يجب أن يعى الباحثون فى الجامعات ومراكز البحوث أن هناك فروقًا أساسية بين منهج البحوث المتطلبة منهم والتقارير التى تعدها إدارات مختصة فى بعض الوزارات، فالأولى تتميز بكونها تنتمى إلى الأطر العلمية المعاصرة وبأنها متواصلة مع المعايير الأكاديمية الاحترافية المتخصصة. فعلى المشتغلين بالعلم فى الجامعات ومراكز البحوث تجنب الوقوف لسنوات – على سبيل المثال – أمام مشهد بسيط واحد يدركه غير المتخصص واعتباره قضية العصر، فى وقت يتعامل فيه العلم بشكل متسارع مع سلوك الجزيئات والإلكترونات. وتفرض علينا الآلية الخامسة اقتحام مجالات تكنولوجية تطبيقية متنوعة، وذلك بالمزاوجة بين خبرات شبابنا الذين أحسن تعليمهم فى جامعاتنا وأولئك الذين تعلموا فى الخارج، مع الحرص على الاستعانة المؤقتة بخبراء تطبيقيين أجانب ومواد تكميلية مستوردة لاستهداف الحصول على منتجات على مستوى متميز، على أن تقل هذه الاستعانة بالتدريج بالتوازى مع تزايد الخبرة المصرية، وذلك وفق جدول زمنى. وتتطلب الآلية السادسة وضع ضوابط تحقق ارتفاع المستوي الاحترافى للنصوص الواردة في المجلات العلمية المصرية المتخصصة التى تنشر فيها الأبحاث لاستهداف المستويات العالمية ، حيث يجب ألا ينحصر هدفنا فى تعظيم النشر فى المجلات الأجنبية وترك مجلاتنا على حالها. ويمكن للمجلس الأعلى للجامعات بالاتفاق مع الجهات التى تصدر المجلات المصرية تحقيق هذا الهدف من خلال لجان تخصصية رفيعة المستوي يشكلها هذا المجلس. وخلاصة القول فإن نشر بحوثنا فى المجلات العالمية لابد أن يواكبه الارتقاء بمجلاتنا العلمية نحو العالمية. وتتناول الآلية السابعة اختيار الرئاسات على المستويات المختلفة بالجامعات ومراكز البحث العلمى وكذلك اختيار الشخصيات التى تسند إليها ملفات لمسائل جامعية معينة، فهذه الشخصيات يجب أن تكون متميزة إداريًا، ومؤمنة فى وجدانها بالاستراتيجيات سالفة الذكر وفاعلة ودافعة لها نحو التنفيذ الجيد. وأقترح وضع آلية غير راكدة لتمثيل المؤسسات الحكومية والإنتاجية الكبرى فى مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والطب فى مجالس الجامعات والكليات والأقسام ذات العلاقة، وأن ينفذ العكس أيضًا لتحقيق تضافر الجهود المجتمعية وتكامل الرؤى . وأود هنا أن أشير إلى أن القائمين بالتدريس الجامعى هم الوحيدون – على خلاف جميع المهن الأخرى – الذين يقتطعون من مرتباتهم الكثير والكثير لتمويل مقتضيات مهنتهم، وذلك يتمثل فيما يدفعونه من أموال مقابل التقنيات المعملية اللازمه لبحوثهم ورسوم نشر البحوث فى المجلات العلمية ، واقتناء المراجع الدولية الحديثة ، وكأن البحث العلمى هو مسئولية كل باحث وليس قضية وطن ودولة، وهى أمور تستحق المراجعة . وفى دول مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسرائيل تلقى العلوم الأساسية الاهتمام الأول، ويتعاظم أعداد العلماء المتخصصين فيها على اعتبار أنها أساس تقدم علوم الطب والهندسة والزراعة والصيدلة وغيرها. وها نحن أولاء ندرك أولاء أن أعظم دوريتين عالميتين لنشر البحوث – وهما مجلة «ساينس Science» الأمريكية، ومجلة «نيتشر Nature» البريطانية – تختصان بنشر العلوم الأساسية. والسؤال هو هل لنا فى مصر أن نتبنى فى عقولنا ووجداننا وواقعنا هذا المفهوم حتى نستطيع أن نسهم حقًا فى تقدم العلوم بدلاً من أن نكون فقط مجرد قراء لما يضيفه الغير إلى العلم وأن نظل مستخدمين لما تقدمه الدول الأخرى من تقنيات وأجهزة وأدوات ؟ ومن ناحية أخرى فمن غير المنطقى أو المقبول منح صفة «أستاذ» بإجراء روتينى لمن بلغ الستين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وهو مازال مدرسًا أو أستاذًا مساعدًا، فهذا يخل بالمعنى الرفيع لقيمة الأستاذية فى الجامعة، وهى درجة علمية رفيعة تمنحها لجان علمية متخصصة لمن حازوا خبرة كبيرة فى تخصصهم الدقيق وقاموا بأبحاث علمية ذات قدر. وفى جامعات العالم أجمع تمثل درجة الأستاذية قامة عالية علينا أن نحرص على الوفاء بمعاييرها، ونجعلها حافزًا يسعى إليه عن طريق الاحتراف العلمى الصحيح. إن تحصيل الخبرة فى مجال العلوم هو مهمة جد ثقيلة، وهى تبدو بلا نهاية مع تسارع التقدم العلمى المعاصر. إن أستاذ الجامعة يوظف معظم الوقت الذى يقضيه فى منزله لصالح عمل يخص مهنته، وهو مع كل يوم يمر يكتسب مزيداً من الخبرة بحكم أنشطته وواجباته المتنوعة