فى زمن خصم فيه المسلمون 60% من المبشرين بالجنة ، فصاروا أربعة بدلا من عشرة ، وسمحوا بتجسيد الفضائيات المنفلتة لهؤلاء المبشرين الأولياء والصحابة جريا على عادة الغرب فتجسد - من عشنا دهرا نحرم نحن المسلمين تجسيدهم - على جمهور المشاهدين فتوهمناهم بلحمهم وشحمهم صحابة وأنبياء ،فضاق المثال فى مساحة الرؤيا بعد أن كان الخيال لاحدود له وصاروا يهدمون فى هذا البناء العضوى المتكامل الذى يتأبى على التجزئ والتفريق وعن سائر الأوصاف والتصنيفات الطارئة تاريخيا التىأقحمت عليه ومصطلحات الصراع البشرى بين ما يسمى: الديمقراطية والثيوقراطية والليبرالية والامبريالية والسياسى والمدنى كما قال العالم الراحل د. يحى هاشم ، ونضيف عليه أنه جريا على مودة العولمة جاء من يبشرنا بالإسلام الليبرالى، والإسلام العلمانى وإذا ما وصلنا إلى هذا الحال من الجهل بالإسلام عقيدتنا وحصننا وديننا ودنيتنا ، فلا أعتقد أن تدهشك تصريحات العلمانيين وأفكارهم من عينة أحنا كدابين مصر مش متدينة مصر علمانية بالفطرة هذا الكلام الذى ضبط به حلمى النمنم متلبسا بباطل ثم عاد لينكره فى مداخلة على قناة «أون تى فى» كذّب فيها أسماعنا وحاول أن يهرب من قناعاته فى تأويلات مسيلمة وليس تأويلات ابن عباس. (1) وفى توضيح ما قاله النمنم دعونا نتجاوز معركته مع الإخوان والسلفيين وتجاوزه اللفظى فى حقهم لأنهم أحق بالرد عليه، أما ما لا يمكن أن نتجاوز عنه فهو ألفاظه المعبرة عن أفكاره التى تخص ما يزيد على 90% من المصريين الموحدين بالله وكتبه وملائكته ورسله. وألفاظ النمنم تعكس أفكاره.. وأفكاره لا تعدو عن أن تكون أفكار فصيل ضئيل مع اعترافنا بوجوده فهو لا يزيد بأى حال من الأحوال على عدد المنخرطين تنظيميا فى جماعة الإخوان المسلمين الذين رأى فيهم البعض خطرا على مصر، فإذا ما اعتمدت هذه المقارنة يمكن أن تضيف إليها أن أفكار فصيل النمانم المتطرفة فى الاتجاه المضاد هى أقل تأثيرا فى المصريين على الرغم من سيطرتهم على وسائل الإعلام، وأفراد هذا الفصيل أجبن من أن يعلنوا صراحة عن تلك الأفكار لأنها تتصادم مع عقيدة المصريين وإيمانهم الفطرى، لذلك تراهم يراوغون فى باطلهم وليس الحق فيقولون مثلا أن العلمانية لا تحارب الدين ولا تخاصمه دون أن يقولوا لجمهورهم ماهى العلمانية وماهو الدين، لأن غالبهم يجهل هذا وذاك، وهكذا كان الجهلاء فى عصر ما قبل النبوة عصر الجهالة فلم تكن جهالة من بعث فيهم الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا جهالة دينية . والشعب المصرى على الرغم مما يعترى منظومته العقيدية والأخلاقية من ضعف الآن إلا أنه بالفعل شعب متدين وموحد بطبعه وفطرته وليس كما قال الفقيه النمنم يعبر عن فكره المشوش:«أحنا بنكدب ونقول مصر دولة متدينة بالفطرة لأ مصر بلد علمانى بالفطرة» أو كما حاول أن يصور أننا مقبلون على حرب أهلية بين فصيله المتنور والباقين من غير المتنورين ممن لا ينخرطون فى البلد العلمانى بالفطرة، وأنا أؤكد للنمنم أن المصريين لن يتقاتلوا ولن تراق دماؤهم لفرض العلمانية واتخاذها أسلوب للحياة، كما حاولت أن توحى فى كلامك فافعل أنت أن شئت، وأؤكد لك ولكل من يقرأ هذا، أن المصريين ليسوا شعبين كما يحاول أن يصورهم فصيل النمانم فى وسائل الإعلام التى يسيطرون عليها ويوحون من خلالها إلى الداخل المصرى. (2) وأما أن مصر شعب واحد فهذه قاعدة ثابتة فى حياتنا لا ينفيها استثناء فئة نخبوية بائسة لا تؤمن بوجود خالق وأديان أو ترى فى أحسن تقدير الله مجرد مهندسا للكون يسكن فى عليائه وليس له علاقة بما يدور على الأرض التى يدبون عليها دبيب الأنعام وهم أضل سبيلا. ولأنهم يعانون القلق فى غياب اليقين الإيمانى وعدم إدراك المعنى الحقيقى لحقائق الكون وماوراء الطبيعة، وفى بحثهم