حالة من الفوضى والانفلات تشهدها الجامعات من اعتداء طلاب على عمداء كليات ورؤساء جامعات وتدمير منشآت واشتباكات بالأسلحة البيضاء والسنج والمطاوى والسيوف وزجاجات المولوتوف لتتحول الجامعات من منارات للعلم إلى ساحات للحرب.. ولمواجهة الأزمة يتم تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى! فما هى الأسباب وراء هذا الانفلات الذى تشهده الجامعات؟ وكيف يمكن نزع فتيل الأزمة داخل الجامعات قبل أن تتفاقم إلى الأسوأ؟ وهل تعليق الدراسة هو الحل.. أم أنه مجرد حبة مسكنة سرعان ما ينتهى مفعولها.. لتعود الأزمة من جديد؟بداية تؤكد د. محبات أبو عميرة العميد السابق لكلية البنات بجامعة عين شمس أن السبب الرئيسى لهذه الأزمة هو دخول الأحزاب وبعض السياسيين داخل الجامعات لأول مرة، حيث زحفت الأحزاب من الساحة السياسية فى الشارع حتى وصلت للجامعة، وقد أدى هذا الزحف إلى حدوث الانقسام السياسى بين الطلاب من خلال الفكر الحزبى وتجسد هذا فى ظهور اسماء لأسر داخل الجامعة تحمل أسماء أحزاب لأول مرة، ومنها أسرة «نيوفيجن» بكلية الحقوق وأسرة الوطن وطلاب مصر القومية وعشيرة الجوالة بكلية الآداب، وكذلك أسرة حزب الدستور وغيرها، مشيرة إلى أن أحد أسباب العنف بجامعة المنصورة ظهور ما يسمى بحركة «الأحرار الإسلامية» وهى حركة طلابية! وتضيف د. محبات: لقد وصل الأمر إلى ارتداء الطلبة ل «تى شيرتات» مكتوب عليها اسماء وشعارات الأحزاب السياسية داخل الجامعة مما أدى إلى التشقق فى الجسم الجامعى. وترى د. محبات أن السبب الثانى لهذا الانفلات الجامعى هو غياب قانون العقوبات الخاص بتأديب الطلاب الخارجين على الأعراف والتقاليد الجامعية والتى تشمل حرمان الطالب الخارج عن القانون من دخول الامتحانات أو من حضور المحاضرات.. وغيرها. وتشير د. محبات إلى السبب الثالث، ويتمثل فى اعتداء الطلاب والتطاول على القيادات الجامعية والذى وصل إلى حد ذهاب أحد الطلاب إلى منزل أحد القيادات الجامعية للاعتداء عليه وأيضًا هروب بعض القيادات الجامعية من الأبواب الخلفية خوفًا من بطش الطلاب أدى إلى تفاقم المشكلة وسقوط هيبة الجامعة. والسبب الرابع لهذا العنف الجامعى كما ترى د. محبات يتمثل فى اللائحة الطلابية الجديدة والتى أنهت وجود أعضاء من خارج الجامعة فى الاتحاد يعينهم رئيس الجامعة وسمحت اللائحة لأول مرة للطلاب بإحضار آخرين من خارج الجامعة لا نعرف هويتهم لتصبح السلطة فى أيدى الطلاب وليس فى أيدى إدارة الجامعة! وتضيف د. محبات أن السبب الخامس يتمثل فىالأمن الإدارى غير المجهز لمواجهة الطلاب الذين يقتحمون بوابات الجامعات. وعن الحلول لمواجهة هذا الانفلات داخل الجامعات تشير د. محبات إلى 3 حلول.. الأول أن يكون للدولة دور فى حماية الجامعة وقياداتها وأساتذتها وطلابها والعاملين فيها.. وتقترح بتوفير أكشاك بجوار أبواب كل جامعة يكون فيه شرطة عسكرية مهمتها الضبطية القضائية لمن يخرج على القانون أو يحمل اسلحة بيضاء وغيرها، مع توفير فرق قانونية من وزارة العدل لاستجواب المخالفين وهذا معمول به فى دول انجلترا وماليزيا والدنمارك، مؤكدة أن الأمن الإدارى لا يستطيع وحده أن يفرز كل