ومنها إشرافه على الرسائل الجامعية، وسفرياته العلمية إلى الجامعات الأجنبية ومراسلاته مع العلماء الأجانب، ومن خلال متابعته للأبحاث العالمية الحديثة فى مجال تخصصه، وعلاقاته العلمية مع زملائه وتلاميذه فى الجامعات المختلفة، ومن خلال المؤتمرات العلمية، وأيضًا من خلال تنامى خبراته المعملية. إن مشاركة أساتذة الجامعات فى الزخم العلمى العالمى يتوافق مع أنهم كانوا فى شبابهم أوائل خريجى الجامعات المصرية. وتأسيسًا على ما سبق فإن الجامعات فى جميع أنحاء العالم تحافظ على أساتذتها بعد سن المعاش باعتبارهم مصدراً للخبرات لا يعوض، فهم ينقلون خبراتهم للأجيال الجامعية من بعدهم، ذلك أن لكل منهم مخزوناً تراكمياً من إعمال للفكر عبر مسار أكاديمى متخصص مرتبط بأطر عالمية. ومن هنا فإن أى انتقاص من حقوق الأساتذة فوق الستين هو إطاحة بالخبرة وتقزيم للجامعة ... والخاسر هو الكيان العلمى للدولة. ومن الواجب علينا تجنب عادة عدم استكمال الجهود! ويرتبط ذلك ببعض التساؤلات عن دور المجتمع فى الاستفادة التطبيقية من براءات الاختراعات المسجلة فى أكاديمية البحث العلمى! وماذا فعلنا بتقارير المجالس القومية المتخصصة وتقارير مجالس أكاديمية البحث العلمى حول قضيتا التعليم والبحث العلمى؟ ، وماذا فعلنا بالأبحاث التى أجريت تحت عنوان مشروعات وقامت بها مجموعات بحثيه من أساتذة الجامعات ؟ ومن المهم أن نعيد النظر فى مراحل التعليم قبل الجامعى. من ذلك دعم التعليم الصناعى والزراعى من خلال الاعتناء بالقائمين بالتدريس فيه ودعم البرامج العملية بمدارسه، ومراجعة المقررات ورعاية خريجيه. أما البرامج التعليمية العلمية فى التليفزيون فهى تحتاج إلى تغيير أساسى. وهنا أود أن أطرح سؤالاً: ما هى الفائدة التى تعود على الطالب من النظر إلى شاشة لا يرى عليها إلا الكلمات التى يقولها المدرس الذى يتولى شرح الموضوع أو أن يرى على هذه الشاشة وجه هذا المدرس وهو يتحدث؟ أليس من المنطق السليم أن تستغل شاشة التليفزيون فى مشاهدة مشاهد لها علاقة بالموضوع الذى يجرى تناوله مثل إجراء تجربة معملية، أو مشاهدة النباتات والحيوانات فى بيئاتها الطبيعية أو زيارة مصنع ؟ ثم أين برامج التليفزيون من التعليم الزراعى والتعليم الصناعى؟ إن هذه البرامج يجب أن تعزف عن مجرد الكلام وأن تتبنى دروسًا عملية تعتمد على استخدام أصابع اليدين والتفكير، وليس مجرد الاعتماد على الذاكرة. كما يرجى حظر التوجه نحو وضع مقررات دراسية تخص قاطنى كل إقليم مهما كانت الأسباب و حسن النوايا ، فعنوان المقرر وتوصيفه ومحتواه يخضع للمركزية شكلا وموضوعا وذلك وفق خلفية قومية . ومن المهم أن نقرر أن التعليم فى المرحلة الإعدادية بصفة خاصة لابد أن يستهدف ترسيخ قيم رفيعة فى وجدان الطلاب تحقق إنتاج مواطن صالح قولاً وسلوكًا، وأن تحقق لدى الطالب حب الوطن والالتزام بالحق والعدل وأمانة السلوك ، والفكر المنظم، والحرص على نظافة البيئة وعدم هدر المياه، والالتزام بصدق القول ودقته ، وسلامة القصد واحترام حقوق الغير، وأمانة تحمل المسئولية ، والحرص على التفوق فى إطار أخلاقى ، والتفكير والعمل فى إطار علمى ، وبث قيمة أهمية استثمار الوقت ، وإعلاء قيمة العمل الجماعى . والغرض من ذلك هو تحقيق إنتاج مواطن صالح مجتمعيًا سواء استكمل تعليمه أو لم يستكمله. إن الإطار المقترح للتعليم والبحث العلمى لابد أن يتواكب معه نشاط مجتمعى إيجابى، بمعنى أن الطالب الممارس للتعلم والباحث الممارس للبحث العلمى لابد أن يستشعر فى وجدانه أن السياسات الحاكمة للمجتمع تستهدف العدالة والتقدم، ومن ضمنها استهداف القضاء على الأمية، وتفعيل نظم تحقق الرعاية الصحية لجميع فئات الشعب، والقضاء على البطالة، والقضاء على العشوائيات، والاهتمام بسيناء والنوبة، وأن تزود كل أنحاء مصر بالمياه العذبة والصرف الصحى، وتعظيم المنتج الزراعى كما ونوعا، ووقف التعدى على الأراضى الزراعية والبحيرات الشمالية، وتعميم الرى بالتنقيط وتحلية مياه البحر، والتوظيف الجيد والأمين لإمكانات الوطن وثرواته الطبيعية، وتحقيق التفاهمات الواجبة مع دول حوض نهر النيل ، والتوجه نحو الطاقة المتجددة متمثلة فى الطاقة الشمسية بالدرجة الأولى. وبالطبع فإن كل ذلك يتم وفق خطط واعية متدرجه ملزمه وواجبه التنفيذ. إن هذا الطرح يمكن أن يسهم فى وضع خريطة طريق للتعليم والبحث العلمى لتحقيق «الجودة».