«يحيا الهلال مع الصليب» .. شعار طالما ألهب حناجر المصريين للتأكيد على الوحدة الوطنية الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ منذ مئات السنين، وكان القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919 أول كاهن قبطى يعتلى منبر الأزهر الشريف، وهو من أطلق هذا الشعار الذى اختلطت تحت لوائه دماء المصريين دون تفرقة بين مسلم ومسيحى من أجل التصدى للاحتلال البريطانى .. وعاش المصريون على مر العصور فى محبة وألفة ووئام حتى أطل أخيرا شبح الفتنة الطائفية التى يدبرها حاقدون بغرض تمزيق نسيج المجتمع المصرى . وإيمانا بدورهما التاريخى فى لم شمل المصريين على مدار التاريخ أطلق الأزهر والكنيسة المشروع الاجتماعى العملاق «بيت العيلة المصرية» الذى يتكون من عدة لجان لمناقشة أسباب اندلاع بعض الاشتباكات بين نسيجى الأمة واقتراح الحلول المناسبة , فضلا عن إعداد دراسات مهمة للحيلولة دون تجدد أية أزمات. وتواصل اللجان عملها منذ إطلاق فكرة المشروع فى أول يناير 2011 وكان لها دور مهم فى التصدى لعدد من الأزمات والتوصل لحلول عاجلة مثلما حدث أخيرا فى مشكلة كنيسة الخصوص وأحداث الكاتدرائية . وفى استمرار نشاط اللجان عقدت لجنة «ثقافة الأسرة» اجتماعًا بمقر مشيخة الأزهر برئاسة د.محمود عزب مستشار شيخ الأزهر للحوار ود. أميمة إدريس مقررة اللجنة حيث ناقش الاجتماع عددًا من المقترحات لتطوير آلية العمل باللجنة. وكان من أهم الموضوعات التى ناقشها الاجتماع نبذ التطرف والعنف والتواصل مع لجان بيت العائلة ، والوصول لآلية البحث عن أسباب ومشاكل العنف فى المجتمع المصري، ونشر ثقافة التنوع والحوار وآدابه، والقيم المشتركة والتعايش الذى عرفت به مصر طوال تاريخها، وتأكيد قيم المواطنة. وأكد د. محمود عزب أن بيت العائلة بدأ يتوسع فى أنشطته، وأن فروعه بالأقاليم بدأت تتزايد ، وأبرزها فرعا أسيوط ودمياط ، وهناك طلبات عدة لإنشاء أفرع لبيت العائلة بعدة محافظات، فى مقدمتها الأقصر والمنيا. ونوّه مستشار شيخ الأزهر إلى أن أول بيت للعائلة فى الجامعة تم افتتاحه بجامعة بنها، وهى خطوة مهمة ؛ لأن معظم أعضائه من شباب الجامعة ، مؤكدًا أن مفهوم بيت العائلة ليس مجلسًا عرفيًا ، ولا بديلاً عن القانون، وأن تدخله فى الأحداث غالبًا ما يكون بهدف محاصرة النار قبل توسعها، ومساعدة مؤسسات الدولة فى هذا المجال، إضافة لمعالجة بعض القضايا التى تخص أبناء مصر مسلميها ومسيحييها فى التركيز على وحدة الأمة وتماسكها،مشددًا على أن قناة الأزهر فى طريقها للانطلاق قريبًا لترسى قواعد المنهج الوسطى الأزهري. الخطاب المتشدد والتقت «أكتوبر» بعدد من أعضاء لجنة ثقافة الأسرة فى بيت العيلة فقالت د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة بجامعة الأزهر إن البعض فى الطرفين يستخدم الخطاب الدينى المتشدد وهو سبب التعصب عند البعض, مؤكدة أنها صورة ليست مألوفة على المجتمع المصرى الذى يعرف دائما بروح المحبة والتآخي. وأضافت :عشنا أقباطا ومسلمين متجاورين متحابين فى مودة ولم يعكر صفو العلاقة إلا بعض المتشددين المحسوبين خطأ على التدين . وتساءلت كيف يطالب البعض بعدم تهنئة الأقباط بأعيادهم بينما قد تكون زوجة المسلم مسيحية؟ . مشيرة إلى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال لصحابته:«إن الله سيفتح لكم مصر فإذا فتحها عليكم فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم فيهم صهرا وذمة». وطالبت نصير بالقوة والحسم وتطبيق القانون بحق كل متجاوز فى حق الآخر دون النظر إلى ديانته، معربة عن حزنها لما وجدته من شفقة فى عيون لدى عدد من الأجانب أثناء حضورها مؤتمر بالخارج، مشددة على أنها سعت لتوصيل رسالة مهمة أن مصر بخير وأن ما يحدث لا يعدو كونه حالات لم تصل إلى الظاهرة، مطالبة وزارة الأوقاف ومسئولى الكنيسة بمتابعة الخطاب الدينى لاقتلاع جذور التعصب. من جهتها، قالت د. هند أبو السعود رئيس الجمعية المصرية للدراسات السكانية والصحة الإنجابية إن الدراسات الميدانية عامل مهم جدا للوصول لجذور عدد من المشاكل , وأعلنت تبرع الجمعية التى ترأسها بعمل الدراسات مجانا . وطالب د.أحمد رجاء عبد الحميد أستاذ الصحة الإنجابية بجامعة الأزهر بضرورة إنشاء قناة الأزهر من أجل فرض الخطاب الدينى المعتدل , وشاركته فى الرأى د. مواهب المويلحى الباحثة فى الصحة الإنجابية والسكان. بينما يرى د. مجدى فرج طبيب « مشورة أسرية» أن التركيز على الإعلام ودوره فى تضخيم الأزمات أو إمكانية مساهمته فى حلها معركة خاسرة , مطالبا بإعداد برامج لتنمية ثقافة الأسر , وتحقيق المساواة وتطبيق ثقافة التسامح والمشاركة . من جانبها، طالبت الإعلامية نهلة المدنى مدير عام الأنباء والتحليل السياسى بالتليفزيون المصرى بتخصيص فقرة ثابتة عن «بيت العيلة» فى برامج تحظى بنسبة مشاهدة عالية مثل «صباح الخير يا مصر» أو فى راديو مصر، مؤكدة أن الجهود المبذولة فى اللجان ستصل للمشاهد والمستمع بدلا من العمل فى غرف مغلقة والاكتفاء بإصدار بيانات أو دراسات أحيانا لا تلقى نفس تأثير الوصول للمواطن عبر وسيلة إعلام مرئية أو مسموعة . وشددت المدنى على دور مؤسسات المجتمع المدنى فى حل كثير من أزمات المجتمع ومن بينها المشاكل الطائفية , مطالبة بالتنسيق بين كافة لجان بيت العيلة من أجل إعداد القرارات ثم رصدها ومتابعتها وتوثيقها , كما طالبت بتوحيد الخطاب الدينى وترسيخ فكرة ترابط الأسرة , وإقامة ندوات بشكل منتظم لمناقشة هذه القضايا . واقترحت نهلة المدنى عمل فيلم تسجيلى لمدة لا تتجاوز 7 دقائق على سبيل المثال يقدم فكرة كاملة عن «بيت العيلة» فى قالب سينمائى مبتكر ليجذب المشاهدين ويوصل المضمون سريعا. الثقافة الأسرية وقالت د. أميمة إدريس مقرر لجنة بيت العيلة إن الاجتماع الأخير للجنة دعا لمؤتمر عن الثقافة الأسرية لوأد أية محاولات للفتنة الطائفة فى مهدها , فضلا عن إعداد دراسات ميدانية طبقا لفروع بيت العيلة فى المحافظات , وشددت على أنشطة اللجنة تركز على نبذ ثقافة التعصب الدينى والعنف الطائفى والتكامل بين نسيجى المجتمع , فضلا عن التأكيد على القيم المشتركة للدين الإسلامى والمسيحى . وأوضحت أن اللجنة بصدد تكوين لجان مصغرة فى المحافظات والمناطق الفقيرة لتقديم الخدمات الاجتماعية للأسر المسلمة والمسيحية , وحل النزاعات والتنبيه المبكر لمناطق التوتر الطائفى. وأشارت إلى أن من بين الأنشطة المقترحة للجنة تدريب القيادات الدينية المسيحية والإسلامية مع التركيز على الرموز الدينية المستنيرة التى تتمتع بالقبول الشعبى , وتشجيع هذه القيادات على تناول قضايا التطرف الدينى والعنف , ودور الأسرة فى تنشئة الأطفال على ثقافة احترام الآخر وقبول التعددية والاختلاف فى المجتمع من خلال الأنشطة الدعوية التى تقوم بها المساجد والكنائس . وقال الإذاعى سعد المطعنى مقرر اللجنة الإعلامية إن اللجنة تواصل اجتماعاتها بمشاركة لفيف من الرموز القبطية والإسلامية لتوصيل جهد جميع اللجان لوسائل الإعلام لتحقيق الهدف الأهم من بيت العيلة وهو نزع أية بوادر لاحتقان قد يتطور لأزمة تهدد أمن المجتمع . مشيرا إلى أن مندوبا من لجنة الإعلام يحضر اجتماعات باقى اللجان ويعد مادة إعلامية عن