إذا كان التاريخ العربى للقدس قد تجاوز الآن ستين قرنا - منذ أن بناها العرب اليبوسيون فى الألف الرابع قبل الميلاد - فإن مكانة هذه المدينة قد أضافت إلى عروبتها العريقة دخولها ضمن عقائد الإسلام. فالرباط بينها - كحرم - وبين الحرم المكى، عقيدة دينية إسلامية، تجسد عقيدة وحدة الدين الإلهى الموحد، والرباط المقدس بين قبلة أمة الرسالة الخاتمة وقبلة النبوات السابقة - المسجد الأقصى - أى الحرم القدسى الشريف سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1). الإسراء:1 والقدس، هو القبلة الأولى للمسلمين، والتى توجهوا إليها فى صلواتهم طوال العهد المكى وثمانية عشر شهرًا فى العهد المدنى - أى نحو خمسة عشر عامًا من عمر الدعوة النبوية البالغة ثلاثة وعشرين عامًا. وحتى بعد تحول القبلة الإسلامية إلى الحرم المكى - أول بيت وضع للناس فى الأرض - ظلت القدس حرما إسلاميا مقدسا - مع مكةوالمدينة - وظل مسجدها الأقصى حرما شريفًا، وأحد المساجد الثلاثة التى لا تشد الرحال إلا إليها. ولأن الإسلام هو الإحياء لملة إبراهيم - عليه السلام - لأن إبراهيم هو الذى أعاد بناء البيت الحرام بمكة.. وهو الذى تغرب فى أرض فلسطين المقدسة.. فإن الرباط بين الحرمين - المكى والقدسى - قد غدا تجسيدا لوحدة النبوات والرسالات التى انحدرت من ملة أبى الأنبياء إبراهيم - عليه السلام. ولقد رمزت إلى هذه الحقيقة - حقيقة ربط ملة إبراهيم بين الحرمين المكى والقدسى- مناسك الحج الإسلامية التى أحيت مناسك ملة إبراهيم - عليه السلام - فى الطواف.. والسعى.. وزمزم والصلاة عند مقام إبراهيم. كذلك كانت القدس مكان معجزتين من معجزات رسول الإسلام - صلى الله عليه و سلم -: معجزة الإسراء - التى حملت اسمها سورة من سور القرآن الكريم، ومعجزة المعراج : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18). النجم: 1 - 18 فبهذه الآيات الكبرى، تم الربط، فى العقيدة الإسلامية، بين الحرم المكى- المسجد الحرام- وبين الحرم القدسى - المسجد الأقصى - بين أول بيت وضع للناس فى الأرض، وعُبد الله فيه وبين قبلة النبوات التى سبقت نبوة محمد صلى الله عليه و سلم. وهكذا تجاوزت القدس مكانة أعرق المدن العربية فى التاريخ - التى بناها اليبوسيون العرب فى الألف الرابع قبل الميلاد - لتصبح - بالإضافة إلى ذلك - حرما إسلاميا مقدسا، دخل ضمن عقائد الإسلام.. ولذلك، فإن القدس - اليوم - ليست مجرد أرض محتلة يجب تحريرها.. وليست مجرد قضية وطنية للشعب الفلسطينى.. وقضية قومية للأمة العربية.. وإنما هى - بالإضافة إلى ذلك كله - عقيدة من عقائد الإسلام.