هل تعرف حى شبرا مصر؟! طيب.. هل تعرف شارع الحايس؟!، وإذا كنت تعرف شبرا وشارع الحايس فهل تعرف أيمن محمد راضى؟! بالتأكيد لاتعرفه، لذلك أقول لك إن أيمن هو أحد ضحايا المذبحة التى وقعت فى ستاد بورسعيد مساء الأول من فبراير عام 2012، على باب منزل الأسرة حلت يافطة تشير إلى الشهيد الذى كان قبل 11 شهرا تقريبا يملأ البيت ضجيجا، وكانت اشياؤه وأنفاسه تتوزع فى المكان وفى الشارع مازال أصدقاؤه ينعونه كلما تنامى إلى أسماعهم اسمه. وأيمن الذى لم يكمل من العمر عامه العشرين، عندما لاقى وجه ربه على أرض ستاد بورسعيد، كان يكسب رزقه من العمل ويدرس فى نفس الوقت فى كلية التجارة، نظرا لوفاة والده منذ 14عاما ولمساعدة والدته التى نجحت فى تربية أبنائها وكانت بمثابة الأب والأم معا والتى تعرفنا من خلالها على هذه المعلومات وهى تشير إلى صورته التى تتوسط غرفة نومه قبل أن تغمر عينيها الدموع وتهرب منها الكلمات، ليستكمل لنا الحديث أخوه الأكبر «محمد».. الحكاية بدأت صباح يوم ممطر شديد البرودة هو يوم الأول من شهر فبراير الماضى- حيث الذكرى الأولى لموقعة الجمل- وهو اليوم الذى كانت رابطة مشجعى النادى الأهلى والتى تعرف ب «أولتراس أهلاوى» تقوم بالحشد والتجمع فى أحد ميادين القاهرة للاستعداد للتوجه إلى مدينة بورسعيد لحضور مباراة فريقها أمام فريق النادى المصرى كعادة جماهير الأهلى كل مباراة، إلا أن هذه المرة فوجئت الجماهير برفض أصحاب الأتوبيسات المعتادة الذهاب معهم إلا بعد تسديد مبلغ مليون ونصف المليون جنيه كتأمين خشية تعرضها للاعتداء من جماهير بورسعيد. اضطرت جماهير الأهلى إلى السفر بواسطة القطار، وفى محاولة منهم للتغلب على برودة الطقس أخذت الجماهير تصفق وتهتف باسم ناديها وتردد أغانيها الخاصة «المدرج، الأهلى فوق، من التالتة شمال، المارد» عند توقف القطار فى محطة الزقازيق تفاجأت الجماهير بسقوط وابل من الحجارة والسباب تجاهها من مصدر مجهول، وعند اقتراب قطار جماهير الأهلى من محطة الإسماعيلية تلقى السائق تعليمات أمنية بعدم التوقف ومواصلة سيره خشية وجود «كمين» آخر. وقبل 30 كيلو مترا على دخول القطار محطة بورسعيد فوجئت جماهير الأهلى بتوقف القطار وبقوات الشرطة تطلب منهم النزول وركوب اتوبيسات خاصة للتوجه إلى ستاد المباراة تحت حراسة مشددة، إلا أن ذلك كله لم يمنع جماهير فريق المصرى من قذف الأتوبيسات وتحطيم نوافذها، بالإضافة لتوجيه السباب لهم والتهديد بالقتل فى تكرار لمشهد محطة الزقازيق ولكن هذه المرة تحت مسمع ومرأى من قوات الشرطة التى لم تحرك ساكنا لوقف هذا الاعتداء. ومع غروب الشمس وحلول الظلام واقتراب موعد انطلاق المباراة وتحت الأضواء الكاشفة استقبل جمهور المصرى لاعبى الأهلى أثناء نزولهم أرض الملعب أسوأ ما يكون فهتفوا ضد اللاعبين وجهازهم الفنى وجماهيرهم وهو ما استمر طوال فترة المباراة. ووسط جو مشحون بالتوتر والإرهاب وقلة ملحوظة فى التواجد الأمنى انطلقت المباراة، وتبادل الجمهوران السباب وتفاجأ جمهور الأهلى برفع شخص بينهم لافتة تحمل عبارة «بلد البالة مجبتش رجالة» فى إشارة إلى أهل مدينة بورسعيد قبل أن يجبروا رافعها على إنزالها بعد أقل من دقيقة، وتوعد جمهور المصرى نظيره الأهلاوى بالقتل من خلال الإشارة بالذبح وإشهار العديد من الأسلحة البيضاء والعصا والجنازير. وانتهى الشوط الأول بتقدم النادى الأهلى بهدف مقابل لا شىء ودخل الفريقان وطاقم التحكيم إلى غرف خلع الملابس، وجاءت فترة الاستراحة وازداد التراخى الأمنى أكثر وأكثر، فنزل العشرات من البلطجية ومتعاطى المخدرات إلى أرض الملعب من الجانب الأيسر المخصص لجمهور المصرى دون أى تحرك من قوات الأمن لمنعهم. ومر الشوط الثانى كنظيره الأول ولم يختلف فيه شىء سوى طرد لاعب الأهلى حسام غالى وتقدم المصرى بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، وأطلق فهيم عمر صفارة نهاية المباراة والتى معها بدأ العد التنازلى فى حياة أكثر من 70 فردا فى عمر الزهور، ورغم فوز الفريق البورسعيدى فإن هذا لم يشفع فى شىء ولم يمنع حدوث الكارثة فاقتحم المئات من جمهور المصرى أرضية