عن مخدر لضمائرهم ينكرون حقيقة الأديان ووظيفتها يستوى فى هذا الإسلام والمسيحية ويستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير فيذهبون يتوسلون ويتسولون أو قل يقتاتون على فضلات الفكر الغربى وإفرازاته غير مدركين أن هذه الإفرازات ليست هى صانعة الحضارة الإنسانية كما يروجون، ولكن المنهج المنضبط فى السلوك والتعاطى مع حقائق الدنيا هو الذى صنع هذه الحضارة وهى أمور ليست بعيدة عن الإسلام بل هى من صميم تعاليمه وقيمه عندما طبقها المسلمون قبل الغرب صنعوا حضارة وسادوا العالم، وأسسوا لحضارة الغرب الحالية التى أذهلت عقول النمانم فأنستهم الخالق الذى خلق الإنسان مبدع هذه الحضارة . (3) .. ما هى العلمانية يا نمنم؟! هلا أوضحت لنا ما عندك أم ننقل نحن للناس مفهومها عند أربابك وأربابها؟!. دون إغراق فى التاريخ والجغرافيا فالعلمانية - نقلا عن الموسوعات الغربية - فى مرحلة ما بعد الحداثة وأفكار الانتصار النهائى لحضارة الرأسمالية ونهاية التاريخ، فالأطر العامة للعلمانية فى هذه المرحلة هى أن الاستهلاك أصبح هو الهدف النهائى من الوجود ومحرك هذا الوجود الحرية واللهو والتملك، بعد اتساع معدلات العولمة وتضخم مؤسسات الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتحول القضايا العالمية من الاستعمار والتحرّر إلى قضايا المحافظة على البيئة والمساواة بين المرأة والرجل، وبين الناس وحماية حقوق الإنسان ورعاية الحيوان وثورة المعلومات. ومن وجهة أخرى ضعفت فى المجتمعات الصناعية المتقدمة مؤسسات اجتماعية صغيرة بطبعها مثل الأسرة، بسبب الإسهاب فى مسألة المساوة بين الرجل والمرأة، وظهرت بجانبها أشكال أخرى للمعيشة العائلية مثل زواج الرجال أو زواج النساء، وزاد عدد النساء اللاتى يطلبن الطلاق فشاعت ظاهرة امرأة وطفل أو امرأتان وأطفال، كل ذلك مستنداً على خلفية من غياب الثوابت والمعايير الحاكمة لأخلاقيات المجتمع والتطور التكنولوجى الذى يتيح بدائل لم تكن موجودة من قبل. ألا ترى يأخ نمنم أن كل ماسبق يصب فى خانة التفلت من الدين الذى تنادى بفصله عن الدنيا ؟ وفى أوساط النخب المصرية العلمانية هناك نكتة يسأل فيها شخص آخر : هل تشرب الخمر فيجاوبه الآخر: لا، هل تعرف نسوان.. لا، لا تشرب الخمر ولا تعرف نسوان إمال عايش ليه؟! ههههه. نعم هذه هى دنية العلمانى وآخرته فلماذا تزعجه وتقول له حلال وحرام. (4) وفى موسوعة ويكبيديا أن الفيلسوف اليهودى الملحد إسبينوزا كان أول من أشار إليها (العلمانية) إذ قال أن الدين يحوّل قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية، فهو يرفض اعتماد الشرائع الدينية مطلقًا مؤكدًا إن قوانين العدل الطبيعية والإخاء والحرية هى وحدها مصدر التشريع.باروخ سبينوزا عاش فى هولندا أكثر دول العالم حرية وانفتاحًا آنذاك ومنذ استقلالها عن إسبانيا، طوّر الهولنديون قيمًا جديدة، وحوّلوا اليهود ومختلف الأقليات إلى مواطنين بحقوق كاملة.. كلمة السر فى أصل الحدوتة هى اليهود وفلاسفتهم الذين بحثوا ثم بحثوا عن وسيلة لاختراق المجتمعات الغربية التى كانت ترفضهم وتطردهم وتطاردهم بسبب أخلاقهم التى اشتهروا بها فى التاريخ وامتهانهم أحقر المهن من الدعارة والإتجار فى المال (الربا) فحمل مفكريهم الملحدين الذين يتعاطون اليهودية على أنها جنسية وليست ديانة هذه الدعوات التى لاقت قبولا فى الغرب وارث الحضارة الرومانية وقيمها التى تجعل من الإنسان محور الكون وإلهه. فقط قبل أن انصرف اسمع صوتا يصرخ فيقول الحرام هو الفقر والمرض والجهل والظلم، ولهؤلاء لا كلام بعد كلام رب العزة:«قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ». فهل هناك مانع فى أن تعتمد الإيمان وحقائقه أسلوبا للحياة فتتمتع بالدنيا وتدخل الجنة بعد الموت؟