الطلاب الداخلين للحرم الجامعى لكثرة أعدادهم، ففى كلية التجارة جامعة عين شمس وحدها مثلًا عدد الطلاب فيها 70 ألفًا فكيف يستطيع هذا الأمن عديم الخبرة أن يفرز كل هذه الأعداد. وتقترح أيضًا إصدار تشريع يجرم المظاهرات والاحتجاجات داخل الحرم الجامعى.. هذا التشريع طبق مؤخرًا فى انجلترا، قائلة إنه على من يريد التظاهر فليذهب للميدان وليس الجامعة. وترى د. محبات أن الحل الثانى لهذا الانفلات هو سرعة تركيب كاميرات مراقبة داخل كل الجامعات وأيضًا تركيب البوابات الالكترونية.. وهذا يتطلب من الدولة توفير الميزانية لهذا الشأن. والحل الثالث كما ترى د. محبات توفير الحوار داخل الجامعات، خاصة أنه فى العامين الأخيرين لم يعد الموسم الثقافى متواجدًا فى الجامعات مؤكدة أننا فى حاجة إلى تفعيل الموسم الثقافى وتطويره لتعليم الطلاب فن الاستماع والفرق بين الخلاف والاختلاف وزيادة التنمية السياسية لديهم. وتؤكد د. محبات أن قرار تعليق الدراسة لن يحل الأزمة إذا لم يكن مرتبطا بتحقيق حلول لمواجهة هذه المشكلة وفى مقدمتها شراء البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة وإذا لم يفعل ذلك فإن تعليق الدراسة ليس له فائدة إضافة إلى ضرورة فتح حوار مستمر، مشيرة إلى أن عدم تنفيذ هذه الإجراءات قد تحدث حربا أهلية داخل الجامعة مع شطب كل أسرة داخل الكلية تحمل اسما لحزب.. وهذا من حق رئيس الجامعة. انفلات العيار ومن جانبه يرى د. فاروق إسماعيل رئيس جامعة القاهرة الأسبق ورئيس جامعة الأهرام الكندية أن أحد الأسباب لهذا الانفلات داخل الجامعات أن الجامعات عاشت لفترات طويلة يحكمها أمن الدولة، ولكن بعد حله وإحلال مكانه الأمن الوطنى أصبح ليس من مهمته النظر فى مثل هذه التجاوزات.. والسبب الثانى افتقار العلاقة بين أعضاء هيئة التدريس والطلبة وعدم وجود القدوة والمثل الأعلى الذى يحتذى به الطلاب.. والسبب الثالث لهذا الانفلات مرتبط بما يدور خارج أسوار الجامعة وكانت انعكاساته على الجامعة فشاهدنا الطلبة المسلحين بالأسلحة البيضاء وبالخرطوش! ويضيف د. فاروق أن الأخلاق قد تأثرت فى الفترة الأخيرة، فرأينا الشباب يتداول الشتائم والسباب والألفاظ البذيئة وأصبحوا لا يحترمون الكبير.. ومعها انفلت العيار، وقد ساعد على حالة الانهيار هذه عدم وجود أمل لدى الشباب فى المستقبل وزيادة حجم البطالة.. وكلها أمور ساعدت على ازدياد اللا أخلاقيات. ويؤكد د. فاروق أن عودة الاستقرار للجامعات لن يتحقق إلا إذا استقرت الدولة خارج أسوار الجامعة، وهذا سينعكس على الجامعات إضافة إلى تدعيم الأمن الجامعى بشكل جاد ليخرجه من حالة «الميوعة» والتى كانت من آثارها انتشار الممارسات الخاطئة داخل الجامعات وفى مقدمتها تداول وتناول المخدرات علانية، مطالبًا بضرورة الاستعانة بشركات الأمن الخاص محل أمن الموظفين الذين ثبت فشلهم فى إدارة العنف داخل الجامعات. ويرى د. فاروق أن تعليق الدراسة بالجامعات هو أضعف الإيمان خاصة بعد اعتداء الطلبة على قيادات الجامعة ووصل إلى حد مهاجمتهم فى مكاتبهم، مؤكدًا أن هذا الانفلات سينتهى باستقرار الدولة. غياب الأستاذ وفى نفس السياق يؤكد د. حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق أن غياب أستاذ الجامعة عن دوره فى النشاط الريادى والتعليمى يعد السبب الرئيسى لهذه الأزمة، حيث أصبحت هناك فجوة كبيرة بين الأستاذ والطالب، مشيرًا إلى أن قيادات وأساتذة الجامعات أصبحوا محصورين فى مكاتبهم وبانشغالاتهم الشخصية ولم يعد يعنيهم الطلاب بالدرجة الأولى فكان الرد الطبيعى أن تحدث هذه الصدامات، فلا ننسى أن هؤلاء الشباب هم الذين بدأوا ثورة 25 يناير، ثم أحسوا أنه لم يتحقق شىء لمصلحتهم.. وأن الآمال العريضة للثورة وصلت إلى طريق مسدود مما جعلهم يشعرون بأن جهودهم قد سرقت لمصلحة آخرين! وأوضح د. طاهر أن القيادات الحالية بالجامعات لا تدرك أن طلاب هذه الأيام هم أكثر ذكاء وفكرًا وثقافة ووعيًا سياسيًا عن الأجيال السابقة. وكشف د. طاهر أن الجامعات كانت منفصلة ولكل منها نظامها الخاص حتى عام 1954 كما هو متبع عالميًا حتى جاء المجلس الأعلى للجامعات فى عهد الرئيس عبد الناصر فظهرت النظم الخاصة ودخلت الجامعات تحت سيطرة الحكومة وسيطر عليها الجمود الوظيفى مما جعل الجامعة جسدًا بلا حياة! مشاهدات يومية أما د. حسن شحاتة مدير مركز تطوير التعليم الجامعى بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة فيرى أن ما نشاهده من عنف وانفلات فى الجامعة هو تكرار للمشاهدات اليومية فى المجتمع من اعتصامات وإضرابات وقطع طرق، وكذلك نتاج لتأثير الإعلام الفضائى والإعلام الإسلامى على السواء من التنابذ بالألقاب يوميًا وإهانة رموز الدولة وعدم الإيمان بالثوابت الوطنية والاتهامات المتبادلة دون سبب وكذلك صور الكاريكاتير المفسد والفاسد الذى تقوم به الفضائيات ويهين رموز الوطن ويستخف بهم ويسخر من رجالات الدولة ومن الذين قاموا بالثورة، مؤكدًا أنه السبب فى العنف غير المبرر من طلاب الجامعة كل هذه الأمور وهى نتاج للتأثير الواضح لبعض التيارات السياسية التى خرجت عن المألوف والقوانين الإنسانية والحريات. ويرى د. شحاتة أن الحلول لهذه الأزمة تكمن فى تطبيق اللوائح الجامعية ونظمها وقواعدها دون رأفة لأن هذا الانهيار الأخلاقى لدى حفنة قليلة من الطلاب يهدد بشيوع الفوضى، فحرم الجامعة مقدس مثل المسجد والكنيسة ويمثل خطا أحمر لا يحق لأى شخص اختراقه أو تجاوزه. ويضيف أن الحل الثانى هو عودة الحرس الجامعى من الشرطة مرة أخرى، ولكن بتواجده فى مكان خارج أسوار الكليات ويكون دوره تطبيق القانون بكل شدة وحزم على الخارجين. ويطالب د. شحاتة بضرورة تخصيص قاعات فى الكليات الجامعية للتعبير عن الرأى بحرية وفى إطار من المسئولية وعدم التجاوز للأخلاقيات الجامعية، وهذا يفرغ الطلبة من الكبت والأفكار المغلوطة. ويؤكد د. شحاتة على ضرورة محاسبة أساتذة الجامعات على الحضور والغياب يوميًا ومشاركتهم للطلاب فى الأنشطة، مع تفعيل الأنشطة الجامعية خاصة الرياضية والفنية والموسيقية والاجتماعية والعلمية وتنظيم المسابقات فيها. ويرى د. شحاتة أن تعليق الدراسة ليس حلًا لهذه الأزمة وأنه يراه نوع من الانسحاب والخوف وقهر الأقلية للأكثرية. ويقترح د. شحاتة توفير نقطة شرطة بجوار بوابة كل جامعة. المناخ العام ويشير