مع حلول شهر رمضان المبارك تكتسى البلدان الإسلامية طابعاً خاصاً يميز الأجواء فيها عن باقى شهور السنة، وهى أجواء تختلف من بلد إلى آخر تبعاً للتقاليد والعادات الموروثة وهو مايجعل رمضان فى كل بلد بطعم مميز ورونق خاص. وتتشابه البلدان المسلمة فى العبادات برمضان مثل الاعتكاف وتلاوة القرآن ولكنها تختلف فى العادات والتقاليد..لذا نتجول خلال الشهر الفضيل عبر سلسلة من الحلقات فى عدد من البلدان الإسلامية إضافة لرصد معالم رمضان فى بعض الدول الأوروبية. ماليزيا من فضل الله تعالى على العالم الإسلامى أن جعل ماليزيا من البلاد الإسلامية، فهى دولة متحضرة إلى حدٍّ كبير، فتتمتع بنموٍ اقتصادى متسارع وصناعات متطورة، إلى جانب المنظومة الاجتماعية والإنسانية بها، ويعتبر المسلمون المجتمع الرئيسى فى هذه البلاد التى تتسم أيضًا بتعدد الأعراق فيها، وللمسلمين الماليزيين العادات والتقاليد الخاصة بهم، والتى تعتبر من التقاليد الشعبية أيضًا؛ نظرًا لأنَّ غالبية أفراد البلاد من المسلمين. يهتم المسلمون الماليزيون بحلول شهر رمضان الكريم؛ حيث يتحرون رؤية الهلال، وتُصدر وزارة الشئون الدينية بيانًا عن بداية الشهر المعظم ويُذاع فى كل وسائل الإعلام وتقوم الإدارات المحلية بتنظيف الشوارع ورشِّها ونشر الزينة الكهربائية فى المناطق الرئيسية. أما المواطنون فهم يبدأون منذ نهاية شهر شعبان الكريم فى شراء حاجاتهم الغذائية وتحضير المساجد لاستقبال المصلين، وتُضاء المساجد، ويعلنون عن حلول شهر رمضان المعظم بوسائل عدة: منها الضرب على الدفوف فى بعض الأقاليم، ويقبل المسلمون رجالاً ونساءً وأطفالاً على الصلاة فى شهر رمضان، ويتم إشعال البخور ورشِّ العطور فى المساجد، ويصلى الماليزيون المغرب ثم يتناولون إفطارهم ويعودون للمساجد من أجل أداء صلاتَى العشاء والتراويح، ويتْلون القرآن الكريم، وتنظِّم الدولة مسابقات حفظ كتاب الله تعالى بين كل مناطق البلاد، وتوزّع الجوائز فى النهاية فى حفل كبير على الفائزين وعلى معلميهم أيضًا. وكثيرًا ما يدخل العديد من أتباع الديانات الأخرى فى الإسلام أثناء احتفال المسلمين بنهاية الشهر الكريم التى يحييها المسلمون عن طريق ختم القرآن الكريم أو يعتنقون الإسلام أثناء أداء صلاة العيد والتى يراها الماليزيون جميعًا مناسبةً عامةً قد تستقطب غير المسلمين لحضورها. ويفطر المسلمون فى منازلهم، والبعض منهم يفطر فى المساجد، ويحضر القادرون بعض الأطعمة التى توضع على بسط فى المساجد من أجل الإفطار الجماعي، وفى المناطق الريفية يكون الإفطار بالدور، فكل منزل يتولى إطعام أهل قريته يومًا خلال الشهر الكريم فى مظهر يدل على التماسك والتراحم الذى نتمناه فى كل أرجاء العالم الإسلامى. ومن أشهر الأطعمة التى تحضر على مائدة الإفطار فى شهر رمضان وجبة «الغترى مندى» والتى تعتبر الطبق الماليزى الأشهر، وكذلك «البادق» المصنوع من الدقيق، وهناك الدجاج والأرز إلى جانب التمر والموز والبرتقال. تنزانيا تعتبر تنزانيا واحدة من الدول الإسلامية القليلة فى الجزء الأسمر من القارة الإفريقية، ويعيش المسلمون فيها كأصحاب بلاد، لديهم العادات والتقاليد الخاصة بهم، ولديهم الحرية الكاملة فى ممارسة شعائرهم، وبالتالى يصطبغ شهر رمضان الكريم فى هذه البلاد بصبغة إفريقية إسلامية. يُعَظِّمُ التنزانيون شهر رمضان ويجلُّونه ويعاملونه بمهابة تتوافق مع جلال هذا الشهر الكريم، فيبدأون الاستعداد له منذ حلول نصف شهر شعبان المبارك، ويكون ذلك عن طريق تزيين الشوارع بالأنوار وكذلك تزيين المحال التجارية والمساجد، وتنشط أيضًا الزيارات العائلية من أجل التحضير للشهر الكريم، ويهتم المسلمون التنزانيون بالصوم؛ حتى إن الصيام يبدأ من سن ال 12 عامًا ويعتبرون الجهر بالإفطار فى نهار رمضان من أكبر الذنوب؛ ولذلك تغلق المطاعم أبوابها خلال أوقات الصيام ولا تفتح إلا بعد صلاة المغرب وحلول موعد الإفطار. وللشهر الفضيل الوجبات المخصصة له، والتى يلجأ إليها التنزانيون من أجل المساعدة على الاستمرار فى الصيام، فهناك التمر وكذلك الماء المحلَّى بالسُّكَّر إلى جانب طبق الأرز الملىء بالسعرات الحرارية والذى يساعد الصائم، إلى جانب الخضراوات والأسماك التى يحصلون عليها من سواحلهم المطلَّة على المحيط. أمريكا الولاياتالمتحدة.. تلك الدولة التى نصَّبت نفسها حاميةً للديمقراطية والعدالة لا لشىء إلا لأنها تحوز القوة المادية والعسكرية، تلك الدولة تُعتبر واحدةً من أكثر الدول فى العالم من حيث التعددية العرقية واللغوية والثقافية؛ لذا لا يشعر المسلمون والعرب فى المجتمع الأمريكى - أو كانوا لا يشعرون - بأنهم أقلية؛ لأنهم ببساطة عبارة عن مجموعة عرقية أو ثقافية تعيش ضمن مجموعات أخرى زادت فى العدد أو قلت، لكن فى الفترة الأخيرة بدأت الجالية الإسلامية فى الولاياتالمتحدة تشعر بأنها مختلفةٌ عن الجاليات الأخرى بعد نشاط الدوائر المعادية للإسلام فى المجتمع الأمريكى لتحفيز أفراده ضد المسلمين. احتفظ المسلمون المقيمون فى المجتمع الأمريكى - سواء من يحملون الجنسية الأمريكية أو غيرهم - بالعادات والتقاليد الإسلامية فى خلال الشهر الكريم، فكل أسرة تحمل تقاليدَ مجتمعها، وتعمل على إحيائها فى بلادِ الغربةِ، فعلى سبيل المثال لا تزال الأُسر تحرص على التجمعِ على مائدةٍ واحدةٍ للإفطار معًا من أجلِ تقوية العلاقات بين جميع أفراد الأسرة والمجتمع الإسلامى هناك عامة، كذلك يشهد الشهر الفضيل إقبال المسلمين غير الملتزمين على الصيام.. الأمر الذى يُشير إلى الدفعةِ الروحية التى يُعطيها الصيام للمسلمين فى داخل وخارج أوطانهم، كذلك تمتلئ المساجد بالمصلين وخاصةً صلاة التراويح، إلى جانبِ تنظيم المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية العديد من الأنشطة التعريفية بالصيام وفضله وبالإسلام عامة، فيتحول الشهر الكريم إلى مناسبة دعوية إرشادية للمسلمين وغير المسلمين. ومن مظاهر تفاعل المجتمع الأمريكى عامة مع الشهر الكريم اهتمام وسائل الإعلام بحلول الشهر، ونشر الصحف مواعيد بدء الصيام، وكذلك نشر المواد الصحفية الخاصة بالشهر من عادات وتقاليد المسلمين وأشهر الأكلات التى تنتشر فى أوساط الجالية الإسلامية، كما يهتم الرئيس الأمريكى بدعوة المسلمين إلى «البيت الأبيض» فى أول الشهر الفضيل كما ينص الدستور الأمريكى على احترام العبادات والأديان كلها دون تفرقة. وعلى مستوى الأفراد بدأ الأمريكيون من غيرِ المسلمين فى التعرُّف على الصيامِ والعبادات الإسلامية.. الأمر الذى يُعطى صورةً عن تقديم المسلمين الأمريكيين نموذجًا جيدًا للدين الإسلامى، وهو ما جعل الإسلام بالفعل الدين الأكثر انتشارًا ونموًّا. إيطاليا لا تعتبر إيطاليا غريبة عن الإسلام؛ فقد خضع بعضٌ منها ذات مرة للسيادة الإسلامية؛ حيث كانت جزيرة «صقلية» تابعة للدولة الإسلامية فى فترة من فترات التاريخ الإسلامى الباهر، ومنها خرج الشاعر