الملعب من الوسط واليسار فى توقيت واحد وبشكل متزامن مع اختفاء نسبة كبيرة من قوات الأمن المركزى المكلفة بالحماية واكتفاء ما تبقى منها بالمشاهدة فقط. وانطلقت الجماهير باتجاه لاعبى الأهلى وجهازه الفنى الذين نجحوا فى الفرار بمساعدة لاعبى المصرى وجهازه الفنى، ودخل الجميع غرفة خلع الملابس سالمين باستثناء البرتغالى مانويل جوزيه الذى اختفى وسارت الشائعات حول عملية اختطافه أو إصابته قبل أن يتضح قيام كامل أبو على رئيس النادى المصرى بتأمين خروجه من أرضية الملعب وإخفائه. وتحول ستاد بورسعيد إلى ساحة للقتال اختلط فيها اللون الأخضر لعشب الملعب باللون الأحمر لدم الضحايا، وبدأت أنباء تتردد حول سقوط أولى الضحايا داخل غرفة خلع ملابس لاعبى الأهلى، ووسط حالات من الذهول والبكاء الهستيرى والانهيار العصبى والإغماءات التى أصابت كل من داخل هذه الغرفة، أخذ اللاعبون والجهاز الفنى من خلال تليفوناتهم المحمولة إطلاق الاستغاثات للمطالبة بإجلائهم هم والمشجعين على وجه السرعة قبل أن يسقط عدد أكبر من الضحايا، ولكنها كانت لحظات قليلة اقتحم خلالها المسلحون بوابات مدرجات جمهور الأهلى وبسهولة تامة وكأنها كانت مفتوحة مسبقا وفى انتظارهم، ودون أى مقاومة من رجال الأمن وفى مقدمتهم مدير أمن بورسعيد آنذاك اللواء عصام سمك الذى اكتفى هو الآخر بالمشاهدة. وانطفأت معظم أنوار الاستاد وأصبحت الرؤية شبه منعدمة، وحاولت جماهير الأهلى الهرب إلا أنها فوجئت بإغلاق الأبواب الخارجية بإحكام والتى تم لحامها من الخارج أثناء المباراة، لتصبح الفرصة سانحة أمام القتلة الذين أخذوا يخنقون ويطعنون بالسكاكين والسيوف والمطاوى وغيرها دون رادع قبل أن يلقوا الضحايا وهم يلفظون أنفاسم الأخيرة من فوق المدرج الذى يصل ارتفاعه إلى ما يقارب الأدوار العشرة. وعقب ساعات طويلة من التأخر فى التصرف أرسل المجلس العسكرى الحاكم للبلاد آنذاك طائرتين حربيتين لنقل فريق الأهلى وجثث الضحايا، فيما عادت باقى الجماهير التى نجت من الموت بأعجوبة بواسطة القطار الحربى إلى محطة مصر، وهناك انتظرت الكثير من الأسر- ومن بينها أسرة أيمن- لساعات طويلة والقلق يكاد يقتلهم للاطمئنان على أبنائهم وأصدقائهم وأنهم ليسوا فى عداد القتلى. أيمن شهيد شبرا وفى مساء المباراة المشئومة ظل جرس تليفون منزل أيمن لايصمت ولاينقطع رنينه إلا لثوانى معدودة، فالجميع من أقارب وجيران وأصدقاء يحاولون الاطمئنان على ابن التاسعة عشر من العمر، والأم تجيب وتؤكد أن ابنها فى عمله- فقد اعتاد العمل بجانب الدراسة- وهو الذى لم يخبرها بقرار سفره، بعد أن حذرته وشددت على عدم حضوره أى مباراة خارج القاهرة بعدما عاد إليها مصابا العام الماضى من بورسعيد إثر اشتباكات معتادة بين جمهور الفريقين نظرا للعداء الشديد بين جماهير الأهلى وجماهير أندية خط القناة بوجه عام. وتمر الساعات دون عودة أيمن من عمله إلى المنزل، وتتأكد الأم أن ابنها قد خالف أوامرها وذهب خلف فريقه الذى يعشقه، وتحاول الأم الاتصال بابنها الصغير أكثر من مرة لتجد تليفونه مغلقا، ويبدأ الشك والرعب فى التسلل إلى داخلها، وعلمت الأم من خلال قنوات التليفزيون أن مصابى الأحداث سوف يصلون فى القطار القادم من بورسعيد، فنزلت بصحبة ابنها الأكبر «محمد» إلى الشوارع مسرعة والدموع تملأ عينيها والقلق يكاد يقتلها متجهة إلى محطة القطار. ودخل القطار إلى المحطة وأقدام الأم تكاد لا تستطيع حملها فتتعلق بابنها محمد والاثنان أعينهما تتفحص وجوه العائدين الناجين من الموت، إلى أن ظهر أحد زملاء أيمن ليبلغهم بمقتل صديقه وأن جثمانه عائد على متن طائرة حربية، لتنهار تلك الأم البسيطة وهى تسمع نبأ عودة ابنها داخل صندوق خشبى وهى التى ظلت تربى ابنها وهو يكبر أمامها حتى تعدى طول قامته قامتها، ولم تجن تلك الأم من تعبها وسهرها طوال سنين عدة مرت سوى بعض آلاف الجنيهات كتعويض من مسئولى النادى الأهلى قامت بإخراجهما كصدقة على روح ابنها الشهيد، وتقضى الأم الساعات تصلى وتدعى لروح ابنها وتطلب من الله سبحانه وتعالى القصاص من القتلة يوم 26 من يناير القادم موعد النطق بالحكم.