قال تعالى : ( و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) 40- الحج . فى السادس من أكتوبر 1973 م الموافق العاشر من رمضان 1393 ه.. ادخلت قواتنا المسلحة الباسلة الفرحة إلى قلوبنا.. ورسمت البسمة على وجوهنا وشفاهنا.. عندما انطلقت فى الساعة (1400) أى الساعة الثانية ظهرًا.. لتعبر قناة السويس أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب.. وتذيب الحاجز الترابى فى سيناء.. وتقتحم خط بارليف المنيع.. وتلقن العدو فى ست ساعات درسًا فى فنون الحرب والشجاعة.. وعزفت اسلحة القوات المسلحة مجتمعة سيمفونية ابهرت العالم كله.. بدأت بالضربة الجوية التى افقدت العدو توازنه.. تحركت اسلحة المهندسين والمشاة والمدرعات والمدفعية والبحرية.. وغيرها من أسلحة الجيش المصرى الباسل تدعمها الجيوش العربية الشقيقة والقيادات السياسية للشعوب العربية والإسلامية والحليفة.. وفقد العدو توازنه فى ست ساعات بعد أن استمر التدريب والانتظار لمدة ست سنوات ثم تلى ذلك جهود دبلوماسية مضنية حتى 25 ابريل 1982.. نحتفل بعودة سيناء الحبيبة إلى حضن أمها الغالية مصر وتلى ذلك معركة قانونية قادها فقهاء التحكيم الدولى المصريين من خيرة رجال القانون فى العالم بأسره إلى أن اثبتوا فى 19 مارس 1989 أن طابا جزء لا يتجزأ من سيناء الغالية. هكذا تضافرت وتكاملت جهود المصريين على اختلاف تخصصاتهم.. فالعسكريون والسياسيون والقانونيون والاقتصاديون.. وغيرهم كل قد لعب دوره المهم فى استعادة هيبة مصر واستردادها لكامل اراضيها. أتذكر ذلك وأنا أكتب مقالى هذا بعد مرور 31 عامًا على عودة سيناء إلى مصر. ولا أستطيع السيطرة على دموعى وهى تنهمر حينما أتذكر شهداءنا الأبرار كما يرتجف قلبى وأنا أتذكر أن شعار قوتنا المسلحة يوم 6 أكتوبر 1973 كان هو(الله أكبر).. عزيزى القارئ.. إن جهادنا الاقتصادى لإعمار مصرنا الحبيبة لا يقل أهمية عن جهادنا الحربى والدبلوماسى والقانونى لاستعادة سيناء الحبيبة.. والمصرى الذى ضرب المثل للعالم أجمع فى الشجاعة قادر - إن شاء الله - على ضرب المثل فى اعمار مصرنا الحبيبة.. لتظل مصر كما هى أم الدنيا وعندها خيرات الله. لقد تناولنا فى المقالات السبعة السابقة ماهية الصكوك.. فعرفنا أنها وعاء استثمارى وتمويلى يتجمع فيه قيمة اكتسابات مالكى الصكوك هذا الوعاء تديره شركة ذات غرض خاص تصدر الصكوك وتحافظ على أموال مالكى الصكوك وتتابع تنفيذ المشروعات.. وتوصلنا إلى ان الصكوك هى الحل السحرى لتمويل المشروعات وتغنينا عن الاقتراض من الداخل أو الخارج.. بل تحسن التصنيف الائتمانى لمصر.. وتعرفنا على أن الصكوك لا تمثل تهديدًا يذكر للملكية العامة التى نحرص عليها جميعًا. ولقد جاء رأى الأزهر داعمًا لقانون الصكوك مقترحًا بعض التعديلات فى بعض العبارات والالفاظ تأكيدًا على تفعيل قانون الصكوك دون تحريف.. ويأتى مقالنا الثامن للتعرف على أنواع الصكوك من وجهة نظر المصدر. تتعدد الجهات المستفيدة من أموال الصكوك.. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث جهات رئيسية؟ الأولى: الحكومة..ويندرج تحت هذا النوع أيضًا الهيئات العامة والمحافظات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة. الثانية: الشركات..ويندرج تحت هذا النوع البنوك والشركات المساهمة..وشركات التوصية بالأسهم..والشركات ذات المسئولية المحددة.. والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية التى تمول مشروعات فى مصر. الثالثة: مؤسسات الوقف..