أحلام وآمال الكثير من شعوب العالم توجهت إلى «ديربان» بجنوب أفريقيا لمتابعة أعمال قمة مجموعة «بريكس» أملاً فى أن تكون هذه المجموعة الاقتصادية حالياً والسياسية مستقبلاً هى فرس الرهان أو رأس الحربة الذى يحرر العالم من أحادية وهيمنة القطب الأمريكى. ومجوعة «بريكس» تحالف اقتصادى اشتق اسمه من الحروف الأولى لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى فى العالم وهى البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. عدد سكان دول أعضاء المجموعة 40% من سكان العالم، وتشكل مجتمعة ناتجاً محلياً يقدر بنحو 15 تريليون دولار، كما تشكل واحدا من أضخم الأسواق العالمية. مجموعة «بريكس» تسعى لإصلاح النظام المالى العالمى وإعداد نظام مالى جديد، واتفق زعماء «بريكس» على توسيع التبادل والتعاون بين دولهم فى مجالات التمويل ومراكز الأبحاث والتجارة والصناعة، وضرورة إصلاح مؤسسات التمويل الدولية من أجل زيادة دور القوى الاقتصادية الصاعدة فى صناعة القرار داخل صندوق النقد والبنك الدوليين. وهناك اتفاقية «انتربنك» التى تتيح للدول الخمس تقديم قروض أو منح لبعضها البعض بعملاتها المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى فى التجارة والاستثمارات البينية. ومجموعة «بريكس» تختلف عن بقية التحالفات والمنظمات التى شهدتها الساحة الدولية من قبل، فلا يربطها نطاق جغرافى أو إقليمى ولا هوية واحدة ولا تاريخ مشترك، حيث إن كل دولة مختلفة عن الدول الأخرى. غير أن هذه الدول بينها رابط ثقافى هو أنها لا تنتمى إلى دائرة الحضارة الغربية، بل تشكل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة، لكن الرابط السياسى الذى يربط هذه الدول الخمس هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية. كما يجمع بين هذه الدول إرادتها للوصول إلى مركزها الطبيعى فى العالم، وإدراكها أن الدول المسيطرة حالياً لن تسمح لدولة أو كيان أن يحل محلها أو أن تأخذ مميزاتها، ولذلك وجدت هذه الدول مصلحتها فى الإلتقاء مع بعضها لصيانة حقوقها، ولإدراكها أن بقاءها منفردة سوف يبقيها على ما هى عليه. «بريكس» فى طريقها لتكوين تكتل سياسى على شاكلة الاتحاد الأوروبى، فالسياسة تتبع التجارة أينما ذهبت. ولعل الإعتبارات السياسية والاستراتيجية لم تكن غائبة عن قمة بريكس الأخيرة، فقد حرصت على إظهار وحدة صفها بشأن القضايا الدولية الكبرى وإثبات وزنها المتزايد فى العالم وبخاصة بشأن ما يجرى فى المنطقة العربية، كما أن العضوية الدائمة لروسيا والصين فى مجلس الأمن يمنح المجموعة فرصة للتنسيق الفاعل تجاه القضايا الدولية. حضر قمة «ديربان» رؤساء 19 دولة بينهم الرئيس محمد مرسى. وصرح جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا أن المجموعة ستنشئ بنكاً للتنمية برأسمال 50 مليار دولار، كما سيتم إنشاء صندوق لمواجهة الأزمات يوازى البنك الدولى. كما شهدت القمة إطلاق مجلس الأعمال الاستراتيجى الذى يسعى لتعزيز التجارة البينية بين دول المجموعة. وعلى صعيد طلب مصر الانضمام للمجموعة نفى سفير الهند فى القاهرة ما تردد من أن الهند رفضت طلباً تقدمت به مصر من أجل الانضام لعضوية البريكس. وأكد السفير أن مسألة العضوية تحتاج إلى اجماع الدول الأعضاء. وهو ما حدث عندما طلبت جنوب أفريقيا الانضمام حيث جرت نقاشات مطولة بين الأعضاء. وتعمل دول البريكس حالياً على تنسيق مواقفها العالمية وبخاصة إزاء الصراعات ومناطق النفوذ، وتعمل أمريكا والتحالف الغربى على عرقلة جهود هذه الدول، وتعمل على اختلاق المشاكل، فمثلا الهند وعوامل الصراع مع باكستان، فنجد أمريكا دائما تبقى على تحالفها مع باكستان من أجل التأثير فى مواقف الحكومة الهندية، وبالنسبة للصين تعمل أمريكا على تعزيز نفوذها فى البحر الأصفر وتشجع اليابان على لعب دور استراتيجى أكبر فى الصراع فى الشرق الأقصى، وفى البرازيل لا تزال لأمريكا أذرع طويلة تستطيع من خلالها التأثير فى الأحداث داخل البرازيل. أمريكا والغرب لا يمكن أن تقبل بتزايد نفوذ مجموعة «بريكس» للحد الذى تتهدد فيه مصالحها، وحتى الآن فإن «بريكس» تعتبر فعلاً كتلة اقتصادية قوية، ولكنها منقسمة على نفسها سياسياً بشكل لا يسمح لها حتى الآن بتشكيل قطب استراتيجى مؤثر على المسرح الدولى.. ولكن مع مرور الوقت وتوافر الإرادة السياسية فستصل المجموعة لأن تعيد تشكيل توازن القوى فى العالم. ..وبعد قمة «ديربان» أصبحت مجموعة «بريكس» موضع توقعات عدة، حول احتمالات تشكيل منظمة اقتصادية ستصبح الأقوى فى تاريخ الاقتصاد العالمى.. والواقع أن تجمع «بريكس» ليس أمامه من خيار سوى تطوير آليات عمله، والالتزام بموقف ثابت ودائم لمواجهة أساليب الهيمنة الغربية، فدول البريكس عازمة على إعادة صياغة العالم اقتصادياً وسياسياً، وقد يبدو هذا حلماً، لكن الوصول إليه ليس ببعيد.