن وأدبه. أما جمهور السميعة أو هيئة السامعين. فعلى اليمين جماعة من الأعيان والتجار تراهم مشتغلين برقابة كل داخل وخارج عساهم يخطون بإشارة تحية أو إيماءة عطف. فهم يقضون الليل فى سلام وقيام للتزلف للكبراء والحكام. ولاينقطع حديثهم عن التفاخر بمعارفهم والتباهى بأقدارهم. وعلى اليسار خليط من القضاة والمحامين لاينتهون أبدا من المناقشة عن صنوف القضايا والدعاوى شجع الحكام الفاطميون الإقبال على كل ألوان الرقص والغناء. وصحيح أنه لم تصلنا تسجيلات لهذا الغناء نظرا لأن الفونوغراف الذى أدخل التسجيلات والأسطوانات إلى مصر لم يكن معروفا حتى الربع الأول من القرن العشرين. لكن الكلمات المغناه حسب ما جاءت به كتب التاريخ الفن، والسياسة أحيانا تؤكد أن الغناء بصفة عامة لم يكن فيه ما يستحق أن يحتفظ المصريون به، خاصة ما كانت تغنيه النساء فى الأفراح والليالى الملاح. فلا هدف منه إلا الترفيه وبعض المجتمع كانت نظرته دونية للمغنية والغازية والعالمة ولم يكن يرجى منها إلا التسلية البريئة أو غير البريئة ولذلك فإن معظم مطربات النصف الثانى من القرن التاسع عشر لم ترتقين إلى ترشيحهن للغناء فى أفراح الأنجال وقد شارك فيها كل من هب ودب، صاحب موهبة أو واخدها أكل عيش.