والمفكِّر «ابن حمديس الصقلى»، كما أنَّ عادات المجتمع الإيطالى - على الرغم من الطابع الغربى لها - تقترب من عادات المدن الساحلية العربية، مثل مدينة «الإسكندرية» المصرية ومدينة «سوسة»التونسية، بالإضافة إلى تواجد العديد من الجنسيات العربية والإسلامية التى تعيش على الأراضى الإيطالية. ينتهز المسلمون حلول شهر رمضان الكريم من أجل تنميةِ مشاعرهم الدينية وممارسة العبادات الإسلامية خلال الشهر الفضيل؛ حيث يحرص المسلمون على تناول الأطعمة التى تعدها الأسر فى البلاد المسلمة، إلى جانب الحلويات الشرقية التى تشتهر المطابخ الإسلامية وخاصة العربية منها بتقديمها فى شهر الصيام، وهناك الإقبال على حضورِ الدروس الدينية التى ينظمها المركز الإسلامى فى المساجد الإيطالية، إلى جانب استقبال رجال الدين الذين تقوم البلاد العربية - مثل تونس - بإرسالهم إلى الدول غير الإسلامية فى شهر رمضان. وعامةً بالنسبة للمسلم الإيطالى أو المسلم المقيم فى هذا البلد فإنَّ الشهر الكريم يعتبر مناسبةً عظيمة لتقوية الروابط بين المسلمين عامة فى هذا البلاد وبين أبناء الأسرة الواحدة؛ حيث إنَّ إفطار الجميع فى وقت واحد يتيح إقامة موائد الإفطار العائلية والتى قد تضم الأصدقاء أيضًا، وهذه الخاصية تنتشر فى المجتمع الإيطالى المعروف أصلاً بقوة الروابط بين أفراد العائلة الواحدة. اليابان فى اليابان يعيش المسلمون وذلك على الرغم من بُعد المسافة نسبيًّا بين هذه الدولة التى يطلقون عليها اسم «بلاد الشمس المشرقة» وبين الدول الإسلامية، إلا أن فى ذلك دليل على أن الإسلام دينٌ عالمى لا يعترف بأى حواجز جغرافية، وفى هذه البلاد يشكل المهاجرون غالبية المجتمع الإسلامى القليل عدد أفراده؛ حيث يصعب أن تجد مسلمًا من أهل البلاد وإن كان هناك مسلمون يابانيون؛ لذا يمثل شهر رمضان فرصة للمسلمين من أجل ممارسة شعائر دينهم فى أجواء احتفالية تذكِّرهم بالوضع فى بلادهم التى جاءوا منها. تحرص المساجد فى اليابان على فتح أبوابها أمام المسلمين وغير المسلمين خلال شهر رمضان من أجل تعريفهم بالدين الإسلامى، ومن أبرز مظاهر شهر رمضان فى اليابان هو تنظيم مآدب الإفطار الجماعى؛ وذلك من أجل زيادة الروابط بين المسلمين فى هذا المجتمع الغريب خاصة بين العرب الذين يكونون قادمين لأغراض سريعة ولا يعرفون فى هذه البلاد أحدًا تقريبًا، وتكون هذه المآدب بديلاً عن التجمعات الإسلامية المعروفة فى أىٍّ من البلدان الأخرى بالنظر إلى غياب هذه التجمعات فى اليابان. كما يحرص المسلمون على أداء صلاة التراويح والقيام فى أيام الشهر الكريم، ويأتى الدعاة من البلاد العربية والإسلامية ويحظى المقرئون الراحلون الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ومحمد صديق المنشاوى بانتشار كبير فى أوساط المسلمين اليابانيين، أيضًا يتم جمع الزكاة من أجل إنفاقها فى وجوه الخير ودعم العمل الإسلامى، ويتم جمع هذه الزكاة طوال العام وفى شهر رمضان فى المركز الإسلامى صاحب المصداقية العالية فى هذا المجال. وفى خصوص صلاة العيد فإن الدعوة لها تبدأ من العشر الأواخر فى شهر رمضان، وقد كانت تقام فى المساجد والمصليات فقط، لكن فى الفترة الأخيرة بدأت إقامتها فى الحدائق العامة والمتنزهات والملاعب الرياضية.. الأمر الذى يشير إلى إقبال المسلمين فى اليابان من أهل البلاد أو الأجانب عنها على الصلاة، كما يساعد على نشر الدين بين اليابانيين وتعريفهم به حين.