د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس إلى أن المناخ العام يشوبه نوع من التوتر والقلق والاضطراب الذى ينعكس على كل فئات المجتمع، ولما كان الطلاب شباب المستقبل جزءًا من هذا المجتمع فقد اندست فيهم مجموعة من الشباب المجرمين المجهزين والمدربين على العنف والقتل وحمل السلاح.. هؤلاء تسللوا للجامعات ودفعوا الطلاب للقيام بهذه الأعمال غير المسئولة. ويضيف أن هذا على وجه العموم لا يعنى أن كل الطلاب يتميزون بالعنف، ولكن نستبشر فيهم الخير، وأن تكون كل جامعة حريصة على كل من يدخل من بوابة الجامعة ويتجلى فى إخراج الكارنيه إضافة إلى عمل «دبوس» يعلق فى ملابس الطلاب عليه شعار الكلية والجامعة للتأكد من أن كل من يدخل للجامعة ينتسب لكلية من كلياتها مع الإسراع فى تركيب البوابات الالكترونية للكشف عن السلاح الأبيض، وهذا ما نتطلع إليه، مع الوضع فى الاعتبار ضرورة إعداد كل جامعة لكوادر من الأمن يتم تدريبها على أعلى مستوى لتكون لها اليد القوية فى منع أصحاب المخالفات من خلال دورات تدريبية تدربهم على كيفية المواجهة واستخدام السلاح والرؤية الثاقبة للأمور. ويطالب د. سيد بضرورة انتظام الأساتذة على حضور محاضراتهم وعدم التأخير على الطلاب والجدية، خاصة أن المدة المتبقية من عمر العام الدراسى اقتربت على الانتهاء، مع العمل على إشاعة روح الاطمئنان فى نفوس الطلاب وعدم تهديدهم بصعوبة الامتحان فإننا نريد بذلك أن ننشر مناخ الطمأنينة لمواجهة المضطرب ببث روح الأمل حتى يستطيع الطلاب مزاولة دراستهم. وينصح د. سيد بعدم إقامة الامتحانات فى الخيام لأن طبيعتها مدعاة ومشجعة لإثارة المشكلات والمشاغبات وعلى القائمين بالامتحانات أن يعقدوا الامتحانات داخل المدرجات والغرف المغلقة. انهيار القواعد ومن جانبها، ترى د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن ما يحدث فى جامعاتنا هو نتيجة حدوث خلط داخل الجامعة مثل كل المؤسسات فى الدولة، بمعنى أن القواعد قد انهارت، حيث تختلف الجامعة عن المدرسة، فالجامعة كما هو معروف يأتى لها الطلاب من كل أطراف المجتمع وليست قاصرة على سكان منطقة محددة.. فهى تشمل جميع الفئات والمستويات وبالتالى فإن الجامعة ليست قاصرة على فئة أو وسط معين. وتبدى د. سامية استياءها من اعتداء طلبة على عمداء ورؤساء جامعات، متسائلة: أين الأخلاق، مؤكدة أن الجامعة كانت لها هيبتها فى الماضى، ولكن بعد ثورة 25 يناير حدث الهياج لدى المصريين، والكل يحاول أن يعطى صفحة رديئة لشخصية المواطن المصرى من اعتصامات وقطع طرق وقتل، وهدم المؤسسات تحت مسمى إعادة هيكلتها. وترى د. سامية أن شباب الجامعة مفهومهم حب المعرفة والمثالية والهوائية.. أى يمكن التأثير عليهم، فهم فى مرحلة عمرية خطيرة، هذه المرحلة العمرية تمتص كل هذا «الوبال» الذى التصق بالمجتمع بعد ثورة 25 يناير، مشيرة إلى أنه ساعد أيضًا على الفوضى داخل الجامعات إلغاء الحرس الجامعى من الشرطة الذى غاب معه الضبط والربط داخل الجامعة. وتؤكد د. سامية أن هذا لا يمنع من أن هناك شبابًا على مستوى راقٍ وعلى قدر كبير من التربية ولكن الفيضان والزلزال يأخذ «الجيد» مع «السيئ».