ولقد قرأت أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أرسلت يوم 13 إبريل 2013 تقريرًا يرى حذف جهات الوقف من الجهات المصدرة للصكوك وكتبت ذلك فى مقالى السابع. ما رأيك عزيزى القارئ فى أن نبدأ الحديث عن الصكوك الحكومية..التى ستخصص أموالها فى تطوير التعليم والصحة والمرافق العامة..وإنشاء مشروعات عامة لتشغيل الشباب..ودعم الموازنة العامة للدولة ولقد حدد القانون شروط إصدار الصكوك الحكومية..وخطوات إصدارها..وكيفية استخدام أموال الصكوك..على النحو التالى. 1- يكون إصدار الصكوك فى جميع الأحوال عن طريق شركة ذات غرض خاص لكل اصدار يكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة «المادة 6» ويعنى ذلك أن الحكومة لن تصدر الصكوك مباشرة..بل ستحدد المشروعات التى سيتم تمويلها من الصكوك على الجهة المستفيدة طرح الصكوك عن طريق الشركة ذات الغرض الخاص بناءً على نشرة اكتتاب عام أو خاص معتمدة من الهيئة.. (المادة 12) 2- تتولى كل من الهيئة الشرعية (الهيئة العامة للرقابة المالية) كل فيما يخصه الرقابة على الشركة ذات الغرض الخاص والجهة المستفيدة فيما تباشره كل منهما من تصرفات وما تتخذه من اجراءات لإصدار الصكوك واستثمار حصيلتها وتوزيع أرباحها والقيام على جميع شئونها (المادة 7)..ويعنى ذلك إحكام الرقابة على كل من الشركة المصدرة..والمشروع الممول من الصكوك. تنشأ هيئة شرعية مركزية لاصدارات الصكوك من تسعة أعضاء (المادة 20) وقد رأت هيئة كبار العلماء بالأزهر تعديل شروط الترشح والعضوية فى هذه اللجنة عما ورد فى المشروع النهائى لقانون الصكوك..والمشروع والتعديل المقترح لا يهدفان إلا إلى وجود لجنة شرعية من أئمة الفكر الإسلامى تختص بالآتى: (المادة 21) ( أ ) ابداء الرأى الشرعى فى شأن الصكوك الحكومية المزمع اصدارها واعتماد هياكلها وعقودها ونشرة اكتتابها. (ب) التحقق من اصدار وتداول واسترداد الصكوك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية (ج) التحقق من استخدام حصيلة الصكوك فيما صدرت من أجله وتوزيع عوائدها منذ إصدارها وحتى استردادها وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ( د ) الرقابة والتدقيق على الأنشطة والمشاريع والصفقات التى تمولها حصيلة اصدار الصكوك للتأكد من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، وتقديم تقرير دورى إلى جماعة مالكى الصكوك المنصوص عليها فى المادة (23) من هذا القانون. (ه) إعداد سجل لقيد أعضاء الهيئات الشرعية ممن تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها فى المادة (20) من هذا القانون. و- أى اختصاصات أخرى شرعية تتعلق بتطبيق هذا القانون. 3- يشترط فى المشروع الذى تصدر الصكوك لتمويله أو تطويره ما ورد ..(بالمادة 10) من القانون وهو : ( أ ) أن يكون هدف المشروع ونشاطه مشروعًا..وأن تديره إدارة متخصصة تتمتع بكفاءة عالية فى نوع النشاط..وفقًا للضوابط الشرعية..(اعطى هذا البند العيش لخبازه)..كما يقول المثل البلدى..واشترط أن يدير المشروع الممول بالصكوك أهل الخبرة..ما رأيك عزيزى القارئ؟. (ب) أن يكون داخل جمهورية مصر العربية. (ج) أن يكون مستقلًا فى حساباته عن المشروعات الأخرى التى تدخل فى الذمة المالية للجهة المستفيدة. ( د ) أن يدار ماليًا باعتباره وحدة مستقلة، بحيث يتضح فى نهاية السنة المالية مركزه المالى، ونتائج أعماله. (ه) أن يكون من شأنه أن يدر عائدًا، وفقًا لدراسة جدوى تعد عنه. ( و ) أى شروط أخرى تحددها نشرة الاكتتاب.. ويتم توزيع عوائد المشروع أو النشاط بين مدير الصكوك ومالكيها حسب ما تنص عليه نشرة الاكتتاب فى الصكوك وعقودها الشرعية. عزيزى القارئ أليس هذا ما تتمناه لكى تتأكد من أن الصكوك تصدر لصالح الوطن ولتلبية احتياجات المواطن؟ 