عندما اختار الحق تبارك وتعالى محمدًا بن عبد الله خاتمًا للأنبياء والمرسلين وخاتمًا لأجلّ الرسالات «الإسلام» لم يقل له آمن أو اتعظ أو شيئًا من هذا القبيل. ولكن الله صدّر كلامه لنبيه الكريم صلى الله عليه و سلم ونقله عنه جلّ وعلا أمين الوحى «جبريل» بقوله «اقرأ»، رغم أن النبى صلى الله عليه و سلم كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب.. والله يعلم ذلك، ولكنها المعجزة التى صاحبت محمدًا عليه الصلاة والسلام.. فعلّم هذا الأمى العالم، وفتح بها ممالك فى الشرق وممالك فى الغرب.. وساد العالم بكلمة «اقرأ». إذن فالعلم يرفع بيوتًا لا عماد لها وعقولاً لا سند لها، وكان أول ما يفعله المعتدى عند اقتحامه أى أرض أن يبحث عن العقول النيرة فيبيدها، وعن المكتبات فيحرقها أو يغرقها حتى يمحو ذاكرة الأمة. وخير شاهد على ذلك.. جحافل التتار عندما غزت العراق.. أول شىء فعلته غزوها للفكر وذلك عندما دفعت فى طريقها بمكتبة بغداد غرقًا فى نهر دجلة واتخذت من كتبها جسرًا عبرت عليه.. فأبقت على اليابس وهو الأرض تقيم عليه.. ولم تبق على الأخضر وهو الفكر! والتاريخ هنا يعيد نفسه، ولكن فى مقتل.. فى درة الإسلام «الأزهر الشريف» وفى الصرة من الدرة عندما اقتحم مجهولون مكتبة مشيخة الأزهر محاولين إحراقها ليبددوا ذاكرة تاريخ بما فيه من كتب وذخائر تراث ومخطوطات وجواهر علمية مكنونة لا تقدر بمال، فكل ما فيها يوزن بميزان الذهب أو يزيد. وإذا طرحنا المقتحمين جانبًا من الصورة.. فهم ربما يكونون مأجورين وبالتالى غير مدركين قيمة وقامة المكتبة، ولكن الخطورة فيمن دفعهم إلى ذلك، فهو يعلم ما هو الأزهر وقامة شيخه وعلمائه، وما هو دوره الدولى قبل المحلى.. وهو هنا يحاول سحب البساط من تحت أقدام الأزهر وشيخه، ولكنه واهم.. وغير مدرك أيضًا أنه حتمًا سيسقط تحت أقدام شيوخ الأزهر. وذلك لأن الله حاميه والله حافظه ومؤيده، وإذا كان بيت الله الحرام بمكة المكرمة ومسجد النبى صلى الله عليه و سلم بالمدينة المنورة وبيت المقدس بفلسطين، فإن الأزهر بمصر. ورغم أنه ليس من المساجد التى تشد إليها الرحال حسب نص الحديث فإنه المسجد الذى تشد إليه الرحال.. جامعًا وجامعة للعلم.