كان عمر بن عبد العزيز [61-101ه681-720م] ضمير الأمة وخامس الراشدين ولى خلافة المسلمين بعد انقضاء الخلافة الراشدة بنحو ستين عامًا، تم فيها التراجع عن «الشورى» وعن العدل الاجتماعى، وساد الملك العضود والخلافة الناقصة/ وأصبح المال دولة بين الأمراء والأغنياء وفى العامين الذين حكم فيهما عمر بن عبد العزيز كان فى كل يوم يحيى سنة ويميت بدعة، وجعل همه الاول رد المظالم إلى أهلها، وإعادة العدل الاجتماعى والتكافل بين الناس.. ولقد بدأ بنفسه، فرد ميراثه إلى بيت المال، قائلًا: إن قومى أقطعنى ما لا أستحق وما لا يملكون! وكذلك صنع مع زوجه.. ومع أمراء بنى أمية ومع سائر الناس.. ولقد اجتمع أمراء بنى أمية، فيما يشبه الثورة المضادة يريدون إيقاف هذا الذى يصنعه أمير المؤمنين وأرسلوا إليه عمته فاطمة بنت مروان، فدخلت عليه وقالت له: «لقد أردت لقاءك لأنه قد عنانى أمر لابد من بقائك فيه إن قرابتك يشكونك يذكرون أنك أخذت منهم خير غيرك»..فأجابها الخليفة العادل: ياعمة ما منعتهم حقا أو شيئًا كان لهم..فقالت له -فيما يشبه التهديد-: إنى رأيتهم يتكلمون، وإنى أخاف أن يهيجوا عليك يومًا عصيبًا..فكان جوابه: ياعمة كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقانى الله شره!». ثم أراد الخليفة العادل أن يخاطب قلب عمته وأن يذكرها بأنه سيحاسب أمام الله إن ترك هذه الأموال المغتصبة كنزًا عند الذين لا يستحقونها فطلب دينارًا ومجمرة تتقد فيها النار وقطعة من الجلد ووضع الدينار فى المجمرة حتى حمى واحمر، ثم ألقاه على الجلد فأحدث صوت الشواء!.. وذكَّر عمته بالآية الكريمة (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة: 34 - 35 لكن خطاب عمر بن عبد العزيز لم يصل إلى «قلب» عمته..فلم ترق لهذا الذى ذكّرها به وأراها إياه..وعند ذلك أراد مخاطبة «عقلها» وتذكيرها بفلسفة الإسلام فى الأموال والثروات، فقال لها. «ياعمة إن الله تبارك وتعالى بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم- رحمة لم يبعثه عذابا إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه، وترك لهم نهر شِرْبُهم فيه سواء ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله، ثم ولى عمر فعمل على عمل صاحبه فلما ولى عثمان اشتق من ذلك النهر نهرًا ثم ولى معاوية فشق منه الأنهار ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان، حتى أفضى الأمر إلىَّ وقد يبس النهر الأعظم. ولن يروَ أصحاب النهر حتى يعود إليهم النهر الأعظم إلى ما كان عليه». هكذا تحدث ضمير الأمة إلى عقل عمته، فأوجز فلسفة الإسلام فى الأموال وتاريخ العدل الاجتماعى فى كلمات..لكن عمته فاطمة بنت مروان قد أغلقت عقلها وقلبها دون هذا الذى قال وودعته غاضبة وقالت: «لقد أردت مذاكرتك أما إذا كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئًا أبدًا» ثم كان الذى كان من وضع السم فى طعام الراشد الخامس، الذى أحيا سنة النبوة فى العدل بين الناس.