فحوى الاجتماعات ومضمونها , فضلا عن تنسيق لجنة الإعلام مع باقى اللجان لاستعراض أحدث ما توصلت له اللجان من نتائج لبلورتها وعرضها على المسئولين للوصول لنتائج عاجلة تحول دون اندلاع بعض الأزمات. وكشف عن تجهيز موقع إلكترونى خاص ببيت العيلة وسينطلق قريبا , لافتا إلى أن من الطموحات إصدار مطبوعات ونشرات إعلامية دورية ترصد كل أنشطة لجان بيت العيلة لتصل لجميع أفراد المجتمع , فضلا عن التنسيق مع عدد من وسائل الإعلام لإعداد فقرات أو برامج تليفزيونية وإذاعية ترصد نتائج الاجتماعات وأنشطة بيت العيلة , لافتا إلى أنها مرحلة تمهيدية قبل إطلاق قناة الأزهر التى ستخصص مساحة كبيرة لبيت العيلة بالاشتراك مع الكنيسة. نموذج للتعاون ويشدد المفكر القبطى الدكتور رفيق حبيب الخبير فى شئون الحركات الدينية على أن الاستمرار فى دعم بيت العيلة وتنفيذ ما تقره لجانه يعد حائلا ضد الأمراض الاجتماعية التى تهدف لزعزعة المجتمع المصرى ونشر قيم وعادات لم يعرفها تاريخ المصريين. مشيرا إلى أن الفكرة تعد نموذجا للتعاون الفعال البعيد عن الشكليات والكلام المرسل لأنها أكثر اتصالا بالواقع حيث تدرس الاحتقان الموجود الذى يقره الجميع وتتوصل بطريقة علمية للحلول وتشرع فى تنفيذها، مؤكدا ضرورة التماسك فى مواجهة التحديات التى تحاول العبث بأمن وإستقرار الوطن، وأخذ الدروس والعبر من الأحداث التى يمر بها المجتمع المصرى فى الوقت الحالى. فيما أشاد الكاتب والمفكر القبطى سمير مرقص بجهد لجان بيت العيلة على اعتبار أن كل أعضائها متطوعون لا يبغون إلا أمن واستقرار وطنهم , مؤكدا أن تعاون الأزهر والكنيسة فى هذه المرحلة الدقيقة قادر على نزع فتيل أية أزمة والتصدى لأية محاولات لزرع بذور الكراهية. وطالب مرقص الإعلام بدعم بيت العيلة وإبراز جهده وتوصيل كل نتائج لجانه للمواطن من خلال برامج أو نشرات إعلامية مطبوعة . وأكد مرقص أن حماية نسيج الوطن من أى محاولات لتمزيقه ليست مسئولية الأزهر والكنيسة فقط بل كل القوى الوطنية مطالبة بلعب دور فاعل عن طريق آليات جديدة تجمع ولا تفرق. أما القس الدكتور أندريه زكى رئيس الهيئة القبطية الانجيلية فطالب بتحويل بيت العيلة إلى مؤسسة منهجية قوية قادرة على مواجهة الأزمات، وتسعى نحو نبذ التطرف ونشر سماحة الأديان، وتعمل على إزالة جميع اسباب الاحتقان الطائفي، وأن تكرس لقيم المواطنة فى المناهج التعليمية والمؤسسات والوسائل الاعلامية، وتدفع رجال الدين نحو تبنى خطاب دينى يتناسب مع روح وثقافة العصر ومتطلبات المجتمع وربط المفهوم الإيمانى بالانتماء الوطنى وابراز قيمة الاخر وحقوقه وواجباته، وحث منظمات المجتمع المدنى على النهوض بدورها فى نشر تلك الثقافة وخلق مشروعات مشتركة تعضد مفهوم السلام الاجتماعي، والنظر الى المصلحة العامة للمجتمع المصري. وحول رأى عدد من المواطنين عن فكرة ونشاط بيت العيلة قال سامح عادل ميخائيل خبير بترولى وأحد المتابعين لنشاط بيت العيلة إنه سعيد جدا بالفكرة , وتحمس لها بعدما علم تفاصيلها من صديق مسلم عضو فى إحدى لجانها, لذا طالبه بالحضور فى الاجتماعات القادمة , مؤكدا أنه لا يوجد أجمل من التطوع من أجل خدمة الوطن وتحقيق الأمن والاستقرار. وتؤكد سماح عزت اخصائية اجتماعية بالتربية والتعليم أن «بيت العيلة» جسر للمحبة بين المصريين , ويأتى فى مرحلة مهمة جدا فى عمر الوطن لذا فإن الاهتمام به من الكنيسة والأزهر يستحق الإشادة , ولكنها طالبت بتفعيل أنشطة اللجان والوصول للمواطنين فى كافة المدارس والمصالح الحكومية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من جهد اللجان.