4- تستخدم حصيلة اصدار الصكوك فى الغرض الذى صدرت من أجله، وفقًا لأحكام هذا القانون (المادة 16) 5- ولا يجوز استخدام حصيلة إصدار صكوك المنافع والخدمات الحكومية إلا فى إنشاء أصول ومشروعات جديدة..وألا تزيد مدة الصك على (12) سنة لاحظ عزيزى القارئ رأى هيئة كبار العلماء المنشور يوم 13/4/2013 قد استقر على ألا تزيد مدة الصكوك بصفة عامة على (25) عامًا. 6- يجب ألا يقل الحد الأدنى لقيمة أى إصدار من الصكوك.. -الحكومية- عن مائة مليون جنيه مصرى (المادة 11) هل تتذكر عزيزى القارئ أن ال 100 مليون جنيه مصرى كانت تساوى حوالى 102 مليون جنيه ذهب عام 1950 وكانت تساوى 285 مليون دولار أمريكى عام 1973 وال 100 مليون جنيه هذه تساوى عام 2013 حوالى 13 مليون جنيه.. لماذا؟.. أسمعك تقول بسبب الانتاج..نعم.. أذ احسنا الاستفادة من أموال الصكوك يمكن أن يعود اقتصادنا لسابق عهده فى عصر نبى الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل السلام. - كما ذكرنا فى مقالنا الخامس عن الصكوك- وقد عقد المشرع بإثبات الحد الأدنى وهو مائة مليون جنيه مصرى أن يكون حجم المشروعات الممولة حجمًا مناسبًا لكونها مشروعات عامة ولتقليل نفقات الاصدار والتداول. كانت هذه شروط وضوابط اصدار الصكوك الحكومية والرقابة على استخدام أموالها فى المشروعات العامة فماذا عن صكوك الشركات. 1- تصدرها شركات الأموال (البنوك-المساهمة-التوصية بالأسهم - وذات المسئولية المحددة-والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية لتمويل مشروعات فى مصر) (المادة 2). 2- تشكل الشركات سالفة الذكر هيئة شرعية - (المادة 22). من بين المقيدة أسماءهما فى السجل المنصوص عليه فى البند ه من المادة (21) سالفة الذكر 3- تتولى الهيئة الشرعية سالفة الذكر الاختصاصات المنصوص عليها فى البنود (أ)، (ب)، (ج) من المادة (21) من هذا القانون (المادة 22) ومن الجدير بالذكر أن مشروع القانون ينص فى صدر المادة (22) علىأنه «يجوز للبنوك تشكيل هيئة شرعية بكل منها»..بينما انتهى رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إلى تغيير كلمة «يجوز» بكلمة «يجب» وفى رأيى الشخصى فإن المشرع عندما بدأ المادة (22) بكلمة يجوز قد سمح لشركات الأموال الاستعانة بالهيئة الشرعية المنصوص عليها فى المادة (20) من القانون وقد تعد أن يكون لشركة الأموال المصدرة حق الاختيار بين تكوين هيئة شرعية أو الاستعانة بالهيئة الشرعية المنصوص عليها فى المادة (20)..وفى رأيى فإن لتخوف الأزهر ما يبرره لذا وجب التوضيح. 4- كما يجب ألا يقل الحد الأدنى لقيمة أى اصدار من اصدارات الصكوك التى تصدرها الجهات الواردة فى البند (د) من المادة (2) من هذا القانون عن (50) خمسين مليون جنيه مصرى أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية (المادة 11) وقد قصد المشرع تقليل نفقات الإصدار والتداول بأن حدد 50 مليون جنيه مصرى حدًا أدنى لحجم الاصدار. 5 - يجوز - وفقا لرأيى الشخصى - أن تنشأ مجموعة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة شركة ذات غرض خاص.. تصدر الصكوك.. وتتولى إدارة أموالها.. وتوجهها لتنمية هذه المشروعات بشرط أن توضح نشرة الاكتتاب على سبيل الحصر المشروعات التى سيمولها الإصدار وتعتبر الشركة مصدرة الصكوك فى هذه الحالة تمارس نشاط مدير الصكوك وتخضع لجميع قواعد قانون الصكوك ولائحته التنفيذية. ورأيى هذا أبنيه على مبدأ قانونى أن الأصل فى الأمور هو الإباحة ولا يكون المنع إلا بنص صريح.. وأرجو أن تبادر المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تكوين مثل هذه الشركة ذات الغرض الخاص فور بداية تطبيق القانون للاستفادة من أموال الصكوك.. ويمكن تخصيص مقال لهذا النوع من الصكوك فور صدور اللائحة التنفيذية للقانون. أحكام مشتركة بين الصكوك الحكومية وصكوك الشركات تنص المادة 15 على أن يكون لكل اصدار امين حفظ يتم تحديده فى نشرة الاكتتاب تختاره الشركة ذات الغرض الخاص من بين المرخص لهم من الهيئة، ليتولى نيابة عن الشركة توزيع الفوائد وأداء القيمة الاستردادية عند حلول أجل الصك وفقا للأحكام الواردة بنشرة الاكتتاب، ويجوز أن يكون للصكوك ضامن لتغطية الاكتتاب من بين المرخص لهم بذلك من الهيئة، ومتعهد استرداد وذلك كله بما لا يتعارض مع احكام الشريعة الإسلامية. ومن المادة 15 سالفة الذكر يتبين أن مجلس الشورى قد ادخل مجموعة من المؤسسات لضمان الرقابة على الصكوك فى جميع مراحلها والشفافية المطلقة بما يحفظ حقوق جميع الأطراف وهى ( مالك الصكوك - مدير الصكوك - المشروع الممول) وذلك على النحو التالى. ( أ ) يكون لكل اصدار أمين حفظ يتولى توزيع الفوائد وأداء القيمة الاستردادية وأمانة الحفظ أحد الأنشطة التى تمارس فى سوق رأس المال المصرى.. ويراقب على ما يحفظ لديه من وثائق ومستندات وحسابات. (ب) يجوز أن يكون للصكوك ضامن الاكتتاب وتعنى وظيفة ضمان الاكتتاب أن الضامن يكتتب فى كل الصكوك المصدرة والتى لم يكتب فيها أحد بحيث يتم تغطية الاكتتاب فى الصكوك المطروحة بنسبة 100%. (ج) متعهد استرداد.. وكما نعرف أن استرداد الصكوك يكون بشراء موجوداتها بمعرفة المشروع وهو مايسمى بعملية اطفاء الصكوك.. فكما أجاز المشرع ضمان حصول المشروع على كامل مبلغ الصكوك أجاز ضمان مالك الصكوك للمبلغ المسدد منه عن طريق تعهد طرف ثالث بشراء موجودات الصكوك فى نهاية مدتها وسداد القيمة لمالك الصك. وكل ذلك بما لا يتعارض مع العقد الشرعى الذى يحكم اصدار الصكوك. عزيزى القارئ.. أوردنا فيما سبق القواعد القانونية المنظمة لاصدار النوعين الأول والثانى من الصكوك واللذين اطلقنا عليها الصكوك الحكومية وصكوك الشركات واستأذنك فى عدم الكتابة عن النوع الثالث وهو صكوك الوقف.. احتراما وتقديرًا لما قرأته من رغبة الأزهر الشريف.. منارة العلم والإيمان من القرن الرابع الميلادى.. والذى حافظ على الثقافة الإسلامية والفقه الإسلامى لمدة أكثر من ألف عام.. ولا يزال الأزهر الشريف هو الحصن الحصين. وعلى استحياء استأذن علماء الأزهر الأفاضل فى توضيح أن المشرع قصد تجميع صغار الأموال من صغار المتصدقين واصدار صك بها لصيانة الأوقاف.. وديننا السمح يسمح بذلك.. لأن المبلغ الصغير إذا تم ضمه إلى مبالغ صغيرة أخرى تكون منهم صكوك أموالها خرجت من ملكية الواقف إلى ملكية الله سبحانه وتعالى.. كما قرأت فى رأى الأزهر ولقد توخى مجلس الشورى الحذر عندما جعل اصدار صكوك الوقف لمدة غير محددة.. حيث إن « ما عند البشر ينفد... وما عند الله باق» ثم توخى الشورى الحذر أيضًا.. عندما ترك تعدد أنواع صكوك الوقف لتصدر حسب إرادة الوقف لتراعى نية الواقف إعمالًا بحديث رسول اللهصلى الله عليه وسلم « إنما الأعمال بالنيات... وإنما لكل امرئ ما نوى..» (متفق عليه) - اعزائى القراء.. التقسيم السابق للصكوك.. كان تقسيما أعد وفقا للجهة المصدرة للصك.. فهل يوجد تقسيم آخر للصكوك؟ أو هل توجد أنواع مختلفة من الصكوك يعطى للجهة المصدرة الواحدة اصدار أكثر من نوع منها؟. أراك عزيزى القارئ تقول نعم وفى مقالنا التاسع سوف نتعرف إن شاء الله على العقود الشرعية التى تصدر الصكوك على أساسها فإلى اللقاء.